توفر دور السينما الصغيرة، 30 مقعدا فقط من الجلد الفاخر، وهي مكان مثالي للاسترخاء. وهناك طاولات جانبية حيث يمكن للزبائن وضع أقداح المشروبات أو العصائر، وتناول بعض من المحار والكافيار. الشاشة قريبة والسقف قريب، والمناخ العام دافئ وأنيق.
دار سينما (سينكر)، ليست من دور السينما النموذجية في العاصمة الصينية بكين، فهي كالكهف المجوّف، تنتشر بها شاشات العرض السينمائي المتعددة التي تعرض الأفلام الأميركية من هوليوود، ذات الجودة الصوتية الرائعة ومشاهد المعارك المتقنة ومطاردات السيارات الساخنة. ويفضل مستوردو الحكومة الصينية والجهات الرقابية تخصيص دور السينما هذه، لصالح الأفلام الأجنبية الـ34 المسموح بعرضها في البلاد كل عام.
وتقع دار سينكر للسينما في الطابق الثالث من أحد المباني في أحد الأحياء الراقية من العاصمة الصينية. وتصور الشركاء الثلاثة المالكين لها، أن تكون محلا لعشاق الأفلام الذين يرغبون بمشاهدة كلاسيكيات هوليوود القديمة، وأفلام الفنون الأوروبية المختلفة، وأفضل الأفلام الصينية القديمة.
من بين العروض الأخيرة: فيلم «الأب الروحي»، و»الرومانسية على جبل لوشان»، إلى جانب الأفلام الأولى للمخرج وودي آلان وأغنيس فاردا.
ومن الديكورات الجذابة في السينما نجد ذلك البار النحاسي الطويل على طراز الثلاثينات والمستخدم في طلب المشروبات الفاخرة أثناء أو بعد انتهاء عرض الأفلام.
وتتواجد أماندا تشانغ، المحامية الجنائية السابقة وإحدى الشركاء في مشروع السينما الجديدة، باستمرار في أغلب الليالي، تتبادل الأحاديث الودية مع الرواد المعتادين في المطعم المميز، وتقف على رأس البار النحاسي الفاخر.
تحاول السيدة تشانغ أن تستعيد روعة العصر الذهبي لهوليوود الأميركية، فتراها أحينا ترتدي رداء حريريا من اللون الأحمر الزاهي ومرصعا بالورود الأنيقة، أو سترة نسائية مسائية جميلة، أو فستانا لونه أخضر زمردي، وتنتعل الحذاء ذي الكعب العالي.
افتُتحت دار سينكر للسينما قبل ستة شهور، وهي من التجارب الرائدة في تقديم البديل الأفضل للمسارح التجارية التقليدية في بكين، إلى جانب غرفتي عرض سينمائي جديدتين تماما لعرض الأفلام القديمة. ولقد استحدث أصحاب المشروع اسم سينكر اختصارا لمسمى «صناع السينما».
يقول يان يي شين، مؤسس المشروع: «ليست لدينا دار سينما مستقلة في الصين. وفكرنا، كيف يمكننا الحصول على السينما المستقلة في البلاد؟». مضيفا أنّ المكان الذي يتضمن جدولا زمنيا انتقائيا (حسب المعايير الصينية)، والمناخ الجذاب، تُعتبر بداياته جيدة. لطالما اعتُبرت مدينة شنغهاي موطن أفلام السينما في الصين، حيث افتتحت استوديوهات الإنتاج الكبيرة أعمالها هناك منذ عام 1949، ولا يزال معظمها يعمل. وكان افتتاح دار فاخرة للسينما في العاصمة السياسية، من الخطوات الجريئة للغاية، وتحدٍّ للنمط التقليدي الذي تمثله شنغهاي كمركز للأناقة والرقي.
تعتبر دار سينكر، تطورا عصريا لقاعات العرض في القرن الحادي والعشرين، الذي تمثله دار (الكتريك) للعرض السينمائي في حي نوتينغ هيل في لندن، حيث يجلس المشاهدون على أرائك فخمة وكراس بذراعين، وحتى على الأسرّة، في حين تعرض الأفلام على الجزء الأمامي من خشبة المسرح المزخرف بالذهب.
ويتذكر يان زيارة دار (الكتريك) للعرض السينمائي برفقة خطيبته: «إنّها سينما عتيقة. ويمكنك الاستلقاء على الأريكة، وتناول مشروبك المفضل من البار، ومشاهدة الفيلم في نفس الوقت. يا لها من تجربة مثيرة ورائعة».
وعلى غرار حي نوتينغ هيل في لندن، فقد اختاروا منطقة راقية مماثلة لها في بكين، تدعى سانليتون، كانت في فترة الثمانينات والتسعينات من مناطق الحانات المتواضعة، وفيها عشرات من مباني السفارات الأجنبية المتناثرة هنا وهناك. ثم استأجر الفنانون مساحات صغيرة للغاية فيها، لكي يكونوا بالقرب من الدبلوماسيين الذين يستطيعون شراء لوحاتهم الفنية، وفي بدايات القرن العشرين، وضع المخرج العالمي كوينتن تارانتينو، نكهته الخاصة في المكان حين وقف في إحدى الحانات الليلية واسمها فوغ، وعمل على تصوير أول أفلام الحركة من إخراجه تحت عنوان «اقتل بيل» خلال النهار.
كان لدى مخططي المدن في بكين أفكارا أخرى بدلاً من السماح باستئجار العقارات المركزية القيمة، من جانب ذوي الأجور المنخفضة. ففي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أُفسح المجال لافتتاح أول متجر لبيع منتجات شركة أبل في الصين، ثم لمتاجر الموضة والأزياء، والآن، وبعد مرور 10 كاملة، هناك صالة عرض لسيارات شركة مرسيدس الألمانية التي تعرض أغلى الموديلات، أسفل أحد الأبراج الفاخرة التي تكسوها شاشات الفيديو العملاقة مع المقاهي الراقية في الجوار.
ومن خلال تحديد المكان في سانليتون، يلبي السيد يان والسيدة تشانغ، إلى جانب لين فانغ، مالك أحد مطاعم بكين الرائعة ومنتج الأفلام الصينية المعروف، نداء المحور الراقي من المدينة وثقافتها الاستهلاكية المتنامية. كما أنّهم يحاولون استغلال التغييرات المشهودة في عادات زيارة دور السينما في البلاد.
هبطت عائدات شباك التذاكر لأفلام هوليوود في الصين خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، بعد سنوات عديدة من النمو والازدهار. على سبيل المثال، حقق فيلم «المتحولون: الفارس الأخير»، إيرادات أقل من المتوقع، بينما حقق فيلم «دانغال» الهندي الأخير إيرادات أعلى بكثير. لقد أصبح المشاهدون أكثر تطورا عن ذي قبل، وأكثر تقلبا كذلك. وفي الصين، كما هو الحال في أماكن أخرى من العالم، فإن رواد الأفلام يشاهدون مقاطع الفيديو التي تقدمها خدمات البث عبر الانترنت.
ومع تفرق رواد مشاهدة الأفلام، تقف دار سينما سينكر، لمناشدة جمهور الأفلام الكلاسيكية، ومجموعة واسعة كذلك من الناس الذين يعشقون الممثلين الأجانب من الذين ذاعت شهرتهم عبر مختلف المسلسلات التلفزيونية الشهيرة.
ومن المفاجآت المذهلة، كما تقول السيدة تشانغ، أنّ مسلسلات المسرح الوطني البريطاني المباشرة مع ممثلين أمثال بنديكت كومبرباتش الذي ظهر في مسلسل شيرلوك البريطاني المشوق الذي أذاعه التلفزيون الصيني، كان من أكبر عوامل الجذب بالنسبة لهم.
افتتحت دار سينما سينكر مع عرض لفيلم «فندق بودابست الكبير»، من إخراج ويزلي اندرسون لعام 2014، وهو من الأفلام المفضلة لأصحاب دور العرض الثلاثة. وتعود الديكورات الداخلية في السينما ولاسيما في البار والمطعم، من حيث الإضاءة والجدران والستائر الحمراء الفخمة، إلى الديكورات الداخلية في الفيلم.
يقول السيد لين، «كثيرون من رواد السينما يحبون مشاهدة الأفلام التي لا تتصدر شباك التذاكر على الدوام. ولم تكن هناك عروض تجارية لأفلام المخرج وودي آلان أو لفيلم الأب الروحي، وكانت متاحة على اسطوانات الفيديو الرقمية».
وعلى الرغم من ذلك، فإن المصنفات الفنية المتاحة لدار سينما سينكر محدودة من قبل مجموعة شنغهاي الإعلامية الشاملة، وهي المجموعة القوية النافذة التي تُشرف على توزيع الأفلام في البلاد، والتي يجب أن تمتثل لضوابط الجهات الرقابية. وعلى غرار كافة الأفلام، فهي تخضع للفحص من قبل المراقبين، كما حصل مع فيلم تيتانيك، الذي عرض على نطاق واسع، وقد كُلّف أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم، بمشاهدته، وهو أحد الأفلام التي انتجت في عام 1997، للحصول على دروس في الشجاعة، وكيف أن صانع الأفلام الرأسمالي يمكن أن يروي قصة فتى فقير يقع في حب فتاة غنية.
يقول السيد يان، إنّ المكتبة تضمّ حوالى 4 آلاف فيلم في المجموعة الإعلامية، وهناك حوالى 20 في المائة منها مناسب للعرض في دار سينما سينكر الراقية، وأفلام هوليوود تأتي في الغالب من هذه القائمة.
كان فيلم الأب الروحي أسرع الأفلام مبيعا، وساعد في ذلك عرض الفيلم مع العشاء الإيطالي الفاخر إلى جانب تذكرة السينما. وقد شجّع رعاة دار السينما ذلك في الظهور بملابس تشبه الملابس المصورة في الفيلم، وحضر البعض منهم بالفساتين الأنيقة وسترات السهرة الرسمية.
يجري التوّسع على قدم وساق. فقد افتتحت الأسبوع الماضي، دار للعرض السينمائي على السطح في الهواء الطلق، مزينة بالنباتات الخضراء المورقة والأغصان الصغيرة الجميلة. ومن المنتظر في الفترة المقبلة، افتتاح فرع لدار سينما سينكر في شنغهاي. والتطلع إلى المستقبل لتنظيم جوائز سينكر للأفلام السينمائية في البلاد.
* خدمة {نيويورك تايمز}