«أريستول»... اللاجئ الأفغاني الذي لا يتكلم

رواية العراقي محمود سعيد «لست الأول»

«أريستول»... اللاجئ الأفغاني الذي لا يتكلم
TT

«أريستول»... اللاجئ الأفغاني الذي لا يتكلم

«أريستول»... اللاجئ الأفغاني الذي لا يتكلم

قرأت أغلب روايات الكاتب العراقي محمود سعيد (بين الخمسينات والستينات مقيم في شيكاغو) المتأخرة ولم أشعر بالملل، بفضل التشويق الذي يعده الكثير من النقاد عنصراً رئيسياً في تكوين السرد.
الرواية العربية بين مد وجزر لعبت الجوائز في مجالها، المعنوي والنقدي، دوراً ليس بريئاً مما أدخل الرواية العربية في «حيص بيص» رغم أن روايات عربية جيدة تصدرت المشهد الروائي، اليوم، بفضل جدارتها الفنية وليس لسبب آخر، لكنها قليلة، ودائماً النادر نادر والمتوفر كثير.
يشتغل محمود سعيد بأناة وتبصر مدركاً أن الرواية موقف سردي من العالم، راسماً ثيمات جوهرية في تشكيل حكاياته، مؤثراً التقاط ما هو مثير للجدل، متجنباً مجاملة «القارئ الجمعي» مكتفياً بنخبوية الذاكرة وهو يخاطب أبناء وطنه بما ينبغي الانتباه له، كما في رواياته «ثلاثية شيكاغو» و«بنات يعقوب» و«زنقة بن بركة» و«مدينة صدام» التي منعها الرقيب وغير عنوانها لاحقاً.
لكن «لست الأول»، منشورات دار «ضفاف» 2017، عمل روائي مختلف، مكثف، قليل الكلام، يتمدد ويتقلص في مساحة اللعبة الروائية التي تجذب القارئ إلى معرفة التجربة لا تجربة المعرفة، تجربة روائية خارج اشتغال سعيد، حيث الخيال هنا لا يتعلق بالسرد ومجرياته وطبيعته بل بشخصية رئيسية لا تكاد تظهر كثيراً في النص رغم أنها محور النص.
ثمة شخصيتان رئيسيتان هما الراوي المشارك لا المختفي خلف سارد غائب، والثاني هو «أريستول». الراوي يرصد «أريستول» اللاجئ الأفغاني من مكتبه موظفاً في دائرة غير حكومية سماها «غوث» معنية بشؤون اللاجئين الأجانب، بمدينة أميركية لم يُسمها، وسط جو لا يخلو من «الشخصنة» ولا يبتعد عن محاولة فهم هؤلاء الذين قست عليهم أوطانهم (ثمة موظفة الاستقبال هي إيما) وإيما شخصية متوترة تنظر إلى اللاجئين الأجانب بغضب حيناً وبعدم اكتراث أحيانا أخرى.
عندما قابلها «أريستول» أول مرة تولد لديها انطباع بأنه «منحرف». «منحرف» عن ماذا؟ لم يتضح الأمر لكنه مفهوم. لحظة «أريستول» هي لحظة انبثاق السؤال الكبير في الرواية: من هو؟ «أريستول» اللاجئ الهارب من عالمه لا يجيد الإنجليزية، أي لا يجيد الكلام والحوار والتعبير عن نفسه، وليس سوى «خالته» يمكن الاستعانة بها لتترجم وتشرح أحواله بشكل موجز وغائم.
«لحظة» أريستول ستقطب السرد كله من دون الكشف عن سره «الصامت» مثل شخصية عصية على الفهم لا يترك سوى «جمل» و«أوامر» واقتراحات كأنها تهبط من سماء بعيدة. الجو كافكوي بلا سوداوية، تخترقه الفكاهة حيناً والسؤال المرير أحياناً: من هو «أريستول»؟
«أريستول» اسم لا يمكن تصنيفه جغرافيا، ولا يدل على لغة أو دين أو تاريخ. يمكن أن يكون لاتينيناً هارباً من ديكتاتوريات الموز أو مسيحياً مطروداً من الموصل أو مواطناً بلا وطن معلوم ومعروف على خريطة العالم. الجواب يأتي سريعاً بعد بضع صفحات إثر فتح ملفه كلاجئ: ساحر!
تحت سطح الورقة الروائية ثمة تواطؤ بين موظف «غوث» وبين هذا اللاجئ الغامض، الصامت، بل ثمة إعجاب، وأكثر حيث تنشأ صداقة غير واضحة المعالم، لأنها صداقة بلا حوار، فالساحر «يفعل» لكنه لا يتكلم.
يقول الراوي: «أريستول مختفٍ، أين؟ لا أحد يدري، صورته، وحده، تظهر بين الحين والآخر في صدر القاعة (هي حانة يقدم فيها أريستول وصلته السحرية). صورته مشعة، برّاقة، تعمّر الابتسامة وجهه، تضفي عليه هالة من نور أزلي. أتراه لم يظهر متعمداً، أم أن دوره يحين في يوم آخر. لقد شبعت من العروض السحرية، فتنتي، ولا أظن أنني سأستوعب ساحراً جديداً، آخر. لو كان «أريستول» ضمن العارضين لاستمتعت إلى آخر حد. لكن الآن بعد أن رأيت غير واحد زهدت بما سيأتي.
«أريستول» شخصية روائية غامضة حيرت صانعها، بل ورطته في قضية متابعتها واستكناه غوامضها وحركتها في الزمن الروائي، ودوره السحري في صناعة البهجة والفرح داخل الحانة وخارجها، لتحيّر القارئ فيما بعد.
و«أريستول» هذا إما حاضر يلفت انتباه الجميع بفنونه وقدراته الخارقة، أو غائب يتحدث، في غيابه الجميع.
شيء من السوريالية والسحر، قد تتماهى، بشكل غير متطابق، ولا تقليدي، كواقعية سحرية عربية مع تلك الأعمال الروائية الساحرة التي سحر بها الكولومبي، غابريل غارسيا ماركيز، العالم.
عنوان الرواية «لست الأول» على اسم القاعة التي سيدخلها الراوي لاحقاً، بدعوة من «أريستول»، وهو جواب على سؤال الراوي الرئيس: ما الذي جاء بي إلى هذا المكان، وماذا يحدث لي ولكم؟ فتجيب النادلة الحسناء: «لست الأول». أي ثمة من وقعوا قبلك في هذا الفخ اللذيذ، الساحر، الغرائبي، المحيّر.
ومحمود سعيد من بين عدد من كتاب العالم، (من بينهم من حاز جائزة نوبل) الذين كتبوا قصصاً عن ميثاق حقوق الإنسان، بمناسبة ذكرى صدوره الستين في المملكة المتحدة احتفاء بمرور 60 عاماً على تأسيس المنظمة، وصدرت مجموعة القصص في أدنبرة ببريطانيا، في أغسطس (آب) 2009 ثم في كندا والولايات المتحدة، وترجمت إلى غير لغة كالإسبانية والتركية.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.