ماكرون جدد دعمه للمعارضة في مفاوضات جنيف

أكد عزمه على لعب دور «تام وشخصي» من أجل حل سياسي في سوريا

TT

ماكرون جدد دعمه للمعارضة في مفاوضات جنيف

في 14 يونيو (حزيران) الماضي، صدرت للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصريحات بشأن سوريا، في ثماني صحف أوروبية، أثارت الكثير من الجدل، خصوصا تأكيده أنه «لا يرى خليفة شرعياً» للرئيس الأسد وأن الأخير «عدو للشعب السوري، وليس عدوا لفرنسا». وأكد ماكرون كذلك، أنه لم يجعل من رحيل الأسد «شرطا مسبقا لكل شيء»، في إشارة إلى العملية السياسية وجوهرها الانتقال السياسي. وإلى جانب ردود الفعل السلبية جدا من أوساط المعارضة السورية، جاء الرد أيضا على صورة رسالة مفتوحة نشرتها مؤخرا صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية اليسارية، وتضمنت «تفنيدا» لما بدا أنه «توجه جديد» للسياسة الفرنسية الداعمة تقليديا للمعارضة اليسارية والأشد مناهضة للنظام.
من هذا المنطلق، ووفق ما تؤكده مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية، فإن البيان الذي صدر أمس عن قصر الإليزيه بشأن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين ماكرون والمنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، جاء بمثابة «توضيح» للموقف الفرنسي، كما أنه «عاد بشكل ما إلى أساسيات» سياسة باريس. والأهم من ذلك أنه حمل «تأكيدا» على عزم ماكرون على لعب دور فاعل في الملف السوري. وقالت مصادر رئاسية لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة تقديمها لمشاركة ماكرون في قمة العشرين في هامبورغ: إن الأخير «سيثير الملف السوري في المحادثات الهامشية التي سيجريها مع عدد من كبار القادة، وخصوصا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومع الرئيس الأميركي». وأضافت هذه المصادر، أن الملف السوري سيكون على رأس جدول المباحثات بين ماكرون ودونالد ترمب خلال لقائهما مساء 13 الحالي في قصر الإليزيه بمناسبة حضور ترمب احتفالات العيد الوطني الفرنسي، التي تصادف هذه السنة الذكرى المئوية لمشاركة الجيوش الأميركية في الحرب العالمية الأولى على الأراضي الفرنسية.
حقيقة الأمر، أن بيان الإليزيه لا يجيب على تساؤلات المعارضة كافة، ولا يشير إلى مصير الأسد ولا إلى عملية الانتقال السياسي. وفي المقابل، فإنه يؤكد أمرين مهمين: الأول، استمرار دعم فرنسا للمعارضة السورية ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات، والآخر تأكيد ماكرون على عزمه «الالتزام بشكل تام وشخصي من أجل التوصل إلى حل سياسي يشمل جميع الأطراف في إطار عملية جنيف». ويأتي بيان الإليزيه بتأكيد لما سبق لـ«الشرق الأوسط» أن نشرته من أن باريس تعمل على إطلاق مبادرة سياسية جديدة، وهي تسعى لبلورتها من خلال تكثيف الاتصالات مع الأطراف. لكن ما يهمها بالدرجة الأولى، كما كشفت ذلك مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى الأسبوع الماضي، هو أن تنجح في لعب «دور الوسيط» بين الرئيسين الأميركي والروسي. من هنا، فإن الموعدين المقبلين للرئيس ماكرون مع نظيريه بوتين وترمب سيكونان بالغي الأهمية لتحديد «هامش المناورة» الذي تتمتع به الدبلوماسية الفرنسية. وكان لافتا أن بيان الإليزيه قد أشار إلى الاتصالات التي قام بها ماكرون مع واشنطن وموسكو.
ثمة قناعة ترسخت في باريس مفادها أن ما يميز ماكرون عن سلفه فرنسوا هولاند هو عزمه على العمل بمبدأ «الواقعية السياسية»، وسعيه لإعادة فرنسا إلى رقعة الشطرنج السورية، وذلك من خلال الدور الجديد الراعي في لعبه. وترى باريس اليوم أن الشرط لذلك التقارب مع موسكو؛ ما يفسر المواقف التي عبر عنها في الصحف الأوروبية مؤخرا، ومنها التخلي عن مطالبة الأسد بالتنحي وترك مصيره لمرحلة لاحقة لا بل من خلال إعادة بعض الشرعية له من خلال اعتبار أن لا بديل عنه يتمتع بالشرعية.
من هنا، فإن التواصل الجديد بين ماكرون وحجاب الذي التقى الرئيس الفرنسي سريعا للمرة الأولى في 30 مايو (أيار) الماضي، وتجديد التأكيد بكلام عام على الدعم الفرنسي للمعارضة السورية أمران مهمان، أنهما يعيدان التوازن للموقف الفرنسي. ووجه الأهمية الآخر، أنهما جاء قبل خمسة أيام من جولة المفاوضات غير المباشرة السابعة في جنيف برعاية المبعوث الخاص ستيفان دي ميستورا. وقد جاء إلى باريس قبل أيام قليلة والتقى وزير الخارجية جان إيف لو دريان وشرح له الأسباب التي تجعله يدعو إلى جولة جديدة. ورغم الدعم الفرنسي الرسمي لمسار جنيف، فإن باريس ترى أنه حتى الآن لم يعط أي نتيجة ملموسة، بل إنها تفكر بـ«صيغة أخرى» تكون الحاضنة للحل السياسي. ووفق التسريبات، فإن الصيغة الجديدة التي تفكر بها تشمل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الإقليمية الفاعلة «السعودية وتركيا وإيران...». وبانتظار توافر الشروط لإطلاق المبادرة الفرنسية، فإن باريس تشدد على خفض العنف وعلى الجوانب الإنسانية المختلفة وهو ما جاء في بيان الإليزيه كما تؤكد على «الحفاظ على وحدة سوريا وضرورة مكافحة (داعش) والمجموعات الإرهابية». وأهمية التذكير بوحدة سوريا منبعها، فرنسياً، التخوف من أن قيام مناطق خفض التصعيد قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه إن لم يتم الاتفاق سلفا على كيفية إدارتها وكيفية دمجها في إطار الحل السياسي الذي يفترض أن يحافظ على وحدة سوريا.
وكانت الهيئة العليا قد أصدرت بيانا تضمن تشديد حجاب، في الاتصال مع ماكرون، على «التزامها بالحل السياسي وتعاونها المطلق مع الوساطة الأممية» عبر مفاوضات جنيف، «وضرورة إقناع موسكو وحلفائها باستحالة حسم الصراع في سوريا من خلال العمليات العسكرية». وحذر حجاب من مخاطر التصعيد الذي تشهده البلاد من قبل إيران والميليشيات التابعة لها، ودفعها باتجاه التقسيم، مطالباً بتجنيب السوريين ويلات الحرب، وتوفير الحماية لهم من الجرائم التي يمعن بشار الأسد ونظامه في ارتكابها ضد المدنيين. وبخصوص الأسد، كرر المنسق العام أنه فقد الشرعية بعد أن ثبت تورطه مرات عدة في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، مشيراً إلى أن بقاءه في منصبه يعزز الفوضى، ويرسخ دور المنظمات الإرهابية، ويجلب المزيد من الميليشيات الطائفية، ويؤجج التمييز والكراهية والاحتقان الطائفي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».