تحذيرات من تنامي المزاجية الاحتجاجية في روسيا

الوضع الداخلي الاقتصادي مصدر رئيسي لقلق المواطنين

وقّع الرئيس الروسي على قرار يمنع وصول المنتجات الغذائية الأوروبية  في خطوة اعتبرت رد فعلٍ على العقوبات الأوروبية  (أ.ف.ب)
وقّع الرئيس الروسي على قرار يمنع وصول المنتجات الغذائية الأوروبية في خطوة اعتبرت رد فعلٍ على العقوبات الأوروبية (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات من تنامي المزاجية الاحتجاجية في روسيا

وقّع الرئيس الروسي على قرار يمنع وصول المنتجات الغذائية الأوروبية  في خطوة اعتبرت رد فعلٍ على العقوبات الأوروبية  (أ.ف.ب)
وقّع الرئيس الروسي على قرار يمنع وصول المنتجات الغذائية الأوروبية في خطوة اعتبرت رد فعلٍ على العقوبات الأوروبية (أ.ف.ب)

يحذر خبراء ومحللون اجتماعيون روس من تنامي المزاجية الاحتجاجية في المجتمع الروسي، نتيجة التحولات الاقتصادية والتطورات السياسية حول روسيا. وخلال مشاركته في منتدى شبابي بعنوان «أرض الأفكار»، قال فاليري فيودورف، رئيس مركز عموم روسيا لاستطلاع الرأي العام، إن مطالبة المجتمع وسعيه للاستقرار تنحت جانبا وحلت محلها الحاجة والمطلب بالتغيير. ووصف المرحلة الحالية في روسيا بأنها «مرحلة عدم الثقة بالغد»، أي قلق مما هو قادم، موضحاً أن هذه الحالة جاءت بعد أن انتهت الأزمة الاقتصادية، دون أن يحدث نمو اقتصادي واسع في البلاد. وحذر من أن مرحلة كهذه «خطيرة»، معبراً عن قناعته بأن «المزاجية الثورية لا تظهر في مواقف الأزمات، وإنما بعد أن تنتهي الأزمة ويصبح الوضع أفضل»، موضحاً أن «الناس يكفون عن الصبر والتحمل بعد الأزمة، ويبدأون بالمطالبة. وفي هذا الوضع تنشأ المطالبة بالتغيير».
تجدر الإشارة إلى أن مركز عموم روسيا لاستطلاع للرأي هي مؤسسة يدير شؤونها مجلس إدارة يضم ممثلين عن الوزارات الروسية المعنية، فضلا عن ممثل الرئيسي الروسي. ويرى فيودورف، رئيس مجلس إدارة هذا المركز، أن صراعا يدور حاليا حول «الوجه الذي سيمثل عنواناً للتغيير»، وأشار إلى أن «هذا الصراع على المستقبل يدور حالياً، وسيدخل قريباً في مرحلته النهائية؛ لأن روسيا ستشهد بعد نصف عام انتخابات رئاسية». وصدر خلال الأشهر الماضية عن هذا المركز أكثر من دراسة لمزاجية الرأي العام الروسي، ومنها دراسة حول مصادر القلق لدى الروس، والتي تخلق شعوراً بعدم الاستقرار. وخلصت تلك الدراسة المبنية على مسح للرأي العام، إلى أن المخاوف الرئيسية لدى المواطنين مرتبطة بالخوف من ارتفاع الأسعار، والنزاعات الدولية، وكان لافتاً أن أظهرت النتائج أن نحو نصف المواطنين الروسي (45 في المائة) يعتقدون أن «الأسوأ قادم».
وقام موقع «لينتا رو» باستطلاع آراء الخبراء حول «الأسباب التي تجعل اهتمام المواطنين يتحول من القضايا الداخلية إلى اهتمام بالسياسة الخارجية، وما هو مصدر هذه النظرة التشاؤمية لديهم؟». وفي إجابته على هذه التساؤلات يقول ليونتي بيزوف، كبير الباحثين في معهد العلوم الاجتماعية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إن «معطيات مراكز استطلاع الرأي تظهر أن المواطنين الروس يدركون شيئا فشيئا الواقع الجديد الذي يواجهونه خلال تفاقم الأزمة (الاقتصادية). وتوقعاتهم تصبح أكثر تشاؤماً. إذ سادت نظرة في عام 2014، العام الأول من الأزمة، أن هذا الوضع لن يستمر لفترة طويلة، وسرعان ما ستعود الأمور إلى ما كانت عليه، بما في ذلك بالنسبة لأسعار النفط، ودخل الميزانية. أما الآن فقد اتضح أن الأزمة لن تنقشع بسرعة، بل على العكس، ويجري الآن تراجع تدريجي نحو الأسوأ للوضع المالي لدى المواطنين».
ويرى بيزوف، أن المزاجية المهيمنة حاليا هي «الشعور بالقلق»، ويقول إن الجزء الأكبر من مخاوف المجتمع ليست مرتبطة بالتهديد الإرهابي بقدر ما هي على صلة بالقضايا الاقتصادية - الاجتماعية. «ويشعر الناس بقلق جدي حيال آفاق البطالة وفقدان الدخل وإنفاق المدخرات». ويلفت الخبير الروسي إلى أنه «ومع ذلك ما زالت هناك مخاوف متصلة بالوضع الدولي»، ويرى أن القلق لدى المواطنين الروس في هذا المجال يعود إلى جملة أسباب، وفي مقدمتها «خيبة الآمال إزاء إمكانية التطور الإيجابي للعلاقات الأميركية - الروسية. وعوضا عن ذلك، فإن العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى تصبح أسوأ مما كانت عليه». ونظراً للضبابية التي تحيط بآفاق تلك العلاقات واحتمال عودتها إلى طبيعتها، فإن «حالة الشعور بالقلق في المجتمع الروسي ستتفاقم»، وفق ما يقول كبير الباحثين في معهد علم الاجتماع الروسي. إلا أن معطيات دراسات أعدها مركز «ليفاد سنتر» المستقل لاستطلاع الرأي في روسيا، تشير إلى الوضع الدولي بصفته واحدا من مصادر شعور الروس بالقلق، إلا أن تلك المعطيات تظهر بوضوح أن السبب الرئيسي لظهور هذه الحالة في المجتمع هو الوضع الاقتصادي - الاجتماعي في البلاد، والمخاوف من ارتفاع الأسعار، وزيادة الفوارق الطبقية، والمستوى المعيشي.
ويقول دينيس فولكوف، الباحث الاجتماعي من «ليفادا سنتر»: إن المخاوف الرئيسية لدى الرأي العام الروسي مصدرها النقاط آنفة الذكر. لكنه يؤكد في الوقت ذاته، أنه ومع بقاء تلك المخاوف، يُلاحظ في الآونة الأخيرة أن حالة من التفاؤل الحذر تتعزز لدى الروس بشكل عام، وسجل خلال الأشهر الأخيرة تحسن للمزاجية العامة، فضلا عن بعض الانتعاش الذي شهده الوضع الاقتصادي مؤخراً. وقال إن الشعور بالاستقرار بشكل عام تلاشى منذ أزمة عام 2008، وثقة الناس بيوم غد ما زالت مفقودة حتى الآن.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».