الفساد يطيح محافظي البصرة والأنبار

أحدهما هرب إلى إيران والآخر عرض أموالاً لتسوية قضيته

ماجد النصراوي ....صهيب الراوي
ماجد النصراوي ....صهيب الراوي
TT

الفساد يطيح محافظي البصرة والأنبار

ماجد النصراوي ....صهيب الراوي
ماجد النصراوي ....صهيب الراوي

يبدو أن لحلول «آب اللهاب»، كما يسمي العراقيون شهر أغسطس (آب) نظرا لارتفاع درجات الحرارة فيه وتجاوزها سقف الـ50 درجة مئوية، الفأل السيئ على رؤساء التنفيذ في المحافظات العراقية، فبعد أن أطاح القضاء مطلع الشهر محافظ صلاح الدين أحمد عبد الله الجبوري وأودعه السجن ثلاث سنوات على خلفية فساد مالي وادري، دارت دائرة القضاء و«الشهر» على محافظي الأنبار، أقصى غرب العراق، والبصرة أقصى جنوبها.
وصدرت أوامر قبض بتهم فساد وسوء إدارة بحق محافظي البصرة ماجد النصراوي، والأنبار صهيب الراوي، الأمر الذي دفع بالأول إلى الهروب، عبر إيران، إلى مغتربه الأسترالي، فيما عرض الآخر نحو ملياري دينار عراقي لتسوية ملفه القضائي.
وينتمي النصراوي إلى «المجلس الإسلامي الأعلى» بينما ينتمي الراوي إلى «الحزب الإسلامي» العراقي. وعقب إعلان النصراوي الاستقالة من منصبه، أول من أمس، كتب رسالة وجهها إلى أهالي البصرة، اتهم فيها جهات لم يسمها بالضغط عليه وتزوير وثائق إدانته، ما دفعه للهروب من البلاد. وقال النصراوي في نص رسالته: «آليت على نفسي ألا أبوح بما يجري خلف الكواليس من استهداف مباشر لنا ومحاولة الإيقاع بنا بأي شكل من الأشكال ابتداءً من الأوراق المزورة التي قدمت إلى هيئة النزاهة والتي ليس فيها أي اتهام ضدنا ولا من الملفات التي حركت من جهات أخرى»، مضيفا: «تم اعتقال عدد من الموظفين والمقاولين وغيرهم بطريقة غير مسبوقة وتم تعذيبهم وإكراههم وتهديدهم بالاعتراف علينا ولكن دون جدوى». وأشار إلى أنه «خلال ساعة واحدة من إعلاني الاستقالة وصلني التهديد والوعيد بالنيل مني، ولخشيتي من الإجراءات التعسفية التي اتبعت مع غيري من المواطنين والموظفين، تركت البلد مضطرا». وبغض النظر عن صحة ما ورد في رسالة النصراوي، إلا أنها قوبلت بموجة استهجان شعبية واعتبرت نوعا من «التحايل» مارسه المحافظ الهارب، خاصة أن أصابع الاتهام تشير إلى تورط أحد أنجاله بملفات فساد واستغلال لنفوذ والده في البصرة.
من جانبها، أصدرت هيئة النزاهة، أمس، توضيحا بشأن سفر النصراوي، ودعت وزارة الخارجية إلى التواصل مع الجانب الإيراني لـ«التحرز عليه» وعدم السماح بهروبه. وقالت الهيئة في بيانها: «نود إطلاع الجمهور على حيثيات خروج محافظ البصرة من العراق»، مبينة أنه «خرج بعد الانتهاء من مؤتمره الصحافي (الذي قدم استقالته فيه) مباشرة، مما يعني قبل وصول قرار منع السفر من قبل هيئة النزاهة». وأضافت الهيئة أن «منع السفر ليس من واجباتنا بل كان إجراءً احترازياً من قبلنا، وتصدياً للمسؤولية لوجود تحقيقات لم تنته بعد»، وتابعت الهيئة بأنها «تغتنم هذه الفرصة لدعوة وزارة الخارجية إلى مفاتحة الجانب الإيراني بالسرعة الممكنة للتحرز على الموما إليه، لعدم استكمال التحقيقات بشأنه». ولم يصدر عن وزارة الخارجية العراقية أي إيضاح بشأن متابعتها لملف النصراوي مع الجانب الإيراني.
وكان رئيس هيئة النزاهة حسن الياسري، أعلن مطلع أغسطس الجاري عن «وجود 216 قرار منع سفر بحق 18 وزيراً وعدد من أصحاب الدرجات الخاصة». ويستغرب كثيرون من الطريقة التي تمكن بها النصراوي من الفرار خارج البلاد رغم إعلان قرار هيئة النزاهة بمنع سفره لـ«وجود تحقيقات غير مكتملة بحقه». وتعاني البصرة وهي التي تزود العراق بثلاثة أرباع أموال موازنته العامة، نظرا لما تصدره من كميات كبيرة من النفط يوميا، من الإهمال وقلة الخدمات وضعف البنى التحتية، ناجمة عن الفساد وسوء الإدارة، وإلى جانب ملف فساد محافظها ماجد النصراوي الهارب، تنتظر رئيس مجلسها صباح البزوني المودع في السجن حاليا، محاكمة تتعلق بقضايا فساد وسوء إدارة.
إلى ذلك، أشارت مصادر من محافظة الأنبار، إلى أن محافظها المتهم صهيب الراوي يسعى إلى تسوية ملفاته عبر دفع نحو ملياري دينار عراقي إلى هيئة النزاهة، مستفيدا من قرار عفو كان صدر في وقت سابق، يسمح لبعض المتهمين بملفات فساد مالية، بدفع قيمة الأموال المختلسة إلى خزينة الدولة، في مقابل تسوية ملفه وإخراجه من السجن في حال وجوده فيه. إلا أن المصادر تؤكد عدم قدرة الراوي على تجاوز أحكام محتملة بحقه، لأنه «متهم بأكثر من ملف فساد وسوء إدارة».
وكانت هيئة النزاهة كشفت في وقت سابق عن أن «قيمة الفساد التقديرية بسبب الشمول بقانون العفو خلال النصف الأول من العام الحالي فقط، ناهزت الـ110 مليارات دينار». وأثارت الفقرة المتعلقة بقضية الفساد في قانون العفو، وما زالت، استياء كثيرين، ويتهم حقوقيون وجهات رقابية الكتل السياسية بإدراجها تلك الفقرة ضمن بنود العفو، للسماح بإطلاق سراح أتباع الكتل وأعضائها من السجون.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.