قضت السلطات الجزائرية بسجن صحافي بتهمة «تسريب معلومات سرية لدبلوماسيين أجانب مقابل أموال»، وذلك بعد 10 أشهر من حادثة وفاة الصحافي محمد تامالت في السجن، متأثرا بإضراب عن الطعام دام أربعة أشهر، قام به بعد اتهامه بـ«الإساءة إلى رئيس الجمهورية» بواسطة قصيدة شعرية كتبها ونشرها.
وأصيب الصحافيون الذين يعرفون سعيد شيتور، الصحافي المترجم، بالذهول لسماعهم خبر وجوده في سجن الحراش بالضاحية الشرقية للعاصمة. وكان استغرابهم أشد عندما أبلغتهم عائلته بأنه متابع في قضية تسليم معلومات سرية محلية لأجانب.
وسجنت السلطات شيتور (55 سنة) في الرابع من يونيو (حزيران) الماضي، غير أن خبر ملاحقته من طرف النيابة بعد اعتقاله لم يعرف إلا يوم الثلاثاء الماضي بمناسبة حفل أقامته سفارة الولايات المتحدة الأميركية بالجزائر، وذلك أثناء دردشة بين دبلوماسيين أوروبيين وصحافيين جزائريين كانوا من المدعوين، حيث تبين أن سبب سجن شيتور هو أنه أعد تقريرا عن الأوضاع الأمنية والاقتصادية للجزائر، بناء على طلب من دبلوماسي غربي لم يتم الكشف عن جنسيته.
وقال مصدر قضائي، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار متابعة الصحافي وسجنه صدر عن النائب العام، وتم استجوابه من طرف قاضي التحقيق، الذي أمر بوضعه في الحبس الاحتياطي على أن تتم محاكمته في سبتمبر (أيلول) المقبل. وأوضح نفس المصدر أن المتابعة تمت بناء على قانون العقوبات، الذي ينص على أحكام بالسجن تتراوح بين 5 و10 سنوات، في حال إثبات تهمة «التخابر لصالح جهة أجنبية»، التي تشمل «تسريب معلومات سرية مرتبطة بالدفاع الوطني».
وتتعامل السلطات بحساسية بالغة مع الاتصالات واللقاءات التي تتم بين الصحافيين والممثليات الدبلوماسية الأجنبية، وغالبا ما توظف وسائل الإعلام الموالية لها للتهجم عليهم، واتهامهم بـ«الخيانة» و«العمالة للأجنبي».
والسؤال الذي يحير متتبعي هذه القضية، هو ما هي هذه المعلومات السرية التي يمكن لصحافي أن يصل إليها حتى يمكنه تسريبها؟. وفيما لم يصدر أي تصريح من جهة رسمية حول المسألة، نقل شقيق شيتور، زاره في السجن، أن الصحافي ينفي تهمة «التخابر» عنه، وأن الأمر لا يعدو أن يكون معطيات رفعها إلى دبلوماسي أجنبي مقيم بالجزائر، تتضمن أخبارا عن جماعات متطرفة تنشط بالبلاد وعن الأزمة المالية، ومساعي الحكومة التغلب عليها. وهذه المعطيات تندرج بحسب شيتور في إطار ما تنشره وسائل الإعلام من أخبار يومية خلال تفاعلها مع الأحداث. ويشتغل شيتور منذ سنوات طويلة كمتعاون مع وسائل إعلام أجنبية أنجلوساكسونية، وأكثر ما عرف به أن يؤدي مهمة مرشد لفائدة الصحافيين الأجانب عندما يزورون الجزائر في المواعيد الانتخابية. ولم يكن له أبدا مواقف معارضة لنظام الحكم، كما أنه قليل الاهتمام بالسياسة.
وقد تعرض شيتور للاعتقال بمطار الجزائر العاصمة لحظة عودته من مهمة قادته إلى إسبانيا، فاتصل بزوجته من المطار ليطلب منها توكيل محام للدفاع عنه. وقال شقيقه لأصدقاء المعتقل إنه شديد التأثر لما يجري له، وإنه لا يتقبل التهمة التي وجهت له على أساس أنه بريء منها، وإن السلطات لا تملك دليلا ماديا واحدا على التهمة. كما قال شقيقه إنه كان علم بأنه تحت المراقبة، وإنه تصرف مع الأمر من منطلق تعقب نشاط كل الصحافيين، خاصة منهم كثيري السفر إلى الخارج ومن يتعاونون مع وسائل إعلام أجنبية.
ويبدي زملاء شيتور حذرا شديدا في التعاطي مع القضية، وقد رفض بعضهم إدراجها ضمن «حرية التعبير»، أو «مضايقة صحافي بسبب نشاطه المهني». وتختلف هذه القضية، حسبهم، مع حادثة تامالت، الذي كان يحمل الجنسية البريطانية أيضا، والذي اعتقل بالعاصمة يوم 27 يونيو 2016، بعد 4 أيام من عودته من لندن. ووجهت له النيابة تهما كثيرة مرتبطة بكتابات ومنشورات بشبكة التواصل الاجتماعي، تتعلق بالإساءة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ورئيس أركان الجيش ووزراء ومسؤولين مدنيين وعسكريين آخرين.
وتمت إدانة تامالت بعامين سجنا نافذا يوم 7 يوليو (تموز) من نفس العام، وقد احتج بشدة على ذلك عن طريق إضراب عن الطعام أدى إلى وفاته. ورفضت الحكومة تحمل مسؤولية مصير تامالت، فيما اتهمتها عائلته ونشطاء حقوق الإنسان بـ«الانتقام منه ليكون عبرة لباقي الصحافيين».
جدل في الجزائر بعد حبس صحافي أعد تقريراً عن الأمن في البلاد
السلطات تتهمه ببيع معلومات سرية لدبلوماسيين أجانب
جدل في الجزائر بعد حبس صحافي أعد تقريراً عن الأمن في البلاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة