بحث خبراء في الأمن ومحاربة الإرهاب يومي أمس وأول من أمس بالجزائر، تجربتها في مجال محاربة التطرف العنيف عن طريق سياسات تهدئة يتم تطبيقها منذ 18 سنة. وتقول سلطات البلد إن هذه السياسات كانت ناجحة وبفضلها انحسرت ظاهرة الإرهاب، غير أن ناشطين سياسيين وحقوقيين يرون أنها «فرضت منطق الغالب» في الحرب التي دارت رحاها بين الجيش والمتشددين المسلحين في تسعينات القرن الماضي.
وشارك في «الورشة الدولية حول دور المصالحة الوطنية في الوقاية ومكافحة التطرف العنيف والإرهاب» مندوبون عن «المنتدى الشامل لمكافحة الإرهاب»، الذي يتبع لمجلس الأمن الدولي، وممثلون عن أجهزة الأمن بدول الساحل الأفريقي ومن الاتحاد الأوروبي، و«الشرطة الأفريقية» (أفريبول)، ومكتب الشرطة الأوروبية «يوروبول»، ومن «منظمة التعاون الإسلامي».
وقالت وزارة الخارجية التي أشرفت على الاجتماع، إنه «يقدم عرضا عن التجربة الجزائرية في مجال المصالحة الوطنية، التي بادر بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لإعادة استتباب السلم والأمن والاستقرار في البلد، والتي سمحت بالقضاء نهائيا على الفتنة التي استنزفت الشعب الجزائري خلال عشرية بأكملها».
وقال وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل، في انطلاق أشغال الاجتماع، إن نحو 5 آلاف رعية أفريقي موجودون في التنظيمات المتطرفة مثل «داعش»، و«القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، و«حركة أنصار الدين» (في مالي)، موضحا أن «المصالحة الوطنية شكلت بالنسبة للجزائر خيارا ساهم بشكل حاسم في وقف إراقة الدماء والقضاء على التهديد الإرهابي، الذي كان يحدق بالبلاد، وفي استتباب السلم والأمن، وفي إعادة بعث ديناميكية التنمية الاجتماعية والاقتصادية»، مشيرا في السياق ذاته إلى أن الجزائر «تريد أن تعرض هذه التجربة على البلدان التي تعرف نزاعات داخلية»، وضرب مثالا بمالي المجاور، الذي تسعى الجزائر إلى التوفيق بين معارضته المسلحة في الشمال والحكومة المركزية. ويدوم هذا المسعى منذ 1992، لكن المصالحة في هذا البلد لم تتحقق.
وذكر مساهل بخصوص سياسة التهدئة التي اتبعتها السلطات أن الجزائر «وجدت في قيم أسلافها وفي عمقها البشري والثقافي، وفي حكمة رئيسها وسماحة شعبها، الاستعداد الأخلاقي والشجاعة والإرادة بما يسمح بوضع حد للمأساة التي عرفتها البلاد، ولم شمل أبنائها حول هدف وحيد، هو بناء جزائر جمهورية ديمقراطية متمسكة بقيمها ومتسامحة ومتفتحة على العالم».
وخلفت «عشرية الإرهاب» 200 ألف قتيل، وخسائر في البنية التحتية بقيمة 20 مليار دولار. وبمناسبة سياسة «الوئام المدني» (1999) تخلى 6 آلاف متطرف عن الإرهاب، فيما لا يعرف أي شيء عن حصيلة «المصالحة» الجاري تطبيقها منذ 11 سنة. وتضمن هذا المشروع منع المتطرفين الذين تخلوا عن السلاح من ممارسة السياسة مدى الحياة، ولكن من دون ذكر أحد بالاسم. وانتقد حقوقيون ذلك بحجة أن العقوبة ينبغي أن تكون فردية وليست جماعية. ووفرت «المصالحة» حماية لعناصر الأمن المتورطين في اختطاف وقتل المئات من المتشددين، إذ منعت متابعتهم قضائيا.
وقال مساهل مروجا لهذه السياسة، إنها «تقوم على ركائز كان لها الدور الحاسم في تهيئة ظروف نجاحها، وهي احترام الدستور وقوانين الجمهورية وضرورة التضامن الفعال بين جميع ضحايا المأساة الوطنية، دون استثناء ولا تمييز، وكذا الاعتراف بدور مؤسسات الدولة ودور الوطنيين الذين جنبوا البلاد الوقوع في الفوضى، التي خطط لها أعداء الشعب مع تمسك السلطات العمومية باحترام قدسية الحياة البشرية، حتى إزاء من تمت إدانتهم من طرف القضاء بسبب جرائم تستدعي تطبيق حكم الإعدام بحقهم، فقد تم تعليق تنفيذ أحكام الإعدام سنة 1993، أي بعد أقل من سنة من اندلاع العنف الإرهابي».
وأضاف مساهل موضحا: «بفضل المصالحة تمكن أشخاص ضلوا السبيل من العودة إلى أحضان المجتمع والاندماج به من جديد، وجرى إنقاذ الآلاف من الأرواح، وتم القضاء على بذور الكراهية والانتقام في قلوب اليتامى وضحايا الإرهاب».
وجمدت الحكومة تنفيذ الإعدام بعدما تعرضت لحملة دولية كبيرة، على أثر إصدار أحكام ثقيلة ضد متطرفين من طرف «المحاكم الخاصة»، في 1993 و1994.
وزير خارجية الجزائر: 5 آلاف أفريقي في صفوف «داعش» و«القاعدة»
عرض تجربة الحكومة في لملمة جراح تسعينات القرن الماضي
وزير خارجية الجزائر: 5 آلاف أفريقي في صفوف «داعش» و«القاعدة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة