البنية السريالية في «المؤتمر الأدبي»

أول عمل للإسباني سيزار آيرا بالعربية

البنية السريالية في «المؤتمر الأدبي»
TT

البنية السريالية في «المؤتمر الأدبي»

البنية السريالية في «المؤتمر الأدبي»

صدرت عن دار «مسكيلياني» للنشر بتونس نوفيلا تحمل عنوان «المؤتمر الأدبي» للكاتب الأرجنتيني سيزار آيرا، ترجمة عبد الكريم بدرخان، وهي النوفيلا الأولى لآيرا التي تُترجَم إلى اللغة العربية علماً بأن روايته القصيرة الأولى «مرييرا» وجدت طريقها إلى النشر عام 1975، وقد بلغ رصيده الإبداعي حتى الآن سبعين نوفيلا، إضافة إلى تراجمه وكتاباته النقدية الأخرى.
قبل أن ندخل إلى فضاءات هذه النوفيلا (96 صفحة) لا بد من الوقوف عند تقنيتها، فالمعروف عن آيرا موقفه المناهض للواقعية السحرية؛ إذ ثار عليها منذ وقت مبكّر، وكتبَ ضدّها على الرغم من شيوعها في أميركا اللاتينية وهيمنة الكثير من كُتّابها أمثال ماركيز، خوان رولفو، أوسترياس، إيزابيل الليندي، بورخيس وسواهم من المبدعين الذين تركوا بصماتٍ واضحة في الذاكرة الجمعية للقراء في مختلف أرجاء العالم. فما جديد سيزار آيرا على الصعيد التقني؟ وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن عدد نوفيلات آيرا المترجمة إلى الإنجليزية قد بلغ حتى الآن إحدى عشرة نوفيلا، وهو عدد قليل لا يسمح للناقد بالمجازفة في إطلاق الأحكام. ومع ذلك سنتجرأ قليلاً ونقول إن نوفيلاته تجمع بين المعقول واللامعقول، وتزاوج بين الواقع والحلم، آخذين بنظر الاعتبار أن غالبية النقاد الأرجنتينيين قد أحالوا كتاباته إلى أربع مدارس أدبية وفنية معروفة، وهي: «الواقعية، العبثية، السريالية والدادائية» في إشارة صريحة إلى مرجعيتها الأوروبية، ورغبة الكاتب المحمومة في تجاوز الواقعية السحرية بوصفها حركة أدبية قديمة لم تعد تتماشى مع روح العصر.
تبدو أن عبارة «المؤتمر الأدبي» تقريرية ولا تصلح أن تكون عنواناً لهذه النوفيلا، لكننا ما إن نشرع في القراءة حتى نبدأ باستساغة العنوان شيئا فشيئاً. تتألف هذه النوفيلا من فصلين وهما «خط ماكوتو»، وهو فصل قصير يشتمل على عشر صفحات لا غير، بينما يغطي الفصل الثاني المعنون بـ«المؤتمر الأدبي» بقية الصفحات التي قسّمها الكاتب إلى ثمانية مقاطع تصوّر التصعيد الدرامي للحدث السُريالي الذي ترتكز عليه النوفيلا، فثمة أحداث عجائبية ثلاثة تتوزع بانتظام تقريباً في مستهل النص ووسطه ونهايته قبل أن يتركنا الكاتب في مواجهة النهاية المفتوحة، وهي تقنيته المفضلة في كتابة النص النوفيلوّي الذي يشترط وجود قارئ عضوي يتفاعل مع الأحداث ويُشارك في صناعتها.
يُمثِّل الفصل الأول عتبة نصيّة تتيح للقارئ أن يتعرّف إلى البطل الذي اكتشف «خط ماكوتو» مُصادفة، فهو لا يعترف بعبقريته العلمية الفاذّة، ولا يُعير وزناً لموهبته الأدبية، كما أن تجاربه العلمية مُحاطة بالسرية والكتمان، ويصف نفسه غالباً «بالعالم المجنون»، آخذين بنظر الاعتبار أن آيرا يسخر من نفسه، وتشكِّل هذه السخرية جزءاً حيوياً من أسلوبه في كتابة نصوصه الإبداعية. يعمل هذا البطل منذ شبابه بالترجمة وهي وسيلته الوحيدة لكسب قوته اليومي. ولو دققنا في غالبية هذه التفاصيل لوجدناها تنطبق تماماً على سيزار آيرا نفسه الذي يجسّد دور البطولة في العديد من أعماله الأدبية، لكنها ليست بالضرورة سيرة ذاتية متطابقة في كل التفاصيل.
تتكئ هذه النوفيلا برُمتها على ثلاثة مشاهد سُريالية مُدهشة، وهي ظهور الكنز من قلب البحر، وطَوَفان تمثال البرونز على سطح المسبح، وانحدار مئات من الديدان العملاقة الزرقاء من الجبال المحيطة بمدينة ميريدا الأثرية. لا شك في أن المشهد الأول سُريالي بامتياز؛ فهو يُعبِّر عمّا يحدث في العقل الباطن للبطل الذي سمع صوت قرقعة هائلة، ثم رأى صندوق الكنز يقفز من قلب البحر، ويرتفع قرابة مائتي قدم، ثم يتوقف في الأعلى لحظة واحدة قبل أن يهبط عمودياً إلى الأسفل عند قدميه ليجعل منه ثرياً في لحظات!
سيتكرر هذا المشهد السُريالي المُدهش حينما يرى البطل «تمثالاً من البرونز يطفو على سطح الماء، ثم يخرج من قلب الزبد ويتمشى على حافة المسبح بلونه الوردي، تمثالاً مُفعماً بالحياة»(ص46). وسرعان ما نكتشف أنه تمثال أميلينا الذي تجسّد له عبر رؤية سُرياليّة مُبهمَة، إذ سبق له أن التقى بها في هذا المسبح تحديداً، ووقع في حبِّها رغم أنها كانت في عمر ابنته، لكنه لم يستطع نسيانها أبدا لأنها أصبحت مُلهِمته.
يمكن اعتبار المشهد السُريالي الثالث هو متن النوفيلا وذروتها التي سوف تفضي إلى النهاية المفتوحة. وقبل الخوض في تفاصيل هذا المشهد الذي تستند عليه النوفيلا برمتها يجدر بنا أن نتعرف جيداً إلى راوي النص وبطله؛ فهو عالم أجرى تجارب كثيرة، وقد نجح في استنساخ الحشرات والحيوانات الزاحفة والأفراد، وكان «يريد لمخلوقاته المُستنسَخة أن تكون تحت رحمته» (21). وفي خاتمة المطاف قرّر أن يستنسخ الروائي المكسيكي كارلوس فوينتس الذي أحبّه وأعجب بكتاباته الأدبية. وقد لبّى الراوي دعوة المؤتمر الأدبي بعد أن تأكد من حضور فوينتس نفسه. غير أن أمراً مُريباً حدث في اليوم السابع، وهي المدة التي تحتاج إليها عملية الاستنساخ؛ إذ احتشد الناس على أسطح البنايات بينما كانت نواقيس الكاتدرائيات تُقرَع في كل أرجاء المدينة. فثمة ديدان عملاقة زرقاء بطول 1000 قدم وبقطر 70 قدماً تنحدر ببطء من أعالي الجبال، كائنات لزجة، أسطوانية الشكل دونما رؤوس أو أذيال، مخلوقات جبارة تزيح الصخور الثقيلة، وتشق خاصرة الجبل محوّلة أشجاره الضخمة إلى فُتات مُبعثر. ربما لا تحتاج المدينة إلى أكثر من اثنين أو ثلاثة من هذه الديدان الضخمة لكي تمحوها من الوجود رغم أنها لا تمتلك نزعة شرّيرة. فجأة تذكر العالم المجنون أن هذا اللون الأزرق البرّاق قريب جداً من ربطة العُنُق التي كان يرتديها فوينتس، ومن المحتمل جداً أن دبّورته قد جلبت خلية من ربطة عُنُقه الحريرية لا من جسده. لم تخطئ آلة الاستنساخ إذن، فلقد قرأت الشيفرة الوراثية وإعادة استنساخها، لكن العالم المجنون هو الذي ترك الآلة على زر «العمْلقة»، وهو المسؤول الوحيد عن هذه الكارثة ويتوجب عليه إيقافها. كان عقله العبقري يعمل دون عِلمه ومشورته مع أنه كان يعرف الأثر الذي يُحدثه الضوء في الخلايا المستنسخة. وضع الديدان أمام عدسة المجهر وبدأت الصور المنعكسة على الشاشة تمتصها تباعاً حتى اختفى القطيع برمته فظن الناس المذهولون أنهم أمام معجزة كبيرة، بينما ظل العالم موقناً بأن لا شيء في هذا الوجود يحدث من دون سبب، وأن الواحد هو الكل، وهذه هي طبيعة الخلايا المُستنسخة.
تجدر الإشارة بأن نوفيلا «المؤتمر الأدبي» لسيزار آيرا تُذكِّرنا في الأقل برواية «فرانكشتاين» للكاتبة البريطانية ماري شيلي التي صنع بطلها مسخاً هائلاً سوف يستدل على خالِقه ويبدأ بتصفية أفراد أسرته تباعاً مع اختلاف التفاصيل بطبيعة الحال، فديدان آيرا العملاقة الزرقاء ليست شرّيرة على الرغم من أحجامها المهولة بينما كان مسخ شيلي قاتلاً مع سبق الترصد والإصرار.
تتآزر في نوفيلات آيرا المُتقنة عناصر عدة تتمثل في عذوبة اللغة، وغرابة الأفكار، وسلاسة السرد التي تُغري القارئ وتجعله يصدّق الأحداث الفنتازية التي تقع ضمن إطارها الغرائبي واللامعقول.
كثيرون أولئك الذين أثنوا على موهبة آيرا وقدرته الإبداعية، لكننا سنكتفي بالإشارة فقط إلى رأي الكاتب التشيلي روبيرتو بولانيو الذي قال: «آيرا واحد من ثلاثة أفضل كُتّاب يكتبون باللغة الإسبانية اليوم».



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.