للمرة الأولى منذ إطلاقه في صورته الجديدة، لن يشارك أي مدرب اسكوتلندي في الدوري الممتاز في موسمه الجديد. عام 2011، كان هناك 7 مدربين اسكوتلنديين، إذن لماذا خفت نجمهم؟
كان عام 2011 بمثابة نقطة الذروة في أكثر الأوقات إثارة، فبعد فترة طويلة من نيل لاعبي المنتخب الاسكوتلندي كثيرا من الاحترام والتقدير على مستوى الدوري الإنجليزي الممتاز، ظهرت في الأفق ملامح ظاهرة جديدة تتمثل في تنامي اعتماد الأندية الإنجليزية على المدربين الاسكوتلنديين. ذلك العام، من بين إجمالي 20 مدرباً بالدوري الممتاز، 7 منهم كانوا اسكوتلنديين.
ورغم أن واحدة من القواعد الكونية تقضي بأن لا شيء يستمر إلى الأبد، يبقى ذلك تفسير ناقص لانحسار هذه الظاهرة الكروية قصيرة الأجل، ويظل من المثير للحزن معاينة المشهد العام للمدربين على مستوى الدوري الممتاز ونحن نستعد لانطلاق موسم 2017 – 2018، وسيخلو الموسم الجديد من المدربين الوافدين من شمال الحدود، وذلك للمرة الأولى منذ إطلاق الدوري الممتاز الإنجليزي في صورته الجديدة عام 1992. ذلك أنه لم يخل عام واحد طوال هذه الفترة من مشاركة مدرب اسكوتلندي واحد على الأقل في الموسم من بدايته. في الواقع، تمتد هذه الفترة لما هو أبعد عن ذلك، بالنظر إلى أن سير أليكس فيرغسون تولى مسؤولية تدريب مانشستر يونايتد قبل ذلك التاريخ بست سنوات. وبطبيعة الحال، من المهم هنا الإشارة إلى الإطار العام؛ ذلك أن خمسة فقط من المدربين على مستوى أندية الدوري الممتاز إنجليز.
في الواقع، تميز فيرغسون بدور محوري بنجاحه محلياً وعلى الصعيد الأوروبي ـ في أبردين بمفرده تقريباً أعاد المدربين الاسكوتلنديين إلى الخريطة الكروية بعد أكثر من عقد على الجهود الهائلة التي بذلها جوك ستين في سلتيك. وقد حقق جيم ماكلين عملاً بطولياً مشابهاً خلال ثمانينات القرن الماضي في وجه معارضة قوية أثناء توليه تدريب دندي يونايتد، لكن على خلاف الحال مع فيرغسون، فإن ماكلين لم يخض قط مغامرة العمل في الدوري الممتاز.
ومع صعود نجم فيرغسون، تنامت قدرته على التأثير على أي من المدربين تجري الاستعانة به من قبل أندية أخرى. في الواقع، لقد مارس نفوذاً أقرب ما يكون إلى الأب الروحي. وبطبيعة الحال، كانت غالبية اختياراته لمدربين اسكوتلنديين؛ الأمر الذي بلغ حد الاستعانة بمدرب اسكوتلندي خلفاً له هو شخصياً. حتى كلمات فيرغسون حملت أهمية كبيرة، ومع انطلاقه في مساندة المدربين الاسكوتلنديين وأساليبهم، أنصت الجميع بتوقير لما يقوله.
من جانبه، أعرب روي هودجسون، المدرب صاحب الباع الطويل داخل الدوري الإنجليزي الممتاز ومدارس التدريب الشهيرة التي تنضوي تحت لواء الاتحاد الاسكوتلندي لكرة القدم، عن اعتقاده بأنه: «أوعز هذه الظاهرة حصرياً لمسألة أنها كانت فترة تميزت بوجود عدد من المدربين الاسكوتلنديين الموهوبين، على رأسهم بطبيعة الحال سير أليكس ـ ولا شك أن هذا أسهم في خلق فرص أمام آخرين. أيضاً، كان هناك لاعبون اسكوتلنديون بارعون للغاية (داخل إنجلترا) أنجزوا مسيرة كروية ناجحة ليتحولوا بعدها إلى مجال التدريب. في الواقع، لا أرى في هذا الأمر سوى أن هؤلاء كانوا بمثابة جيل ذهبي».
كان أليكس مكليش واحداً من هؤلاء عام 2011، وإن كان هو نفسه أقر بأن قراره المثير للجدل بالانتقال من بيرمنغهام سيتي إلى أستون فيلا ربما أعاق مسيرته التدريبية. وحتى يومنا هذا، يظل مكليش واحداً من أكثر الاسكوتلنديين خبرة وتقديراً وإخلاصاً داخل سوق كرة القدم ـ على صعيدي اللعب والتدريب ـ ومع ذلك، فقد وجد سبل العودة إلى إنجلترا مسدودة منذ رحيله عن نوتنغهام فورست عام 2013، وقد اتضح استعداده للعمل بتوليه لاحقاً تدريب فريقين في بلجيكا ومصر.
وقال مكليش: «هناك الكثير من اللاعبين الأجانب في الدوري الممتاز. وربما يظن مالكو الأندية أن الإنجليز أو الاسكوتلنديين غير قادرين على التعامل مع هذا الوضع، لكنني سبق وأن دخلت إلى غرفة تبديل ملابس (في رينجرز) خلفاً لديك أدفوكات ونجحت في تحفيز مجموعة من اللاعبين كانوا يعانون من ضعف ثقتهم بأنفسهم، وكانوا يضمون لاعبين هولنديين وإيطاليين واسكوتلنديين، وبعضهم بلغ دور قبل النهائي في بطولة كأس العالم».
وأضاف: «انظروا إلى ديفيد واغنر وما فعله في هيدرسفيلد. أيضاً، تحقق أمر مشابه داخل نوريتش (على يد دانييل فاركي). وبغض النظر عما إذا كانت هذه صيحة قصيرة الأمد، تبقى الحقيقة المؤكدة أن المدربين الأجانب أصحاب النفوذ الأكبر حالياً. إلا أن الكبار الذين تعلمت على أيديهم دائماً ما كانوا ينصحونني بتجنب الشعور بالدونية أمام أي شخص فيما يتعلق بمهارات التدريب».
من ناحية أخرى، فإن الحالات الفردية ربما حملت أهمية أكبر كثيراً عما أدركه أي شخص في ذلك الوقت، لكن المصاعب التي واجهها ديفيد مويز، على سبيل المثال، داخل مانشستر يونايتد جاءت فقط في أعقاب ما وصفه الأب الروحي للمدربين الاسكوتلنديين كريغ براون بـ«سجل مثالي تماماً». والسؤال هنا: هل تركت الدعايات السلبية حول بيلي ديفيز أو مالكي ماكاي أصداء لها؟ أيضاً، منيت بعض الأسماء الاسكوتلندية اللامعة بسقوط مدوٍ في إطار الدوري الممتاز، مثل جورج بيرلي وأوين كويل.
من ناحية أخرى، ثمة دلائل قوية تشير إلى تراجع شعبية المدربين الاسكوتلنديين بوجه عام، منها رحيل روبي نيلسون عن هارتس، والذي كان يحتل حينها المركز الثاني على مستوى الدوري الاسكوتلندي، كي ينضم إلى نادي ميلتون كينز دونز في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي. ورغم اعتقاد الكثيرين بأنه فعل كل ما بوسعه في إدنبره، فإن نيلسون كان مدركاً كذلك لإمكانية التعرض لمستوى أكبر من الانكشاف أمام الأندية الإنجليزية الكبيرة من داخل البطولة الأقل (الدرجة الأولى).
وتشير ثمة أقاويل إلى احتمال انتقال آلان أرتشيبالد، الذي حقق نجاحاً كبيراً مع نادي باتريك ثيسل رغم ضآلة الميزانية المتاحة أمامه، إلى سوندون تاون. أما ديريك آدامز، فقد وجد نفسه داخل دوري الدرجة الثانية مع بليموث أرغايل رغم النجاح الذي حققه مع روس كاونتي. ووجد نيل لينون ـ والذي رغم أنه غير اسكوتلندي، فإنه مرتبط بدرجة كبيرة بالمشهد الكروي هناك ـ نفسه متجهاً في الخطوة المقبلة نحو مشهد فوضوي داخل بولتون، رغم نجاحه في الفوز على برشلونة أثناء توليه تدريب سلتيك ووصوله به إلى دور الـ16 من بطولة دوري أبطال أوروبا.
من جانبه، أوشك ديريك مكينيس على أن يصبح الاستثناء لهذا التوجه العام، قبل أن يرفض عرضاً لتدريب سندرلاند. ومع هذا، لا يزال هناك شعور بأن مدرب أبردين سيحالفه الحظ ويتلقى عرضاً لتدريب نادٍ أكبر. جدير بالذكر، أن مكينيس تعثر بالفعل داخل بريستول سيتي.
من ناحيته، قال هودجسون: «لا أعتقد أنه بالإمكان ربط المدربين داخل الدوري الممتاز بمستوى جودة التدريب في اسكوتلندا أو الدورات المتاحة هناك. في الواقع، يتحرك الدوري الممتاز في بحر من الأموال. وفي كل مرة يبحث أحد أنديته عن مدرب، لا يوجه عينيه نحو الجزر البريطانية، وإنما يتطلع نحو العالم بأسره. هناك 20 ناديا فقط داخل سوق الدوري الإنجليزي الممتاز الضخمة، لكن ليس للأمر علاقة بمهارات التدريب، وبخاصة أن شهادات التدريب الإنجليزية والاسكوتلندية المعتمدة من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) من بين الأرفع على مستوى القارة».
وأضاف: «الرسالة التي أود توجيهها إلى المدربين ألا يأخذوا هذا الأمر على محمل شخصي، وألا ينظروا للأمر باعتباره انعكاساً لقدراتهم. عندما تعاين الأندية الإنجليزية السيرة الذاتية لمدرب فاز ببطولة دوري أبطال أوروبا وأخرى لمدرب عمل مع نادٍ اسكوتلندي، فإن السيرتين للأسف لا تبدوان على قدم المساواة أمام ملاك الأندية».
ومع هذا، يبقى المدربون الاسكوتلنديون بوجه عام متميزين بسمات تجعل منهم، نظرياً على الأقل، خيارات جذابة أمام الأندية، منها أن اسكوتلندا بوجه عام تتمتع بأخلاقيات عمل رائعة، علاوة على أن من عملوا داخلها واجهوا قيوداً شديدة فيما يتعلق بالميزانيات المتاحة. كما أن نقص أعداد العاملين يعني أن المدربين داخل اسكوتلندا اضطروا إلى تغطية مجموعة متنوعة من الأدوار.
في الحقيقة، لقد تمتع فيرغسون ومكينيس ومن بعدهم لينون بدفعة كبيرة لسمعتهم بمجال التدريب بفضل مرورهم عبر بوابة أوروبا. ومع النظر إلى الدوري الاسكوتلندي حالياً بشيء من الازدراء من جانب إنجلترا، لم تتح فرصة المشاركة في أوروبا لفترة مناسبة. وبخلاف سلتيك، أخفقت الأندية الاسكوتلندية على نحو مروع في مبارياتها أمام أندية أجنبية خلال الفترة الأخيرة.
والسؤال هنا: هل ستثبت الأيام أن الأفول الحالي لنجم المدربين الاسكوتلنديين عثرة مؤقتة؟ من ناحيته، قال مكليش: «نأمل ذلك، لكن في الوقت الراهن تبدو الصورة مظلمة بعض الشيء». واللافت، أن مثل هذه المشاعر السلبية سائدة على نحو يبعث على القلق.
أين ذهب المدربون الاسكوتلنديون؟
يغيبون عن فرق الدوري الممتاز الإنجليزي للمرة الأولى منذ 1992
أين ذهب المدربون الاسكوتلنديون؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة