أعلنت روسيا عن التوصل لاتفاق مع المعارضة السورية حول منطقة ثالثة لخفض التوتر على الأراضي السورية، نص على مجالس محلية تدير شؤون المنطقة ونشر مراقبين من الشرطة العسكرية الروسية. وتحفظت فصائل المعارضة المسلّحة شكلاً على الاتفاق باعتبار أن «الجانب الروسي الحليف لنظام بشار الأسد والمنحاز دائماً له، هو الضامن الوحيد للاتفاق»، لكنها أيدته في المضمون، ما دام «يوقف آلة القتل ويحقن دماء السوريين، ويوصل المساعدات إلى المدنيين المحاصرين»، بحسب قول معارضين.
وتتوافق هدنة حمص مع مسودة الاتفاق التي انفردت «الشرق الأوسط» بنشرها في عددها يوم 2 أغسطس (آب) الحالي. وقال إيغور كوناشينكوف، المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية في تصريحات أمس، إن ممثلي الوزارة أجروا جولة جديدة من المحادثات مع المعارضة السورية المعتدلة في القاهرة يوم 31 يوليو (تموز) الماضي، و«نتيجة تلك المحادثات تم التوصل لاتفاق حول آليات عمل منطقة خفض التوتر الثالثة، شمال مدينة حمص»، وأضاف أن مجالس محلية ستقوم بإدارة الشؤون اليومية لتلك المنطقة، وكشف في السياق ذاته عن إطار باسم «هيئة العدالة الوطنية» سيتم تشكيله للمشاركة في إدارة شؤون المنطقة، وتضم الهيئة ممثلين عن المعارضة وعن المجموعات العرقية والدينية الرئيسية، وعن كل القوى السياسية في منطقة خفض التوتر.
ودخل الاتفاق حيز التنفيذ بدءا من منتصف أمس الخميس (أمس) 3 أغسطس، وأكد كوناشينكوف: «بموجب الاتفاق، فإن مجموعات المعارضة المعتدلة ووحدات القوات الحكومية تعلن وقفا شاملا لإطلاق النار من كل أنواع الأسلحة، اعتباراً من منتصف نهار 3 أغسطس». وأوضح أن الاتفاق يشمل 84 منطقة سكنية في المنطقة، يعيش فيها أكثر من 147 ألف نسمة، لافتاً إلى أن الاتفاق الحالي، كما هي الحال بالنسبة للاتفاق السابق، حول منطقة الغوطة، لا يشمل التنظيمين الإرهابيين «داعش» و«جبهة النصرة»، فضلا عن ذلك، فإن المعارضة المعتدلة ستقوم بفتح الجزء من طريق حمص - حماة، الواقع ضمن منطقة سيطرتها، وتعهدت أيضاً بموجب الاتفاق بأن «تقوم بطرد كل المجموعات المسلحة المرتبطة بالتنظيمين الإرهابيين، من المناطق في ريف حمص، الخاضعة لسيطرة المعارضة».
كما عرض المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية بعض المسائل التنفيذية لإقامة منطقة خفض التوتر في حمص، وأكد أن الشرطة العسكرية الروسية ستقوم بدءا من يوم 4 أغسطس (اليوم) بنشر حاجزين للمراقبة والعبور على طول خطوط التماس في المنطقة، موضحاً أن الحواجز ستكون في منطقتي «حر بنفسه» والدوير، هذا فضلا عن 3 نقاط مراقبة في مناطق الحميرات، والقبيبات، وتل عمري. وسيقوم عناصر الشرطة العسكرية بمهام الفصل بين الأطراف المتنازعة، ومراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار، وضمان الوصول الإنساني، وخروج المصابين والمرضى، ولفت إلى أن «كل المرضى والمصابين (من داخل منطقة خفض التوتر) ستتاح لهم إمكانية لتلقي العلاج إما في المشافي العسكرية الروسية أو في المشافي الحكومية».
يذكر أن هذا ثاني اتفاق من نوعه يتم توقيعه بين المعارضة السورية ووزارة الدفاع الروسية في القاهرة. وسبق أن وقع الجانبان نهاية الشهر الماضي اتفاقا حول آليات تنفيذ منطقة خفض التوتر في مناطق من الغوطة الشرقية بريف دمشق، دخل حيز التنفيذ بدءا من منتصف يوم 22 يوليو (تموز) الماضي. وقبل ذلك، توصلت روسيا مطلع الشهر الماضي إلى اتفاق مع الولايات المتحدة والأردن حول إقامة منطقة خفض التوتر في جنوب غربي سوريا. واللافت أن الاتفاق على إقامة تلك المناطق يجري بعيداً عن عملية «آستانة» ودون مشاركة من الدول الضامنة الراعية لتلك العملية، والتي كانت قد تبنت خلال لقاء «آستانة» في 4 مايو (أيار) الماضي مذكرة حول إقامة 4 مناطق لخفض التصعيد في سوريا. وحتى الآن قامت روسيا لوحدها مع أطراف من خارج عملية آستانة بإقامة تلك المناطق، بينما تستمر المحادثات حول إقامة المنطقة الرابعة في إدلب.
ورغم التحفظات التي تبديها فصائل المعارضة، فإن إيجابيات هذا الاتفاق تطغى على سلبياته، وفق تعبير المقدم علي أيوب، القائد العسكري لـ«حركة تحرير الوطن»، وهي من التشكيلات العسكرية المعارضة في ريف حمص، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن غير راضين عن هذا الاتفاق، لأن الجانب الروسي تفرّد بالقرار، ونصّب نفسه الضامن الوحيد، علما بأنه طرف في الحرب السورية، ومنحاز دائماً لصالح لبشار الأسد ونظامه، وكان شريكاً أساسيا في قتل الشعب السوري». لكنه أوضح أن «الثوار لن يرفضوا ما يخفف من معاناة المدنيين في هذه المنطقة (ريف حمص)، ويؤدي إلى رفع كابوس القتل والتدمير عنهم، من دون المساس بمبادئ الثورة»، مؤكداً أن «(جيش التوحيد) هو الفصيل الوحيد الذي وقّع على الاتفاق دون سواه، بينما تحفظت الفصائل الأخرى، لكن هذا التحفظ لا يعني رفض الاتفاق أو محاولة إسقاطه»، علما بأن فصائل عدة تقاتل النظام في ريف حمص الشمالي، أبرزها «جيش التوحيد»، و«حركة أحرار الشام»، «حركة تحرير الوطن» و«جيش العزة».
ويفترض أن تبدأ يوم الاثنين المقبل، عملية إدخال قافلة أدوية وأغذية، إلى ريف حمص الشمالي، على أن تدخل بعد أيام قليلة قافلة محمّلة بمواد بناء، وفق مقتضيات بنود الاتفاق، تلي ذلك إعادة المهجرين إلى قراهم عن طريق المجالس المحلية سواء كانوا داخل سوريا أو خارجها.
وتترقب فصائل المعارضة المرحلة التي تلي تنفيذ وقف النار، حيث رأى المقدم أيوب، أنه «ما دام الاتفاق ينص على وقف التصعيد، وإيصال المساعدات للناس، فنحن نرحب بذلك». وتابع: «لكن إذا وجدنا أن الطرف الروسي يسعى من خلال هذا الاتفاق إلى تسليم البلد إلى بشار الأسد، فسنقف ضدّه»، مشدداً على أن «الهدنة مسألة إيجابية وضرورية، لكن يجب أن تكون المدخل للعودة إلى قرار مجلس الأمن الدولي (2254) ومخرجات (جنيف1)، والذهاب نحو الحل السياسي الشامل».
أما بالنسبة للشقّ المتعلق بوجود عناصر «حركة تحرير الشام»، (جبهة النصرة)، فيمنع الاتفاق توجيه أي ضربة عسكرية لها، قبل 9 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، على أن يتم إبعادهم عن مناطق الاتفاق، كما لا يحق ضرب أي نقطة لأي فصيل، إلا بموجب طلب خطي من أي فصيل بشرط ضمان سلامة المدنيين، ويسمح بدخول مندوب الأحوال المدنية والعقارات وتسجيل الأولاد وجوازات السفر بعد طلب المعارضة، بحسب وثيقة وزعتها فصائل معارضة.
من جهته، أعلن عضو «تجمّع ثوار سوريا» في ريف حمص «أبو البراء» أن الناس «لم تعد تثق بنظام الأسد، لأنه لا يلتزم بالاتفاقات والمواثيق». لكنه رأى أن «دخول الروس ضامنا لهذا الاتفاق يعطي شيئا من الطمأنينة، ما دام الروسي يحتل البلد ويمسك بالقرار». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «المدنيون في ريف حمص، يتوقون إلى وقف النار، وعودة الحياة إلى طبيعتها، ولكن ليس على حساب دم الشهداء وحق المعتقلين، ولا على حساب الثورة وأهدافها».
وأشار «أبو البراء» إلى أن «حظوظ نجاح وقف النار، لا تتعدى 50 في المائة، لكن الشيء الإيجابي في الأمر أن الثوار لن يتركوا أسلحتهم، ولن يتخلّوا عن المبادئ التي أسست لهذه الثورة، وإذا حاول النظام خرق الهدنة واقتحام مناطق سيطرة المعارضة، فلن يتأخر الثوار بالردّ عليه». وأضاف عضو «تجمّع ثوار سوريا»، أن «الغاية من قبول الهدنة هو وقف نزف الدماء في حمص وفي كلّ سوريا، لكننا لن نقبل بأن تبقى الأمور مجمدة، بل المطلوب إعطاء دفع للعملية السياسية، التي تخرج نظام الأسد من حياة الشعب السوري»، لافتاً إلى أنه «مع بدء تطبيق اتفاق خفض التصعيد، ستعود المظاهرات إلى وتيرتها القوية وتطالب بإسقاط هذا النظام بكل رموزه».
موسكو تعلن هدنة في ريف حمص... والمعارضة تتحفظ شكلاً وتقبل بالمضمون
نشر شرطة عسكرية روسية وإدخال مساعدات
موسكو تعلن هدنة في ريف حمص... والمعارضة تتحفظ شكلاً وتقبل بالمضمون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة