«بات غارِت وبيلي ذ كِـيد» (1973)
الغرب الأميركي الساحر
بجمال غارب
أفلام الوسترن التي دارت حول شخصية بيلي ذ كِـد التي عاشت بالفعل في الغرب الأميركي قبل قرنين، بالعشرات. هو بطل سيئ فهمه في بعضها، وشرير لطيف في بعضها الآخر، ومجرم خطير في بعضها الثالث. هو شاب نحيف وطويل القامة ويدافع عن الفقراء والمعرضين للخطر هنا، وشخصية لا ترحم صغيراً أو كبيراً هناك.
الحقيقة بقيت مفقودة ولا تزال، إلا في صفحات بعض الكتب ربما. لكن فيلم سام بكنباه، أحد أفضل مخرجي أفلام الغرب الأميركي ومن بين أكثرهم تميّـزاً، هو الفيلم الأكثر جدارة بالاعتماد عليه مرجعا. لا يكترث لتصنيف بطليه على نحو تقليدي، بل يجعل المواجهة بينهما جزءاً من المواجهة الأبدية بين الفرد والنظام. فعل بكنباه ذلك من قبل هذا الفيلم («الزمرة المتوحشة» و«كلاب من قش») وبعده أيضاً («أوسترمان ويك إند» و«صليب من حديد»). لكن المعضلة التي واجهها هنا هي أن بطله المعبّـر عن الفرد المتمرد كان بالفعل قاتلاً لا يمكن تبرير أعماله. هذه المعضلة قام بكنباه بتجاوزها عبر العودة إلى الجذور: بيلي قاتل وغاريت (الذي بدوره كان شخصية حقيقية) رجل القانون. لن يدافع بكنباه عن القاتل، بل سيجعل رجل القانون، المارشال بات غارِت، الوجه الآخر لبيلي. المرآة التي يرى غارِت عدّوه بيلي فيها، ويرى بيلي عدوّه غارِت فيها أيضاً.
ما ساعده على صنع هذا التماثل أن بات غارِت وبيلي ذ كيد (اسمه الحقيقي ويليام بوني) كانا شريكين في تأليف عصابة السرقة التي جابت الغرب الأميركي من قبل أن ينفصل بات غاريت ويصبح رجل قانون. وعندما فشلت كل المحاولات في الإيقاع ببيلي تمّـت الاستعانة به من هذا المبدأ بالتحديد. منذ تلك اللحظة، فإن بات سينظر بعينين مختلفتين: عين تحن إلى الصداقة الأولى وتفتقد الحرية التي كان ينعم بها، وأخرى تعبّـر عن القانون ورغبة صاحبها في فرضه مهما كانت هذه المواجهة النفسية أولاً (والفردية بينه وبين بيلي ثانياً) صعبة.
شاعرية جميلة
القبض على بيلي ذ كيد يأتي في مطلع الفيلم سهلاً ولو بعد معركة تنتهي بمقتل من معه وباستسلامه. يُـقاد بيلي مكبّـلاً إلى سجن المدينة، حيث يودع في زنزانة الشريف أولينجر (أو جي أرمسترونغ) يساعده في حراسته الشاب ج. بِـل (مات كلارك). أولينجر هو نوع من المتزمتين والمتدينين ويكنّ لبيلي الكراهية الشديدة. حين يقتل بيلي الشاب ج. بِـل ويخرج من الزنزانة يدرك أولينجر أن حياته انتهت. سيقتله بيلي في وسط الشارع ويفر من جديد.
سيطلب بات المساعدة من رجال قانون آخرين، بينهم مخضرم اسمه ألاموسا (جاك إيلام) وشريف لا يقل سناً في الحياة والخبرة أيضاً هو بايكر (سلِـم بيكنز). كلاهما من وجوه سينما الوسترن المعتادين تجدهما في أفلام الخمسينات وما بعد مميزان بمفردات تعبير لازمة. لكنهما هنا يبديان عمقاً مختلفاً رغم قصر دوريهما. ألاموسا يجابه بيلي ويموت في مبارزة خدعه فيها المجرم ليضمن حياته. بايكر يواجه بيلي الذي حط في مزرعته. هو وزوجته يشتركان في المواجهة لكن بايكر يُـصاب في بطنه. وفي مشهد تخاله من إخراج تاركوڤسكي ذاته، يضع الممثل بيكنز يده على جرحه الغائر ويتوجه إلى حيث النهر القريب ليموت عنده، تماماً كما تفعل الفيلة. ليس في مقدور زوجته (كاتي جواردو) سوى النظر إليه بعينين دامعتين. الموت عند بكنباه لم يكن لإبهاج المشاهدين بالدم والعنف، بل تعبير عن قسوة داكنة وشاعرية جميلة حتى في أحلك لحظاتها. مغني الكانتري والوسترن كريس كريستوفرسون في دور بيلي أفضل من بول نيومان في الدور نفسه تحت إدارة مخرج جيد آخر هو آرثر بن. كريستوفرسون عاد وظهر في فيلم بكنباه المهدور «قافلة» (1978) بفاعلية أقل. دور بات غاريت أدّاه جيمس كوبرن الذي عاود كذلك لعب فيلم آخر لبكنباه هو «صليب من حديد» (1977). لكن «بات غاريت وبيلي ذ كيد» يبقى الفيلم الذي منحا فيه القدر الأكبر من التعبير عن قدراتهما الخاصة.
سام بكنباه يظهر في دور قصير: نجار توابيت يتحدث عن موت الأشياء عما كانت عليه. بعد ذلك ليس هناك لمزيد من شرح هذه النقطة. الفيلم بذاته يمثّـل هذا الموت لغرب بديع وحكاياته التي آلت إلى الموت بدورها.