مؤسسات حقوقية تحذر من أزمة مجتمعية إذا مسّت رواتب الأسرى

إسرائيل والولايات المتحدة تواصلان ضغوطهما على السلطة الفلسطينية

TT

مؤسسات حقوقية تحذر من أزمة مجتمعية إذا مسّت رواتب الأسرى

حذرت مؤسسات حقوقية فلسطينية من أزمة في المجتمع الفلسطيني، إذا استجابت السلطة الفلسطينية للضغوط الأميركية الإسرائيلية، وأوقفت مخصصات أسرى لدى إسرائيل وعائلاتهم. وتضغط الولايات المتحدة وإسرائيل على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لوقف المخصصات باعتبارها «تمويلاً للإرهابيين». لكن السلطة الفلسطينية ترفض الاستجابة حتى الآن، كما يرفض الرأي العام الفلسطيني أي مساس برواتب الأسرى الذين يمثلون رموزاً للنضال الفلسطيني.
وتدفع السلطة الفلسطينية شهريا 400 دولار لعائلة المعتقل الذي يقضي عقوبة تقل عن ثلاث سنوات، و1200 دولار للمعتقل الذي تتراوح عقوبته ما بين ثلاث سنوات وخمس. ويرتفع الراتب مع ارتفاع مدة الحكم، بحيث يصل إلى 2200 دولار لمن يحكم بفترة سجن ما بين 18 و20 عاما.
واستخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هذه الحقائق لمهاجمة عباس أكثر من مرة، بدعوى أنه «يمول قتلة».
ويقول المسؤولون الإسرائيليون، إن هذه المخصصات للعائلات تؤدي إلى تشجيع العنف، فيما يؤكد الفلسطينيون أن هذه المساعدات حيوية للعائلات وتعتبر بادرة دعم رمزية.
وضغطت الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، على عباس من أجل وقف هذه الرواتب، ولم يخل لقاء فلسطيني أميركي من ذكر الأمر.
وبحسب استطلاع للرأي أجري في الآونة الأخيرة، فإن 91 في المائة من الفلسطينيين يعارضون وقف هذه المخصصات. لكن ثمة من يخشى من استجابة السلطة إلى كل هذه الضغوط، خصوصا بعد وقفها بعض رواتب أسرى حماس.
وقد تم وقف رواتب نحو 277 أسيراً فلسطينياً، يعتقد أنهم جميعا تابعون للحركة التي تحكم قطاع غزة، في إطار إجراءات للسلطة ضد حماس.
ونقلت الصحافة الفرنسية عن إيمان نافع، زوجة القيادي في حركة حماس نائل البرغوثي، المعتقل لدى إسرائيل قولها، إن السلطة الفلسطينية أوقفت صرف راتب زوجها بداية الشهر الجاري، من دون أي توضيح.
وقال ياسر حجاز، الذي أمضى 21 عاما في السجون الإسرائيلية، وأطلق سراحه في 2011: «فوجئنا بوقف رواتبنا من دون أن يوضح لنا أحد ما هي الأسباب».
ويوجد اليوم، نحو 6500 معتقل فلسطيني. وتدفع السلطة الفلسطينية لهم رواتب استنادا إلى قانون الأسرى والمحررين، الذي أقره المجلس التشريعي الفلسطيني في عام 2004، وينص على «تأمين الوظائف للأسرى والمحررين وفقا لمعايير تأخذ بعين الاعتبار السنوات التي أمضاها الأسير في السجن».
وقال مدير مؤسسة «الحق» شعوان جبارين، إنه «في حال استمرار التعرض لحقوق الأسرى المعتقلين في السجون الإسرائيلية، فإن هذا سيخلق أزمة حقيقية في المجتمع الفلسطيني وقد تؤدي إلى الانفجار».
وأشار جبارين إلى أهمية الأسير الفلسطيني بالنسبة للمجتمع الفلسطيني قائلاً: «الأسير الفلسطيني ما زال يحظى برمزية جيدة لدى المجتمع الفلسطيني».
أما حلمي الأعرج، مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية، فقال، إن «المس بحقوق الأسرى وعائلاتهم، إنما هو استهداف للنضال الفلسطيني ولحركة المقاومة الفلسطينية جميعها، وهو ما يجب أن يتم رفضه».
وتعد قضية الأسرى الفلسطينيين من بين القضايا التي أعاقت استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي المجمدة منذ عام 2010.
وأطلقت إسرائيل في هذه الفترة، حملة كبيرة من أجل إقناع العالم بضرورة وقف رواتب جميع الأسرى.
وقال جبارين: «هناك ضغط سياسي أميركي وإسرائيلي على السلطة الفلسطينية لوقف تمجيد الشهيد والأسير، بمعنى أنه يتم استهداف الوعي الفلسطيني»، مضيفاً: «لكن كل المعايير الدولية لحقوق الإنسان نصت على ضرورة توفير حياة كريمة لعائلات الأسرى.
كما رفض الأعرج أي «مس بالنضال الوطني الفلسطيني»، وعد هذه الضغوط بمثابة «ابتزاز في ملف الأسرى من قبل دولة الاحتلال، ويجب أن تكون مرفوضة».
لكن المحلل والكاتب السياسي عبد المجيد سويلم، لا يتوقع أن تكون السلطة الفلسطينية استجابت للضغوط الإسرائيلية والأميركية في ملف الأسرى. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «مسألة الأسرى وحقوقهم كانت محسومة خلال نقاشات كل القوى والأطر الفلسطينية بمختلف مشاربها السياسية، منذ بداية اتفاقية السلام، بأنه لا يمكن التلاعب بهذه المسألة». وأضاف: «لا أعتقد أنه من الممكن أن تأخذ السلطة الفلسطينية قراراً بهذا الملف استناداً إلى ضغوط أميركية وإسرائيلية».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.