تونس: بوادر أزمة حادة بين الحكومة واتحاد الشغل

بسبب الزيادات المتتالية في أسعار عدد من المواد الاستهلاكية الأساسية

TT

تونس: بوادر أزمة حادة بين الحكومة واتحاد الشغل

ناقشت الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل (كبرى نقابات العمال) أمس في مدينة الحمامات (60 كيلومترا شمال شرقي تونس)، عدة ملفات ساخنة تختلف في تقييمها مع حكومة الوحدة الوطنية، التي يقودها يوسف الشاهد. وينتظر أن تستكمل نقاشاتها مساء السبت.
وينظر «الاتحاد»، الذي يعد الطرف القوي في المعادلة السياسية والاجتماعية، والموقع على وثيقة تشكيل حكومة الشاهد، في ملفات الوضع السياسي المحلي والإقليمي، وكذا المستجدات الأساسية في البلاد، وعلى رأسها ملف الزيادة في المحروقات، والتعديل الوزاري والمفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص.
وخلفت الزيادة في أسعار المحروقات، التي أعلنتها حكومة يوسف الشاهد بداية الأسبوع الحالي «أزمة» في العلاقة التي تربط الحكومة بالاتحاد العام للشغل، حيث توالت تصريحات غاضبة من الجانبين، خاصة إثر إعلان الحكومة عزمها رفع أسعار مجموعة من المواد الاستهلاكية الأساسية.
واعتبر اتحاد الشغل أن «الزيادة الكبيرة في المحروقات ليس لها أي مبرر اقتصادي، وتعد حلقة في سلسلة ضرب الاقتصاد التونسي، وخرقا للاتفاق الحاصل بين الاتحاد والحكومة حول الزيادة في الأجور»، مضيفا أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة «لا تخدم إلا الرأسمال الأجنبي وتكبّل التصدير، وتغرق المؤسّسات في العجز، وتفضي إلى إغلاقها وفقد آلاف المواطنين مناصب شغل».
وعبر نور الدين الطبوبي، رئيس نقابة العمال، عن غضب واضح من عدة ملفات سياسية واجتماعية، وفي مقدمتها الزيادة في الأسعار، ومواقف بعض الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم التي قال إنها تعارض أكثر من المعارضة، وعبر عن غضبه من تأجيل التعديل الحكومي في أكثر من مناسبة.
إضافة إلى ذلك، فإن الحرب التي يقودها الشاهد ضد الفساد لا ينظر لها «الاتحاد» أيضا بعين الرضا، وهو ما يمهد الطريق لصراع إرادات قوي بين الاتحاد الطامح للتدخل في كل الملفات، والحكومة التي تسعى للدفاع عن اختياراتها وتحاول إبعادها عن إملاءات صندوق النقد الدولي.
وفي هذا السياق، أقر سامي الطاهري المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي (نقابة العمال) بوجود خلاف بين الاتحاد والحكومة بخصوص ملف الزيادة في أسعار المحروقات، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن الاتحاد طالب بالزيادة في الأجر الأدنى المضمون، والحد من ارتفاع الأسعار، ومواجهة انهيار الدينار، موضحا أن الحكومة لم تنطلق بعد في هذه الإجراءات الاجتماعية الضرورية، على حد قوله.
وفي انتظار ما ستتمخض عنه أشغال الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل التي تنتهي اليوم (السبت)، لا يبدو أن العلاقة بين الطرفين ستكون ودية خلال هذه المرحلة، بل ستميل حسب مراقبين إلى المواجهة أكثر من المصالحة، بالنظر لطبيعة الملفات الخلافية بين الطرفين.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».