ميناء سريلانكي... أحدث موطئ قدم استراتيجي للصين في المحيط الهندي

يثير مخاوف الهند ويوفر لبكين موقعاً بارزاً في حالة نشوب نزاع في المنطقة

من الناحية الجيوسياسية يحتل الميناء موقعاً متميزاً ضمن 10 أميال بحرية من طريق الشحن الرئيسي من آسيا إلى أوروبا (أ.ف.ب)
من الناحية الجيوسياسية يحتل الميناء موقعاً متميزاً ضمن 10 أميال بحرية من طريق الشحن الرئيسي من آسيا إلى أوروبا (أ.ف.ب)
TT

ميناء سريلانكي... أحدث موطئ قدم استراتيجي للصين في المحيط الهندي

من الناحية الجيوسياسية يحتل الميناء موقعاً متميزاً ضمن 10 أميال بحرية من طريق الشحن الرئيسي من آسيا إلى أوروبا (أ.ف.ب)
من الناحية الجيوسياسية يحتل الميناء موقعاً متميزاً ضمن 10 أميال بحرية من طريق الشحن الرئيسي من آسيا إلى أوروبا (أ.ف.ب)

خلال أقل من شهر، تمكنت الصين من تأمين ثاني موقع قدم لها في المحيط الهندي، الأول كان في جيبوتي بمنطقة القرن الأفريقي، والآن في ميناء يقع في جزيرة سريلانكا بجنوب آسيا وهي الجارة القريبة من الهند. وفي الأسبوع الماضي فقط، وفي احتفالية استغرقت 40 دقيقة فقط، حصلت الشركة القابضة للموانئ التجارية الصينية المحدودة، وهي ذراع متفرعة عن الحكومة الصينية، على 70 في المائة من أسهم ميناء هامبانتوتا مقابل 1.12 مليار دولار لمدة 99 عاما. وبموجب الاتفاقية الجديدة تستحوذ الصين على السيطرة الكاملة للعمليات التجارية وأعمال التطوير والتنمية في الميناء، إلى جانب بند في الاتفاقية يمنع أي طرف أو بلد ثالث من الدخول وتقديم عروض متنافسة أو العمل على إنشاء ميناء آخر ضمن مساحة تبلغ 100 كيلومتر.
ومنذ منتصف عام 2016، كانت هناك معارضة محلية وخارجية، ولا سيما من جانب الهند، إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية واليابان، ضد الاستخدام الصيني المحتمل للميناء المذكور لأغراض بحرية. ولقد حاولت الهند وبقوة للحيلولة دون إبرام الاتفاقية في خضم مخاوف من أن تضم الصين الميناء المذكور ضمن «سلسلة اللآلئ» (اسم أطلق على استراتيجية تنتهجها بكين لبناء تحالفات عسكرية مع دول مثل باكستان وسريلانكا وبنغلاديش لتطويق الهند، من خلال تطوير مختلف الموانئ ضمن محيطها البحري).
وبعد الكثير من الضغوط السياسية من الهند بأن الصين قد تستخدم الميناء في العمليات العسكرية، نجحت حكومة سريلانكا في وضع بنود في الاتفاقية تنص على عدم السماح بإجراء الأنشطة ذات الطابع العسكري على الإطلاق في هذه الميناء، وأن سريلانكا تتولى الصلاحيات الكاملة في منح جميع التصاريح اللازمة لرسو السفن البحرية والغواصات العسكرية وتخزين أي معدات عسكرية في مستودعات الميناء. ومن قبيل المصادفة، رفضت حكومة سريلانكا منح الصين التصريح لرسو إحدى الغواصات الحربية التابعة لها في ميناء كولومبو في مايو (أيار) الماضي.
وكانت قد افتتحت الصين بصورة رسمية أولى قواعدها البحرية العسكرية في الخارج في دولة جيبوتي قبل أيام لتتزامن مع الاحتفال بالذكرى التسعين لإنشاء الجيش الوطني الصيني. وجيبوتي عبارة عن جزيرة صغيرة تقع بين إثيوبيا واريتريا والصومال، وهي تضم قواعد عسكرية أميركية ويابانية وفرنسية. وهي تقع في موقع استراتيجي على الطرف الشمالي الغربي من المحيط الهندي.
الموقع الاستراتيجي لميناء هامبانتوتا
كان الموقع الاستراتيجي لميناء هامبانتوتا مصدر جذب كبير للصين، وعملت بكين ما بوسعها لإتمام هذه الصفقة. ومن الناحية الجيو - سياسية، يحتل الميناء موقعا متميزا ضمن 10 أميال بحرية من طريق الشحن الرئيسي من آسيا إلى أوروبا. وفي حين أن المحيط الهندي في حد ذاته هو من المساحات الحيوية، لكونه الجسر الرابط بين أفريقيا والشرق الأوسط من ناحية وبين جنوب شرقي آسيا من ناحية أخرى، فإن ميناء هامبانتوتا يقع في منتصف خطوط إمدادات الطاقة الحيوية في المحيط الهندي، والتي تربط منطقة الشرق الأوسط وشرق آسيا.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكن الميناء يمثل همزة الوصل الاستراتيجية في طموحات الرئيس الصيني لطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين - وهي الخطة الطموح الكبيرة التي تستند إلى الربط التقني والاقتصادي الذي يمتد بين الصين وأفريقيا وأوروبا. ومما يضاف إلى ذلك، فهي من المواقع الاستراتيجية على طول الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري الصيني الطموح.
ولقد تم الانتهاء من بناء الميناء التكنولوجي الكبير وبدأت عمليات التشغيل الفعلية في عام 2010، ولكن على الرغم من موقعه الرئيسي، عانى ميناء هامبانتوتا كثيرا في جذب السفن أو البضائع إليه. فهذا الميناء ليس مربحا من الناحية التجارية حتى الآن، فلماذا بذلت الصين الجهود المضنية لإبرام الاتفاقية بشأنه؟
أشار السيد أشوك كانثا، الذي شغل منصب المفوض الهندي لدى سريلانكا في الفترة بين عام 2009 حتى 2013، إلى أن السمة المشتركة في المشاريع الممولة من جانب الصين في سريلانكا، ممثلا بميناء هامبانتوتا، هي أن كل هذه المشاريع تمت من دون بذل العناية الواجبة من الناحية الاقتصادية. والمصالح الصينية في ميناء هامبانتوتا تتجاوز مجرد القدرة الاقتصادية للميناء نفسه، إذ إن الوجود الصيني هناك يشكل حجر الأساس لرؤية السياسة الخارجية طويلة الأجل للصين.
ومن وجهة النظر الهندية، فإن التمويل الصيني للمشروع يخدم الأهداف الاستراتيجية البحتة. واستطرد كانثا يقول: «إذا كنت تحصل على 14 سفينة في العام، فلن تكون هناك جدوى اقتصادية أو تجارية للمشروع برمته. ولكن الاستثمارات الصينية هناك تخدم أسبابا واعتبارات غير تجارية. فإن تأمين حق الوصول إلى ميناء هامبانتوتا ومطار ماتالا، يوفر للصين موقعا عسكريا استراتيجيا بارزا في حالة نشوب نزاع ما في المحيط الهندي».
لماذا وافقت سريلانكا على بيع ميناء هامبانتوتا؟
يقول المراقبون إن سريلانكا وقعت فريسة لسياسة «منح القروض مقابل الأراضي» الصينية.
إذ تم تنفيذ ما يقرب كامل أعمال الإنشاءات في الميناء بالأموال الصينية - إلى جانب الطرق السريعة متعددة المسارات، والحديقة الصناعية، ومركز المؤتمرات، وإستاد الكريكت الجديد والأنيق، ومطار ماتالا راجاباكسا الدولي. ويعتبر المطار الوحيد في سريلانكا الذي يمكنه استقبال الطائرة طراز إيرباص إيه - 380، وهي أكبر طائرة للركاب في العالم. ولكنه حصل على لقب أكثر مطارات العالم فراغا من المسافرين.
لم يكن متصورا أن يتحول ميناء رائع ومدينة ساحلية مزدهرة إلى فخ للديون بعيد الأمد وذي أبعاد هائلة، مما رفع قيمة الديون المستحقة للصين على سريلانكا إلى أكثر من 8 مليارات دولار. وعلى الرغم من خطة الإنقاذ من جانب صندوق النقد الدولي في الآونة الأخيرة، لم يكن أمام سريلانكا من خيار سوى تأجير ميناء هامبانتوتا ومطار ماتالا للشركات الصينية في مقابل تخفيف أعباء الديون.
تقول صحيفة «ديلي ميل» البريطانية: «بالنسبة إلى كولومبو، برغم كل شيء، تحول مشروع ميناء هامبانتوتا إلى كابوس مريع منذ افتتاحه عام 2010، ولقد أوضح وزير الموانئ في سريلانكا ماهيندا ساماراسينغ أن بلاده لا يمكنها الاستمرار في سداد القروض من دون تحقيق عائدات جيدة من الميناء».
ولقد ألقت حكومة سريلانكا باللوم في قضية الدون على الرئيس الأسبق ماهيندا راجاباكسا الذي كانت حكومته شديدة الحرص على حصول بكين على هذا المشروع بأي ثمن. وقال ناراياني باسو، المختص في شؤون السياسات الخارجية الصينية، إنه مع ظهور سريلانكا كعامل مهم في «مبادرة الحزام والطريق» الصينية، انتظرت بكين وبفارغ الصبر من العاصمة كولومبو العودة إلى المبادرة - ولقد فعلت. وفيما يتعلق بميناء هامبانتوتا، فإن الصفقة تبدو واعدة على الورق بالنسبة للهند. ولكن طالما أن سريلانكا صارت رهن إشارة بكين من الناحية الاقتصادية، فمن الحكمة لنيودلهي أن تتذكر أن الصين تتمتع بالحرية الكاملة للتصرف هناك في الوقت الراهن.
الترقب الهندي
وفي نيودلهي، لم يلق التوقيع على اتفاقية الامتيازات ترحيبا يذكر. فلقد اعتادت الهند ولفترة طويلة على اعتبار المحيط الهندي مجال النفوذ الخاص بها (تماما كما تعتبر الصين بحر الصين الجنوبي مجالا حيويا خاصا بها)، وإثر ذلك كان وقع تنامي النفوذ الصيني في المنطقة شديد الوطأة على نيودلهي.
ويشعر ساهاديفان أستاذ دراسات جنوب آسيا لدى جامعة جواهر لال نهرو بالقلق الشديد من التبعية الاقتصادية التي تعززها الصين في البلدان الصغيرة من خلال إقامة المشروعات الكبيرة الممولة بالقروض الحكومية الصينية.
وقال البروفسور الهندي: «لن ينخرط الصينيون في الدبلوماسية العسكرية. فلا يتعين عليك إرسال الغواصات النووية للتعبير عن قوتك أو نفوذك.. لكن الوجود الصيني في ذلك القطاع الرئيسي من اقتصاد سريلانكا سوف يبعث بالكثير من القلق والمخاوف».
وأشار الدبلوماسي السابق كانثا، والذي تقاعد من منصبه كسفير الهند لدى الصين العام الماضي، إلى أنه نظرا لموقع سريلانكا فإن الأمن القومي الهندي مترابط ومتداخل مع المحيط الجنوبي، وأردف يقول: «لدينا هذا النوع من العلاقات التي نأخذ في اعتبارنا الحساسيات المؤثرة لدى بعضنا البعض».
وأعرب عن أمله في حصول الهند على بعض الوضوح بشأن الضمانات الأمنية، ولكن السفير كانثا تساوره الشكوك حول الاستدامة ويعتقد أنه يجب على الهند توخي المزيد من الحذر واليقظة، وقال: «حتى في وجود الضمانات، يمكن للاستخدام أن يتغير عبر فترة من الزمن. فإذا ما نظرت إلى غوادار في إقليم بالوشستان الباكستاني المحتل، كان المقصد الرئيسي منه أن يكون ميناء تجاري تديره هيئة موانئ سنغافورة. ثم خرجت هيئة الموانئ من اللعبة لتحل محلها الصين. ويجري الحديث الآن حول استخدام الميناء كمرفق بحري عسكري تدريه الصين».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».