يعاني بعض الأطفال عند دخول المدرسة من صعوبات في التعلم «learning difficulties» سواء كانت صعوبة في القراءة أو الكتابة أو كلتيهما، أو صعوبة في فهم بعض المواد الدراسية مثل الرياضيات على سبيل المثال. والحقيقة أن هذه الصعوبات ربما تكون طبيعية تحتاج إلى مزيد من التدريبات الدراسية فقط، وربما تكون نتيجة لخلل عصبي في القشرة المخية الأمامية (الجزء المسؤول عن مهارة التعلم) وهو الأمر الذي يستدعي علاجا متخصصا لمثل هذه الحالات من قبل أطباء ومدرسين متخصصين في التعامل مع هؤلاء الأطفال، حيث تمثل صعوبات التعلم عائقا حقيقيا أمام مستقبل الأطفال.
تحفيز المخ
وفي أحدث دراسة ناقشت هذا الموضوع، أشارت إلى أن تحفيز المخ الفعلي عن طريق جهاز وليس التحفيز من خلال مهارات عقلية، ربما يكون حلا جيدا لعلاج تلك الصعوبات، ومساعدة الطلاب على إحراز نتائج أفضل وإنجاز دراسي أكبر، خاصة في مادة الرياضيات.
والدراسة قام بها باحثون من جامعتي «كمبردج» و«أكسفورد» بالمملكة المتحدة، ونشرت في مجلة «ساينتفيك ريبورتس» (journal Scientific Reports) في مطلع شهر يوليو (تموز) من العام الجاري، وتم إجراؤها على أطفال تتراوح أعمارهم بين الثامنة والحادية عشرة، يعانون جميعا من صعوبات في تعلم مادة الرياضيات، في مكان مخصص للأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم في لندن.
وتم تقسيم الأطفال إلى مجموعتين: مجموعة ارتدت قبعة (كاب) متصلة بجهاز صغير يعمل بالبطارية، يصدر تيارا كهربائيا خفيفا غير مؤلم، وموجها إلى يسار ويمين الجبين (هذه المنطقة تلعب دورا مهما في التعلم). وفي المقابل ارتدت المجموعة الأخرى قبعة عادية غير متصلة بأجهزة، حتى يشعر الجميع أنهم ارتدوا نفس القبعات.
وهذه الطريقة في تحفيز المخ تعرف بالتحفيز العشوائي عبر المخ من خلال الضوضاء «transcranial random noise stimulation» أو اختصارا (tRNS) وتم توجيهها للأطفال لمدة 20 دقيقة على مدار 9 جلسات لمدة 5 أسابيع.
وأثناء ارتداء هذه القبعات قام الأطفال في المجموعتين بلعب لعبة معينة مصممة خصيصا للتدريب وتعلم الأرقام، تم تصميمها من قبل الباحثين، بحيث تحسن تعليم الأرقام من خلال التوضيح البصري مع التفاعل الحركي. ويتغير مستوى اللعبة إلى الأعلى مع استجابة الطفل. وقبل بدء التجربة قام الباحثون بقياس قدرة الأطفال على حل المسائل الحسابية من خلال اختبار معين متعارف عليه لقياس كفاءة الأطفال في الرياضيات في المملكة المتحدة «MALT»، ووجدوا أن التحفيز الكهربائي يؤدي إلى تحسن أداء الأطفال، سواء على مستوى أداء اللعبة التي تعتمد على الأرقام، وهذا الأداء الذي يتطور حسب الاستجابة مقارنة بالأطفال الذين يرتدون القبعات العادية. كما وجد الباحثون أن التحفيز ساهم في تحسين نتائج الاختبار المتعارف عليه «MALT»، وهو الأمر الذي يشير إلى استجابة الأطفال للتعلم.
أداء أفضل
والجدير بالذكر أن هذه النتائج تتشابه مع نتائج التجارب التي تم إجراؤها على بالغين أصحاء، وحسنت قدرتهم العقلية والإدراكية بعد التحفيز من خلال نفس الطريقة عبر التيار الكهربائي (تخضع هذه الأجهزة لمقاييس خاصة بالطبع، وليست مولدات لمجرد تيار كهربائي عادي). وأوضح الباحثون أن مخ الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم يعمل بطريقة مختلفة عن مخ الأطفال الطبيعيين، وهو الأمر الذي يسبب عدم تمكنهم من مواكبة زملائهم. كما أن هذا الاختلاف في العمل يمكن أن يؤدي لاحقا إلى عدم تطور المخ بشكل كاف. وفي الأغلب كان يتم علاج هؤلاء الأطفال من خلال العلاج السلوكي، ولكن حسب التجربة فإن التحفيز عن طريق الأجهزة يمكن أن يساهم في تحسنهم بشكل كبير.
أوضح الباحثون أن الأمر يحتاج بالطبع إلى كثير من الدراسات حتى يمكن تعميمه، خاصة أن الآلية التي تستجيب بها الخلايا العصبية للتحفيز غير واضحة تماما، وأن أطباء الأعصاب يجب أن يكون لهم دور في تفسير تلك الآلية للاستفادة منها في معالجة صعوبة التعلم، خاصة في مادة الرياضيات. وهي المادة التي تمثل تحديا لمعظم الطلاب.
وربما تلعب عوامل أخرى، مثل العرق أو العوامل الوراثية، في تفوق البعض عن أقرانه، وأيضا ربما يمكن الاستفادة من تلك الآلية في علاج بعض الأمراض التي تؤثر في التعلم، مثل فرط النشاط ونقص الانتباه «ADHD».
وشددت الدراسة على ضرورة ألا يقوم بهذه المحاولات أشخاص عاديون غير متخصصين في علم الأعصاب، سواء على مستوى المؤسسات مثل المدارس، أو مستوى الأفراد مثل الآباء، بمعنى أن يتم توجيه تيار كهربائي ضعيف للجبهة لغرض العلاج من دون إشراف طبي دقيق من أطباء لهم تجارب وخبرة كبيرة في مثل هذه التقنيات.
أشارت الدراسة إلى أنه لم تحدث أعراض جانبية لأي طفل من المشاركين في التجربة، كما أن التحسن طرأ على القدرة في التعامل مع الأرقام فقط. وحذرت الدراسة من أن تحفيز المخ عن طريق «tRNS» ربما لا يكون آمنا بشكل كاف لجميع الأطفال، وأنه يجب أن يتم فحص الطفل بدقة وعمل مسح شامل كنوع من أنواع الأمان. كما أشار الباحثون إلى أنهم لا يعلمون تأثير هذه الآلية على الأطفال العاديين، وأن استخدام هذه التقنية لم يتم تعميمه بعد كوسيلة علاج، وأن الأمر ما زال في طور التجربة فقط.
* استشاري طب الأطفال