الميليشيات والكوليرا في اليمن... تضخيم الوباء لتحقيق المصالح

TT

الميليشيات والكوليرا في اليمن... تضخيم الوباء لتحقيق المصالح

شككت مصادر طبية مطلعة على تطورات ملف الكوليرا في اليمن، في بلوغ المرض مرحلة الجائحة، متكئة على «أن نسبة الإصابات المؤكدة لا تتجاوز واحدا في المائة من إجمالي السكان». واعتبر مسؤول وخبير تحدثت معهما «الشرق الأوسط»، «الميليشيات وإعلامها ضخّما من (الوباء) لينادوا لاحقا بإعادة فتح مطار صنعاء، مع تحقيق أهداف سياسية واقتصادية أخرى».
وتتهم أطراف في الحكومة اليمنية انقلابيي اليمن بتوظيف الوباء لأهداف سياسية واقتصادية وعسكرية، وصرف الأنظار عن الأوضاع المعيشية المأساوية، وفتح مدرج مطار صنعاء لهبوط طائرات الإغاثة التي دخلت بينها طائرات تحمل أمتعة لا تخص الشعب اليمني.
يقول وكيل وزارة الإعلام اليمنية لشؤون الصحافة، الدكتور نجيب غلاب، لـ«الشرق الأوسط»، إن الميليشيات تستهدف صرف الناس عن الجرائم الحربية التي انتهكتها في المناطق التي يسيطر عليها الانقلاب ومنها العاصمة صنعاء، وإشغال المواطن بالمعلومات المغلوطة عن حقائق الدمار التي لحقت بأبناء اليمن، وأقلها عدم صرف الرواتب نحو عشرة أشهر.
ويتهم الوكيل الحوثيين وصالح بتمرير معلومات ملفقة إلى وسائل الإعلام الدولية والمحلية بشأن داء الكوليرا، وصورا انتشار المرض بـ«الجائحة التي نزلت على الشعب اليمني، والتي لا بد من فتح المطارات والموانئ لاستقبال الأطنان من الأدوية التي مهما زادت كميتها لا تكفي، وهو تصوير لا يعكس واقع الحال».
وأوضح أن التمرد عمد إلى تحويل الكوليرا، لتكون أهم نقطة لدى المنظمات الدولية للضغط على دول التحالف والحكومة الشرعية لإنهاء الحرب، وهو ما جعل التحالف يضع مشكلة الكوليرا على رأس الاهتمامات فعلا، ليرسل عشرات الأطنان من الأدوية التي نهب منها التمرد إلى السوق السوداء فور وصولها إلى مناطق نفوذه.
واستفاد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح من الذريعة نفسها عندما وصف داء الكوليرا بأنه أشد فتكا من الأسلحة البيولوجية والكيماوية المحرمة التي يستخدمها مجرمو الحروب، في محاولة منه لصرف الأنظار عن الجرائم الحوثية والجرائم التي تقترفها القوات الموالية له في اليمن.
في هذه الأثناء، صادق الدكتور ياسين القباطي، وهو أستاذ في كلية الطب التابعة لجامعة تعز اليمنية، على أن داء الكوليرا لم يصل مستوى جائحة، وأن نسبة انتشاره في اليمن لم تتجاوز الواحد في المائة، مشيرا إلى أن التمرد الحوثي استخدم المرض لبث دعاية تخدم أجندته السياسية والعسكرية والاقتصادية.
يقول القباطي الذي يشغل أيضا منصب رئيس مركز العدالة الانتقالية ومدير وحدة إغاثة ضحايا الحرب في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن أدوية الكوليرا التي وصلت كمساعدة عاجلة لاحتواء هذا المرض، لكنها أصبحت تباع في الصيدليات والمستشفيات الخاصة، فيما حرم منها مريض الكوليرا الذي لا يقوى على شرائها رغم منح الدول له العلاج بشكل مجاني.
ويرفض الأستاذ في كلية الطب بجامعة تعز تسمية ما حدث في اليمن «الجائحة»، مبينا أن «الجائحة» هي وباء ينتشر بين البشر في مساحة كبيرة، بينما الموجود في اليمن حاليا إصابة حالات لم تتجاوز واحدا في المائة من السكان، معتبرا الجائحة الحقيقية التي حدثت بالفعل في المناطق التي تحت سيطرة الانقلابيين هي جائحة «الفقر والجوع»، التي نتجت عن عدم تسلم الرواتب لمدة بلغت 10 أشهر. ويرى أن تطويق الكوليرا في اليمن لن يتم بتقديم العلاجات وترك الأسباب المؤدية لها قائما، ولكن لا بد من إصلاح المنظومة البيئية والصحية في البلاد والمتمثلة في الصرف الصحي وماء الشرب النظيف والكهرباء وغيرها.
وذكر بأن بيع وتسريب الأدوية يتم من الأطراف وليس من المراكز الرئيسية، بعد خروجها إلى المستوصفات والمستشفيات والمراكز الطبية، وأن حل هذه المشكلة التي تعتبر من أشد أنواع الفساد الذي يتاجر بصحة البشر هو الإدارة الناجحة للدولة ولمؤسساتها، والرقابة من المنظمات الدولية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.