تركيا تستعيد ذكرى فشل الانقلاب بـ«حراسة الديمقراطية» وغياب المعارضة

مشاركات مكوكية لإردوغان في المراسم والمسيرات بين أنقرة واسطنبول

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يلوح لمقاتلة (إف -16) ترافق طائرة الرئاسة خلال رحلة أمس من أنقرة إلى إسطنبول (أ.ف.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يلوح لمقاتلة (إف -16) ترافق طائرة الرئاسة خلال رحلة أمس من أنقرة إلى إسطنبول (أ.ف.ب)
TT

تركيا تستعيد ذكرى فشل الانقلاب بـ«حراسة الديمقراطية» وغياب المعارضة

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يلوح لمقاتلة (إف -16) ترافق طائرة الرئاسة خلال رحلة أمس من أنقرة إلى إسطنبول (أ.ف.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يلوح لمقاتلة (إف -16) ترافق طائرة الرئاسة خلال رحلة أمس من أنقرة إلى إسطنبول (أ.ف.ب)

أحيت تركيا أمس السبت ذكرى مرور عام على محاولة الانقلاب الفاشلة التي نفذها فصيل من الجيش ليلة الخامس عشر من يوليو (تموز) العام الماضي واتهمت السلطات الداعية فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة منذ العام 1999 بتدبيره الإطاحة بحليفه السابق الرئيس رجب طيب إردوغان. وأعلنت الحكومة يوم 15 يوليو عطلة رسمية للاحتفال بيوم انتصار الديمقراطية والوحدة الوطنية، إلا أن المظهر العام للاحتفالات طغى عليه غياب ملمح الوحدة الوطنية، وظهر أن حالة الاستقطاب السياسي والاجتماعي في تركيا لا تزال حاضرة بقوة ومسيطرة، بين سعي الحكومة إلى إظهار أنها حققت انتصارا بإحباط هذه المحاولة «الخائنة» وانتقادات المعارضة وشكواها من محاولات تشويه دورها ودور ضباط وطنيين في الجيش.
وأظهر البرنامج الرسمي للاحتفالات تكريسا لهذا الانقسام فقد أقيمت احتفالات رمزية في البرلمان بحضور الرئيس رجب طيب إردوغان في جلسة استثنائية تحدث فيها كل من زعماء الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان لمدة 10 دقائق فقط. وتحدث رئيس الوزراء بن علي يلدريم بدلا عن إردوغان الذي أعيد انتخابه مرة أخرى رئيسا للحزب في مايو (أيار) الماضي.
وبعد ذلك أقيم البرنامج الأساسي لإحياء الذكرى بالقصر الرئاسي في أنقرة بمشاركة جمهور من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم ومسؤوليه وممثلين لحزب الحركة القومية المعارض المتحالف مع الحزب الحاكم، مع استبعاد ممثلي حزبي الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، والشعوب الديمقراطية (المؤيد للأكراد).
وانتقد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري بولنت تيزجان هذا التوجه من جانب الحكومة قائلا: «محاولات الحكومة تسييس المهرجان الشعبي في هذه المناسبة أمر خطير وغير مقبول».
ويصر حزب الشعب الجمهوري على أن أحداث ليلة 15 يوليو 2016 كانت انقلابا تحت سيطرة الحكومة بعدما علِمت أجهزتها بحصوله من دون أن تتدخل لمنعه حتى تستفيد منه في القيام بأكبر عملية تطهير للمعارضة. ووصف رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو إعلان حالة الطوارئ عقب محاولة الانقلاب بأنه انقلاب مدني بقيادة إردوغان لا يزال مستمرا حتى الآن ليتهمه إردوغان والحكومة بدعم الانقلابيين وبأنه يقوم بمسرحية بعد أن هرب ليلة الانقلاب من مطار أتاتورك الدولي بمساعدة بعض الانقلابيين وبقي يتابع الموقف من منزل رئيس بلدية بكير كوي في إسطنبول.
وفي كلمته في الجلسة الاستثنائية في البرلمان أمس كرر كليتشدار أوغلو انتقاداته لجهاز المخابرات التركي لتقصيره في القيام بما يجب والإبلاغ بما لديه من معلومات عن محاولة الانقلاب قبل وقوعها بوقت كاف لتجنب ما حدث في ليلة 15 يوليو، لافتا إلى أن عدم إفادة رئيس المخابرات هاكان فيدان ورئيس أركان الجيش خلوصي أكار بإفادتهما أمام لجنة تقصي الحقائق البرلمانية جعل عمل اللجنة بلا فائدة، وطالب مجددا بالكشف عن التفاصيل المتعلقة بتلك الليلة من أجل تجنب وقوع أحداث مماثلة.
في المقابل، أكد رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان أن تركيا لن تشهد بعد اليوم إطاحة بالحكومات بفضل النظام الجديد (في إشارة إلى النظام الرئاسي الذي أقر في الاستفتاء على تعديل الدستور في 16 أبريل (نيسان) الماضي ووسع من صلاحيات رئيس الجمهورية وألغى منصب رئيس الوزراء وحد من صلاحيات البرلمان) وتبني مجتمعا للديمقراطية، قائلا إن «زمن الانقلابات قد ولى».
من جانبه، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، في كلمته خلال الجلسة، إن الجيش التركي أصبح اليوم أقوى مما كان عليه قبل الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا العام الماضي، وإنه بات جيشا للشعب التركي، منوها بشجاعة النواب الأتراك من الأحزاب السياسية الأربعة ليلة الانقلاب الفاشل، حيث رفضوا مغادرة البرلمان لحماية الديمقراطية وإرادة الشعب وسيادته.
وفي رسالة بالمناسبة تعهد رئيس هيئة أركان الجيش خلوصي أكار بأن مكافحة ما سماه «منظمة غولن الإرهابية» (في إشارة إلى حركة الخدمة بزعامة غولن) ستتواصل حتى «تطهير القوات المسلحة من آخر خائن» مشيرا إلى قيام من وصفهم بـ«الخونة من أتباع غولن» المتغلغلين في الجيش بمحاولة انقلابية شنيعة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، قبل عام.
من جانبه، أصدر الداعية فتح الله غولن (79 عاما) المقيم في بنسلفانيا بالولايات المتحدة بيانا ندد فيه بما وصفه بـ«الاضطهاد غير المسبوق» ضد حركته (الخدمة) قائلا: «للأسف، في أعقاب هذه المأساة (محاولة الانقلاب) تم إلحاق الأذى بكثير من الأبرياء. فقد تم تسريحهم بشكل غير شرعي وتوقيفهم وسجنهم وحتى تعذيبهم. وكل ذلك بأمر الحكومة».
واعتقلت السلطات التركية أكثر من 50 ألفا وحققت مع 169 ألفا وأوقفت أكثر من 150 ألفا عن العمل أو أقالتهم بشكل نهائي من مختلف مؤسسات الدولة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في إطار حملة تطهير تستهدف أنصار غولن وتوسعت لتشمل معارضين آخرين، لا تزال مستمرة حتى اليوم.
وفي أحدث حلقة من «حملة التطهير الموسعة» أصدرت السلطات في تركيا، الليلة قبل الماضية، أوامر بفصل أكثر من 7348 موظفا حكوميا في عدد من قطاعات الدولة بعضهم من الجيش والشرطة ووزارتي التعليم والخارجية وغيرها من القطاعات. ومن بين من صدرت الأوامر بفصلهم 2303 من الشرطة و546 من الجيش وما يزيد عن 3000 في وزارة الخارجية، والداخلية، والعدل والصحة والتعليم، بجانب 302 من الأساتذة الجامعيين.
وطالب السفير التركي في واشنطن سردار كليج السلطات الأميركية بالبحث في أي اتصالات تم اعتراضها لفتح الله غولن للحصول على أدلة تدعم اتهام تركيا له بتدبير محاولة الانقلاب العام الماضي وأعرب عن خيبة أمله إزاء الرد الأميركي على طلب تسليم غولن، وحث واشنطن على استخدام قدراتها على جمع المعلومات للمساعدة في إثبات الاتهامات التي توجهها أنقرة ضده.
من جانبه، ذكر ألب أصلان دوغان المستشار الإعلامي لغولن أنه لا يملك هاتفا محمولا، وأن الهاتف الأرضي في المجمع الذي يعيش فيه يرد عليه العاملون، وأنه لا يستخدم البريد الإلكتروني؛ ما يشير إلى أن أي محاولة للتفتيش في اتصالات غولن قد لا تحقق شيئا يذكر.
وأضاف أيضاً أنه لا يرى أي مؤشرات على أن إدارة ترمب تعطي قضية تسليم غولن أولوية أكبر، لافتا إلى أن اعترافات مدبري الانقلاب التي تشير بأصابع الاتهام إلى غولن محل شك؛ نظرا لوجود اتهامات بأن شهادتهم تم الحصول عليها بالإكراه وفي بعض الأحيان تحت التعذيب.
وقد امتلأت شوارع إسطنبول بلافتات ضخمة تضم لوحات توثق الأحداث الرئيسية التي وقعت ليلة المحاولة الانقلابية، بما في ذلك استسلام الجنود الانقلابيين، تحت شعار «ملحمة 15 يوليو».
وأعلن مجلس بلدية إسطنبول، عن مجانية خدمات النقل عبر كافة وسائل النقل العامة في المدينة، لمدة يومين، بدءا من صباح أمس السبت، وعلقت لافتات مضيئة ضد الانقلاب بين مآذن بعض أكبر مساجد إسطنبول.
وشارك الرئيس رجب طيب إردوغان في مسيرة شعبية على الجسر الذي يعبر فوق مضيق البوسفور وشهد معارك دامية قبل عام وبات يسمى بـ«جسر شهداء 15 يوليو» وكان يحمل من قبل اسم جسر البسفور.
وفي المناسبة نفسها، أصدر سفير خادم الحرمين الشريفين في أنقرة وليد بن عبد الكريم الخريجي بيانا أكد فيه أن السعودية تعد من أوائل الدول التي تحرص على توثيق علاقتها بالجمهورية التركية، وأن العالم الإسلامي يتضامن مع الشعب التركي بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة مشيدا بقدرة ووعي الشعب التركي على الوقوف بجانب قيادته والتصدي لكل ما يستهدف أمنه واستقراره.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».