من شأن الخطة الطموحة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لبناء المساكن لكافة شرائح المجتمع الهندي بحلول عام 2022 أن تزيد الاستثمارات في ذلك القطاع حتى مبلغ 1.3 تريليون دولار خلال السنوات السبع المقبلة، الرقم الذي يزيد الشيء القليل على الناتج المحلي الإجمالي لدولة المكسيك.
ومنذ توليه مقاليد السلطة في عام 2014، أولى مودي تركيزا كبيرا لتوسيع مشاريع الإسكان الميسور. وفي فبراير (شباط) من العام الحالي، ولأول مرة في البلاد، رفعت الحكومة الهندية قطاع الإسكان الميسور إلى مستوى البنية التحتية الوطنية، وتهدف من وراء ذلك إلى بناء 20 مليون وحدة سكنية حضرية و30 مليون وحدة سكنية ريفية بحلول عام 2022.
وفي الفترة بين عامي 2018 و2024، من المقرر إنشاء نحو 60 مليون وحدة سكنية جديدة، أغلبها مندرج تحت برنامج الحكومة الهندية للإسكان الميسور؛ إذ تسعى الدولة صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في آسيا إلى تحسين جودة المعيشة للمواطنين، وفقا لتقديرات شركة الوساطة العقارية «سي إل إس إيه إنديا المحدودة». ومن المتوقع أن تسفر هذه الجهود عن خلق أكثر من 2 مليون فرصة عمل جديدة بصفة سنوية وإضافة 75 نقطة أساس إلى الناتج المحلي الإجمالي الهندي، كما أشارت الشركة في تقريرها: «يقف قطاع الإسكان الهندي عند نقطة تحول مهمة، وسوف يشكل محرك النمو الكبير المقبل في اقتصاد البلاد».
ومن الإعلان عن محفزات برنامج الإسكان الحكومي الهندي ميسور التكلفة، استكمل بناء ما يقرب من 113.508 منزلا بالإضافة إلى 755.083 منزلا آخرين قيد الإنشاء، كما صرح إيه إيه راو، المتحدث الرسمي باسم وزارة الإسكان وتخفيف الفقر بالمناطق الحضرية في الهند: «هناك تحرك واضح وجيد نحو الأمام»، مشيرا إلى تحركات القطاع الخاص في هذا المجال.
المزايا الضريبية
عمدت الحكومة إلى تعديل تعريف مشاريع الإسكان الميسور لتمهيد الطريق للحصول على الإعانة الضريبية بنسبة 100 في المائة على أرباح مشروعات الإسكان الميسور؛ مما يوفر قدرا كبيرا من المحفزات لتحقيق هدفها المتمثل في توفير الإسكان للجميع.
ولقد قدمت الحكومة أيضا مختلف المحفزات لمشتريي المنازل، موجهة نحو قطاع الإسكان الميسور، والتي من المتوقع أن تزيد الطلب على هذه المساكن. وتشمل هذه الإعانات الدعم المرتبط بالائتمان لقروض الإسكان للفئات الضعيفة اقتصاديا والفئات منخفضة الدخل والخصم الإضافي لضريبة الدخل للفوائد على القروض المنزلية. وقد أعلنت الحكومة عن شريحتين جديدتين من الإعانات التي تسري على القروض التي تصل مدتها إلى 20 عاما، مقابل الحد الأقصى الحالي البالغ 15 عاما. وتوفر الخطة 4 في المائة من الإعانات على القروض المنزلية تصل إلى 900 ألف روبية لمن يصل دخلهم إلى 120 ألف روبية في العام، و3 في المائة من الإعانات على القروض حتى 120 ألف روبية لمن يصل دخلهم السنوي إلى 180 ألف روبية.
ووفقا إلى دراسة حديثة أجرتها بوابة بروب - تايغر العقارية، تشير إلى الحصة الكبرى التي يحصل عليها برنامج الإسكان الميسور من إجمالي المبيعات السكنية في البلاد والتي تساهم بنحو 50 في المائة من إجمالي المبيعات في الربع الثالث من السنة المالية 2017 عبر أكبر تسع مدن هندية.
وبعد أعوام من بيع المنازل الفاخرة غالية الثمن التي تتباهى بتوافر وسائل الراحة مثل ملاعب الغولف وحمامات الجاكوزي، يبدو أن المطورين العقاريين بدأوا أخيرا في التوجه نحو مشاريع الشقق المتواضعة لتناسب دخول أبناء الطبقة المتوسطة من الشعب الهندي.
يقول غاغان رانديف، المدير الوطني لشؤون الأسواق الرأسمالية وخدمات الاستثمار لدى شركة «كوليزر إنديا الدولية»: «تسعى أغلب الشركات الفاعلة وراء مشاريع الإسكان ميسور التكلفة باعتبارها مشاريع الهوامش المتوسطة والتحول السريع من أجل ضمان الإرباح المعقولة».
ويقول جيغنيش شيال، المحلل لدى شركة «كوانت للوساطة العقارية المحدودة» في مومباي: «إننا ننظر إلى النمو الهائل في قطاع تمويل الإسكان؛ إذ إن هذه السوق هي أبعد ما تكون عن نقطة التشبع في الهند حتى الآن».
قوانين جديدة لتعزيز قطاع الإسكان
وقال ديباك باريخ، الخبير المصرفي البارز: إن هناك عددا كبيرا من الشركات الكبرى والمطورين العقاريين ذوي السمعة الطيبة يدخلون إلى قطاع الإسكان ميسور التكلفة، تجتذبهم الفوائد الضريبية الضخمة والإصلاحات التي شرعت الحكومة في تنفيذها. وجاءت فكرة تغيير المسار من قطاع المساكن الفاخرة إلى الإسكان ميسور التكلفة لدى شركات التشييد والبناء من واقع ميزانية العام الحالي، والتي قدمت امتيازات في الضرائب والفوائد مغرية لقطاع الإسكان ميسور التكلفة.
ولقد سنت الهند قانونا جديدا يهدف إلى تنظيم قطاع العقارات الوطني. وبموجب القانون الجديد، يتم تعيين جهة رقابية مستقلة لكل ولاية وإقليم من أقاليم البلاد. كما يلزم القانون الجديد الشركات بفتح حساب ضمان، تودع فيه 70 في المائة من الأموال المتحصل عليها من المشترين في مشاريع الإسكان ميسور التكلفة. وهذه الأموال لا يمكن استخدامها إلا في بناء المشروعات ذات الصلة.
تميز الواقع العقاري الهندي بنزعة شديدة التطرف في منهجها السكاني من واقع الأحياء العشوائية الفقيرة مترامية الأطراف التي تحدها القصور الضخمة والمنازل الراقية من ناحية أخرى. ورغم ذلك، يمكن اعتبارا من الآن تجسير هذه الفجوة المريعة؛ إذ يعتقد المحللون في شركة الوساطة العقارية «سي إل إس إيه إنديا المحدودة» أن الحكومة قد تستفيد بشكل جيد من تسارع وتيرة التشييد الإسكاني في الاقتصاد الذي يبلغ 2 تريليون دولار.
الطلب المتزايد
تطالب الطبقة المتوسطة المتنامية في البلاد بواقع إسكاني أفضل، وهي في وضعية أفضل بكثير مما كان عليه الأمر في السابق عندما يتعلق الأمر بوسائل تحويل الحلم إلى حقيقة. يذكر أن نحو 69 في المائة من سكان الهند البالغ تعدادهم 1.3 مليار نسمة يندرجون تحت شريحة «سن الشراء الأساسي» – بين 20 و40 عاما – أي أكثر من أي دولة أخرى مقارنة، وذلك وفقا لتقرير «بلومبيرغ» العقاري الصادر في أبريل (نيسان) الماضي. ولقد ارتفع نصيب الفرد الهندي من الدخل بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10 في المائة عبر السنوات الخمس الماضية، وفقا لمذكرة شركة «سي إل إس إيه إنديا المحدودة» الصادرة في مايو (أيار) الماضي.
يقول فينيت ريليا المدير التنفيذي لشركة «ساري» الإسكانية: «إن الإسكان ميسور التكلفة من الضرورات التي يتعين الاعتناء بها لإعادة القطاع العقاري الوطني على المسار الصحيح. والمعروض من المساكن الراقية الفاخرة كبير للغاية، ولكن قطاع الإسكان الميسور فقير بشكل واضح في بعض الولايات. وبمجرد أن يكتسب قوة الدفع المطلوبة، لن يحسن الإسكان ميسور التكلفة من جودة المعيشة الأساسية للمواطنين فحسب، وإنما سوف يبعث برسالة اقتصادية جيدة. ومن حسن الحظ أن قطاع الإسكان الميسور أصبح يجتذب الكثير من المشترين والمستثمرين والشركات العقارية الكبيرة والتي تبحث عن تعزيز تواجدها في ذلك القطاع المهم».
ونظرا للطلب المتزايد على الإسكان الميسور يقول بريجيش بهانوت، مدير التسويق في شركة «باراس بيلدتك الهندية المحدودة»: «مع تزايد وتيرة التحضر، والانتقال من الريف إلى المدينة، والقيود المفروضة على العرض، كان ارتفاع الطلب على المساكن في تزايد مستمر، ولا سيما بالنسبة لطبقة أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض في البلاد. والنطاق في قطاع الإسكان الميسور كبير للغاية، وهناك تحول واضح في الطلب من مستثمري الأحجام الكبيرة وحتى المستخدمون النهائيون والمشترون المحتملون والذين يبحثون في غالب الأمر عن المنازل ذات الأسعار المعقولة. وهذا القطاع من الإسكان سوف يشكل المشاريع الكبرى في المستقبل؛ إذ أعربت الشركات العقارية عن اهتمامها الكبير بالدخول في هذه المشاريع».
النمو المصرفي
لا تقف المصارف في آخر الصف عندما يتعلق الأمر بالسباق للحصول على نصيب من العمل. فلقد شهدت البلاد أكثر من 16 ممولا عقاريا يبدأون العمل خلال العامين الماضيين وحتى يونيو (حزيران) الماضي، مع المصارف التي توفر القروض الإسكانية وسيلة من وسائل تعزيز رؤوس الأموال وتعويض القروض التجارية المتعثرة في شكل ديون معدومة متنامية.
ومن شأن الطلب المتزايد على الإسكان الميسور أن يوفر دفعة كبيرة لقطاع التمويل الإسكاني الميسور خلال السنوات الخمس المقبلة، وفقا إلى تقرير التصنيفات والبحوث الهندي.
يتوقع تقرير التصنيفات والبحوث الهندي نمو شركات التمويل الإسكاني الجديدة والإقليمية بنسبة تربو على 25 في المائة مدعومة من تمويل الأسهم الخاصة، والعروض الأولية في الأسواق، والدعم من المصارف والمحفزات السياسية الحكومية. وتتوقع وكالة التصنيفات والبحوث ارتفاع حصة تمويل الإسكان الميسور ضمن قطاع التمويل الإسكاني العام إلى نسبة 37 في المائة بحلول السنة المالية 2021 - 2022 مقارنة بنسبة 26 في المائة الحالية في هذا القطاع.
ومن المرجح أن تركز شركات التمويل السكني الكبيرة وكذلك مصارف التمويل الصغيرة وبشكل متزايد على تخصيص الأسهم اللازمة في هذا المجال، كما تقول الوكالة. كما رفعت المصارف أيضا من المخصصات وفق نسبة أعلى إلى حد ما؛ إذ شهدت ارتفاعا بمقدار 1.5 في المائة مقارنة بالسنة المالية 2015 والسنة المالية الماضية كذلك.
وخلال العام الحالي، 2017، خصص ما يقرب من نصف مصارف البلاد القروض المصرفية لصالح التمويل الإسكاني؛ نظرا لعدم وجود الطلب على قروض الشركات تقريبا. ويتوقع موفرو التمويل الإسكاني في الوقت الراهن نمو قطاع الإسكان الميسور بنسبة 25 في المائة. ويقول بانكاج كابور، المدير التنفيذي لشركة «لياسيس فوراس» المعنية بالأبحاث العقارية: «على أساس ربع سنوي، تم تسجيل أعلى معدل لنمو المبيعات (31 في المائة) في قطاع الإسكان الميسور، بينما شهد قطاع الإسكان الفاخر هبوطا بنسبة 4 في المائة في المبيعات».
ولأن لكل عملة وجهين، فإن هذه السياسة تواجه أيضا بعض التحديات التي لا بد من التعامل معها. عدم توافر الأراضي، وارتفاع التكاليف، والمسائل التنظيمية، ونقص التمويل الإسكاني هي من بين التحديات القائمة. وهذه التحديات تحول بين المشترين وبين الاستثمار وشراء المنازل.
يقول انجو بوري، رئيس الخدمات العقارية لدى شركة «جيه إل إل الإسكانية»: «لا تزال هناك علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كانت خطة الإسكان الحكومية تتمتع بالواقعية وقابلية التنفيذ الفعلي. إذ يبدو من المستحيل تنفيذها مع عدم توافر ما يكفي من الأراضي لبناء المساكن ميسورة التكاليف. والأراضي في الهند من السلع شديدة الحساسية لتقلبات الأسعار، ويحول النقص الحالي في الأراضي في المناطق الرئيسية من المدن الكبرى دون تطوير مشاريع الإسكان الميسور في المناطق التي تشتد الحاجة إليها فيها».
تطالب الطبقة المتوسطة المتنامية في البلاد بواقع إسكاني أفضل