معركة عرسال تعيد ملف سلاح «حزب الله» إلى الواجهة

جعجع: ماذا يربح لبنان لو تخلص من المسلحين وخسر مفهوم الدولة؟

TT

معركة عرسال تعيد ملف سلاح «حزب الله» إلى الواجهة

عاد ملف «الاستراتيجية الدفاعية» في لبنان إلى الواجهة بعد قرار «حزب الله» الأسبوع الماضي فتح المعركة مع مسلحي «جبهة النصرة» الذين كانوا يحتلون إلى جانب عناصر «داعش» أجزاء كبيرة من الأراضي اللبنانية عند الحدود الشرقية مع سوريا. وأثار استفراد الحزب باتخاذ القرار وتحديد توقيت المعركة من دون الرجوع إلى الحكومة أو قيادة الجيش استياء قسم كبير من القوى السياسية التي عادت تُطالب بوجوب التفاهم على «استراتيجية دفاعية» تحدد دور «حزب الله» وتضع سلاحه في إمرة الدولة ومؤسساتها.
وسأل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع: «ماذا ينفع لبنان لو ربح الخلاص من جيب للمسلحين في أقاصي أقاصي الجرود على الحدود بين لبنان وسوريا وخسر مفهوم الدولة وخسر نفسه؟».
وقال القيادي في «التيار الوطني الحر» ماريو عون، إن ملف الاستراتيجية الدفاعية لم يغلق كي يعاد فتحه وهو مطروح دائما، «إلا أنه ليس أمرا ملحا في الوقت الراهن طالما الأوضاع لا تزال ساخنة ميدانيا في جرود عرسال حيث قسم من إرهابيي جبهة النصرة لا يزالون هناك إضافة لإرهابيي تنظيم داعش». وإذ أكّد عون في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الملف سيُطرح بشكل جدي بالوقت المناسب، اعتبر أنه «ليس مستحيلا إنجاز اتفاق حوله في وقت من الأوقات في عهد الرئيس عون باعتبار أنّه يحظى بثقة الجميع كما أنه منفتح على كل الفرقاء». وأضاف: «المعركة الأخيرة في عرسال أثبتت أن قوة المقاومة في خدمة لبنان والجيش ودورها سيبقى قائما طالما هناك احتلالات قائمة».
بالمقابل، شدد العميد المتقاعد ومستشار رئيس حزب «القوات اللبنانية» وهبة قاطيشا، على أنّه طالما «حزب الله» لا يفكر من منطلق المصلحة الوطنية، لن يكون هناك خلاص للبنان، متسائلا: «هل حزب الله أصلا مستعد للجلوس على طاولة الحوار للبحث بالاستراتيجية الدفاعية ومصير سلاحه؟ وهل يمون الرئيس عون عليه للعودة إلى الطاولة التي قاطعها في عهد الرئيس ميشال سليمان؟» واستغرب قاطيشا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الحديث عن «قتال متطور ينتهجه حزب الله وتصويره كأنّه لا يُقهر»، مشددا على أن «قتاله شبيه بالطريقة التي تقاتل بها كل الميليشيات في العالم ولا شك أن الجيش اللبناني يقاتل بطريقة أفضل منه حتى ولو كان عتاده العسكري جديد ومتطور».
وفشلت القوى السياسية في لبنان منذ العام 2006 بالتوصل إلى حد أدنى من التفاهم حول مصير سلاح «حزب الله»، حتى أن الحزب قاطع جلسات الحوار الأخيرة التي عُقدت للبحث في ملف الاستراتيجية الدفاعية في عهد رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان بعد تردي العلاقة بين الطرفين وبالتحديد بعد وصف سليمان تمسك الحزب بمقولة «الشعب والجيش والمقاومة» التي قام عليها البيان الوزاري للحكومة السابقة برئاسة نجيب ميقاتي بـ«لغة خشبية».
وكان سليمان قدّم في سبتمبر (أيلول) 2012 تصوره حول الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان، ونص على وجوب «التوافق على الأطر والآليات المناسبة لاستعمال سلاح المقاومة ولتحقيق إمرته ولإقرار وضعه بتصرف الجيش، المولج حصراً باستعمال عناصر القوة، وذلك لدعمه في تنفيذ خططه العسكرية، مع التأكيد على أن عمل المقاومة لا يبدأ إلا بعد الاحتلال». وقد ناقش أقطاب الحوار هذه الاستراتيجية من دون التوصل إلى نتيجة.
أما رئيس الجمهورية الحالي العماد عون و«حزب الله» فوقّعا عام 2006 على ورقة تفاهم أسست لتحالفهما، ولحظت «وجوب التعاطي مع سلاح الحزب على أساس مبررات وجوده»، وأبرزها: «احتلال مزارع شبعا، وجود أسرى لبنانيين في السجون الإسرائيلية واستمرار أخطار وتهديدات العدو».
ويعتبر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، العميد المتقاعد الدكتور هشام جابر أن الحوار السياسي حول الاستراتيجية الدفاعية لا ينفع، مشددا على وجوب تكليف مجموعة من الخبراء بإعداد هذه الاستراتيجية تكون على أساس خطة «أ» وخطة «ب»، تُعرض بعدها على القوى السياسية لتناقشها. وأوضح جابر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنهم في المركز الذي يرأسه كانوا قد وضعوا «خطوطا عريضة لهذه الاستراتيجية التي تقوم على نواة استراتيجية وهي الجيش اللبناني وعلى قوات عسكرية شبه نظامية تُلحق بالاستراتيجية كحزب الله أو غيره كما هو حاصل في أميركا وسويسرا وغيرها من البلدان». وأضاف: «لكن الانطلاق بالنقاش بالاستراتيجية سيكون من دون فائدة إذا لم تنطلق عملية تمكين الجيش وجعله قادرا على ردع العدو الدائم أي إسرائيل، والداهم أي الإرهاب، وهي عملية قد تستغرق نحو 5 سنوات».
وفيما أكّد رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يوم أمس، على أن مشروعه السياسي هو «الجيش والشعب والمقاومة»، شدد عضو تكتل «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا، أضاف أنّهم كـ«قوات»، «لم ولن نوافق على ثلاثية جيش شعب ومقاومة، ونعتبرها خشبية لا ذهبية». وطالب بـ«العودة إلى طاولة الحوار بمشاركة كل القوى وإيجاد حل لسلاح حزب الله، وإلا ذهبنا إلى حرب أهلية».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.