جان شمعون حارب بكاميرته 40 عاماً من أجل السلام

أطاحت به الذاكرة وهو يحاول ترويضها

الثنائي جان شمعون ومي المصري
الثنائي جان شمعون ومي المصري
TT

جان شمعون حارب بكاميرته 40 عاماً من أجل السلام

الثنائي جان شمعون ومي المصري
الثنائي جان شمعون ومي المصري

من مفارقات القدر المؤلمة، أن يرحل ذاك المخرج الذي كرّس حياته للقبض على ذاكرة شعبه، بمرض ألزهايمر. ومن المحزن حقا ألا تكون كل تلك الأفلام التي سجّلها المخرج جان شمعون ورحل (أول من أمس)، حول بؤس الحرب وغباء الطائفية، ومآل الحقد، قد أثمرت نفعا كبيرا في منطقة، كان يظن هو نفسه، أنّ عنفها في بؤرتين هما لبنان وفلسطين، فإذا بالخراب يدبّ في أوصالها جميعها. بأفلامه الوثائقية التي أعطاها كل جهده ونبضه، يوم كان الفيلم الطويل يحتاج تمويلا ومساندة وشروطاً، حرّر شمعون نفسه من السؤال والانتظار والارتهان. كانت تكفيه كاميرا وحماس، وعين ثاقبة وصدق لا ينضب، وقليل من المال، كي ينطلق في بلد كل ما فيه يستحق أن يكون فيلما وعبرة. بدأ حياته السينمائية مع الحرب وتوفي قبل أن يرى السلام. هو من أولئك الذين أسّسوا لسينما لبنانية جديدة، تناضل من أجل الإنسان والكرامة وحق البشري في أن يعيش كليته بصرف النظر عن دينه وانتمائه السياسي، قبل أن تطوى هذه الصفحة وتبدأ موجة أكثر مرحا وفرحا.
مع مارون بغدادي وجوسلين صعب وبرهان علوية ورندا الشهال، وآخرين، مضى في تشريح كوارث الحرب من خلال عيون ضحاياها وعذاباتهم. من بيروت إلى الجنوب وفلسطين، جالت كاميرات هؤلاء السينمائيين الذين انحازوا من دون أي التباس إلى السلم قبل أي شيء آخر، ولم يؤيدوا في أعمالهم طرفا أو يدينوا آخر، باستثناء إسرائيل. كانوا يدركون جيدا أنّ القتل لا يوصل إلى غاية، خصوصا حين يكون بين أبناء البلد الواحد.
جان شمعون كان سباقاً، هو ابن البقاع والبيئة الريفية، الذي ظنّ أنّ الزراعة طريقه، أو العلوم السياسية والاجتماعية، فإذا به يجد نفسه في «معهد الفنون الجميلة»، وقد افتتح أبوابه. ثمّ كان انتقاله لإكمال دراسته السينمائية في باريس منعطفا خصوصا أنّه تصادف مع ثورة 1968 التي أحدثت زلزالا اجتماعيا وطلابيا هناك.
بدأ الرجل ثورياً، فما كاد يعود إلى لبنان، وكان يُعدّ لتصوير فيلم عن فيروز، حتى اندلعت الحرب الأهلية، وبدأ البلد ينزلق إلى الجحيم. برنامجه الإذاعي الذي لا يزال يستذكره البعض مع زياد الرحباني «بعدنا طيبين، قول الله» بقفشاته واسكتشاته وسخرياته، بدأ علامة فارقة. ثم دخل عالم الإخراج الفعلي من خلال مسلسل تلفزيوني وأعمال وثائقية، وكرت سبحة الأفلام. صوّر «تل الزعتر» بالشراكة مع المخرجين مصطفى أبو علي وبينو أدريانو، عام 1976، «أنشودة الأحرار» عام 1978 تحية لحركات التحرر.
بتعارفه على الفلسطينية المولودة لأم أميركية في عمّان مي المصري التي كانت عائدة بعد 4 سنوات من الدراسة في كاليفورنيا إلى مكان إقامتها بيروت، وجد أخيرا شريكة حياته. كانت الصبية قد رجعت من أميركا بعد أن أنهت تخصصها السينمائي ومعه بدأت فيلمها الأول «تحت الأنقاض» 1982 أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت، حين كانا يصعدان إلى السطح حيث يسكنان، ويجازفان في تصوير مشاهد قصف الطائرات الإسرائيلية رغم الخطورة التي يتعرضان لها مع مصورهما. ثم أخرجا معا سلسلة من الأفلام المشتركة، فيلم «زهرة القندول» (1985) الذي ذهب بهما إلى الجنوب بعد بيروت، وسلطا الضوء على دور النساء في مقاومة الاحتلال. بعده صورا معا «جيل الحرب» في متابعة لما آل إليه أناس ملأ العنف أيامهم وتفاصيل حياتهم، ثم استكملت السلسلة بـ«أحلام معلقة» عام 1992، وبقي التركيز على النساء خصوصا اللواتي خطف رجالهن أثناء الحرب، وتُركن لأقدارهن من أبرزهن في الفيلم، وداد حلواني التي دعت أهالي المخطوفين بعد أن يئست من العثور على زوجها لنكتشف في الفيلم أنّهم وصلوا إلى 17 ألفا بين مفقود ومخطوف. ويستكمل جان شمعون مطاردة آلام الحرب ونسائها من خلال قصة الطبيبة الجنوبية ليلى نور الدين في فيلم «رهينة الانتظار» عام 1994.
العمل مع زوجته مي أكسب أفلامه بعدا آخر. كانا يتقاسمان الإخراج معا أو الإنتاج والإخراج لضبط إيقاع العمل. وفي كل الحالات، هذا اللقاء العاطفي والفني واجتماعهما على رؤية إنسانية ووطنية مشتركة، جعل مشوارهما الثنائي، من التجارب الفريدة في السينما العربية الوثائقية، وأنتجت إضافة إلى الأفلام ابنتيهما اللتين كانتا تذهبان معهما إلى التصوير وصارتا فيما بعد شريكتين في المشروع السينمائي، خصوصا أنه كان قد أنشأ مع زوجته «ميديا للتلفزيون والسينما» و«نور للإنتاج».
كان لا بدّ من انتظار عام 2000، ليقدم جان شمعون على إخراج فيلمه الروائي الأول «طيف المدينة» الذي راكم كثيراً، على شخصيات ومسارات الوثائقيات التي سبقته، وبقي وفياً، من خلاله، لثيمة الحرب والألم من خلال قصة رامي الذي يهجر قريته الجنوبية اللبنانية هربا من القصف الإسرائيلي ويتوه في بيروت وفوضاها.
رحيل جان شمعون مفصل كما كان رحيل محمود درويش الذي سبقه بتسع سنوات بالتمام والكمال. ليس لأنّ شمعون ستيفن سبيلبيرغ السينما العربية، فهو ليس كذلك، ولا هو فيليني لبنان بكل تأكيد، كان بكل بساطة مخرجا إنسانيا، ملتزما لا بل وشديد العناد، في رؤيته. جعل للنساء دورا محوريا في أفلامه هو الذي لم يعرف والده، وتربّى في كنف أم علمته محبة الآخرين من دون تمييز بين أديانهم وانتماءاتهم، وكان يقول إنّه بقي وفيا لهذه الأم وسماحتها، مدركا للدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه المرأة.
بغياب جان شمعون، وفي هذا الظرف الذي يمر به العرب بالذات، تبدو أفلامه التي لم تكن تعنى كثيرا بالجماليات وسحر المشاهد وإدهاش المتفرج، بقدر ما تهمها الرسالة وعمق المعنى، وإيصال الفكرة المخلصة، هي مما يستحق أن يحتفى به وتعاد مشاهدته.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.