تقهقر «داعش» في الرقة عاصمته شرق سوريا، وانسحب من ريف حلب، ذلك في الذكرى الثالثة لتأسيسه، بعدما كان التنظيم يسيطر على نصف مساحة سوريا البالغة نحو 185 ألف كيلومتر مربع. وإضافة إلى فقدانه نقطة تواصله مع العالم الخارجي عبر حدود تركيا، خسر آلاف الكيلومترات المربعة بسبب فتح ثلاث جبهات ضده، من قوات عربية - كردية بدعم من التحالف الدولي، وقوات نظامية وميليشيات إيرانية يدعمها الجيش الروسي، وفصائل سورية معارضة بغطاء من الجيش التركي.
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في تقرير لمناسبة الذكرى الثالثة لإعلان «أبي محمد العدناني» الناطق باسم «داعش» عن تحول التنظيم إلى «دولة» مزعومة غرب العراق وشرق سوريا، بأن «السنوات الثلاث الأولى من عمر هذا التنظيم شهدت صعوده بوتيرة متسارعة، حتى وصلت مساحة سيطرة التنظيم لما يفوق نصف مساحة الأراضي السورية، مع إتمام أول سنة من إعلان «الخلافة» المزعومة، لكن استمرار التنظيم في محاولات انتشاره وتوسيع نطاق سيطرته، قوبلت بصد من كل الأطراف التي تقدم التنظيم على حسابها، ليشهد العام الثالث الممتد من 29 يونيو (حزيران) 2016 إلى أمس، تهاوي التنظيم وتراجعه على كافة المناحي الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، وصولاً إلى الانهيار العسكري الكبير الذي تعرض له التنظيم والانكسارات المتتالية التي لحقت به».
وكان «المرصد» وثّق انتهاكات التنظيم و«هزائم وتقدمات للتنظيم ومن جرائم نفذها بحق المواطنين من أبناء الشعب السوري، ومن قتل وإعدامات وتفجيرات في كامل الأراضي السورية». إذ بدأ في السنة الأولى تشكيل «ثماني ولايات، هي: ولاية دمشق، ولاية حلب، ولاية الرقة، ولاية الخير، ولاية حمص، ولاية البادية، ولاية الفرات، ولاية البركة»، توزعت على تسع محافظات سوريا هي: دمشق، وحمص، وحلب، والرقة، ودير الزور، وحماه، والحسكة، وريف دمشق، والسويداء، بالإضافة إلى وجود جيش مبايع له في حوض اليرموك بريف درعا الغربي، ووصلت مساحة سيطرته إلى نحو 90 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية بنسبة نحو 50 في المائة من مساحة البلاد، عاد في العام الثالث ليخسر مساحات واسعة من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته تبلغ عشرات آلاف الكيلومترات».
وخسر «داعش» آخر منافذه مع العالم الخارجي، بعد دخول تركيا في عملية «درع الفرات» بمشاركة فصائل مقاتلة وإسلامية، كما خسر التنظيم عشرات القرى والبلدات والمدن من ريفي حلب الشرقي والشمالي الشرقي لحلب. ولم يتبق له سوى قرى متناثرة في ريف حلب الجنوبي الشرقي، قرب طريق حلب - خناصر - أثريا، كما خسر المساحة الممتدة من معبر تل كوجر على الحدود السورية - العراقية في مثلث الحدود السورية - العراقية - التركية، وصولاً إلى ريف الشدادي الجنوبي وإلى الغرب من منطقة مركدة، وصولاً إلى ضفاف الفرات الشرقية.
وبحسب «المرصد»، خسر «داعش» أيضا مساحات واسعة من ريف الرقة الجنوبي الغربي، إضافة إلى خسارته كامل الريف الغربي للرقة ومساحات واسعة من البادية السورية بما فيها منطقة اللجاة بريف درعا الشمالي الشرقي مروراً بتدمر والقريتين والبادية السورية، وصولاً إلى جنوب محطة التي تو بريف دير الزور الجنوبي الشرقي. وتراجع «داعش» في شكل كامل في محافظة حلب باستثناء تواجده في ريف حلب الجنوبي الشرقي.
وأمام تراجع مساحات سيطرته، تحول «داعش» من مهاجم شرس إلى مدافع منهزم يعتمد على الهجمات المباغتة والمعاكسة، وإلى تنفيذ عمليات فردية بسيارات مفخخة أو أحزمة ناسفة، أو عمليات اغتيال طالت «أطرافاً معادية للتنظيم».
وبحسب «المرصد»، فإن خسائر «داعش» جاءت نتيجة هجوم معاكس متزامن نفذته قوات النظام بتغطية من سلاح الجو الروسي ودعم من القوات الروسية والمسلحين الموالين لها من جنسيات سوريا ولبنانية وإيرانية وعراقية وآسيوية، و«قوات سوريا الديمقراطية» المدعمة بالقوات الخاصة الأميركية وطائرات التحالف الدولي، وبمشاركة من «قوات النخبة السورية» ومجلس دير الزور العسكري وفصائل وألوية أخرى، والقوات التركية بمشاركة فصائل مقاتلة وإسلامية عاملة في عملية «درع الفرات»، وفصائل مقاتلة في البادية السورية مدعومة من قبل التحالف الدولي.
وسائل اقتصادية بديلة
وضربت العمليات العسكرية أحد ارتكازات التنظيم، وهو الاقتصاد، وسارعت الأطراف كافة إلى عملية استهداف المقدرات الاقتصادية للتنظيم، مستهدفة الحراقات النفطية وصهاريج النفط وتجمعات لبيع وتعبئة النفط والحقول النفطية، لتتراجع نسبة الموارد الاقتصادية للتنظيم إلى نحو 80 في المائة؛ مما كانت عليه في أوج قوته، لكن «داعش» عمد إلى وسائل بديلة لتعويض خسارته الفادحة عبر الاستيلاء على أموال تجار أو تغريمهم، وصك عملة نقدية إلزام الجميع على إجراء معاملاتهم التجارية بهذه العملات الجديدة، وتحدد أسعارها قياساً للدولار الأميركي، كما عمد التنظيم إلى عمليات بيع قطع أثرية عن طريق الأراضي التركية، حيث جرى بيع الأصلية منها.
ولا شك، فإن إغلاق الحدود التركية كلف «داعش» الكثير ضمن الجانب الاقتصادي، بالإضافة إلى أن التنظيم جرى التضييق عليه من حيث التناقص الكبير في نسبة المنضمين إليه من الجنسيات غير السورية؛ ليدفع هذا الأمر تنظيم داعش في عاميه الثاني والثالث، إلى الالتجاء لتجنيد الشبان والرجال السوريين، ومن ثم التوجه لتجنيد الأطفال، حيث وثق «المرصد السوري» تجنيد التنظيم نحو 5 آلاف طفل ضمن مجموعات، وأشركهم في عمليات تفجير العربات المفخخة وتفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة، مع ملاحظة أن العام الثالث شهد تراجعاً كبيراً في نسبة المنضمين من الشبان والرجال والأطفال، على الرغم من استغلال التنظيم الأحوال المعيشية السيئة في عملية التجنيد من حيث تقديم رواتب قلت قيمتها مع التراجع الكبير في تمويل التنظيم لنفسه.
ولم يكن العام الثالث للتنظيم، بحسب «المرصد»، بأفضل من عاميه الثاني والأول من حيث وضع المرأة ومكانتها، حيث بقيت النساء والفتيات اللواتي أسرهن التنظيم في معاركه وخلال هجماته على الكثير من المناطق السورية والمناطق العراقية الحدودية مع سوريا «سبايا»، يخضعن لأحكام التنظيم، الذي عمد لنقلهن من مكان إلى آخر، في مقابل تراجع أعداد المختطفين والمعتقلين إلى 4 آلاف معتقل ومختطف ومجهول المصير.
ووثق «المرصد» آلاف المواطنين الذين استشهدوا على يد التنظيم، سواء عن طريق الإعدام أو القصف بالقذائف أو بألغامه وتفجيراته ومفخخاته ورصاص قناصته، كان بينهم 4225 مدنياً، بينهم 292 طفلاً و301 مواطنة. وكان بين هؤلاء2712 مدنيا أعدمهم التنظيم، إضافة إلى 4880 شخصاً أعدمهم التنظيم بمناطق سيطرته في الأراضي السورية، خلال 3 أعوام.
كذلك، أعدم «داعش» 536 من عناصره، بعضهم بتهمة «الغلو والتجسس لصالح دول أجنبية والعمالة للتحالف ومحاولة الفرار والتولي يوم الزحف ومحاولة الانشقاق» وغالبيتهم أعدموا بعد اعتقالهم من التنظيم إثر محاولتهم العودة إلى بلدانهم.
كما أعدم التنظيم 1274 من ضباط وعناصر قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وذلك بعدما تمكن من أسرهم في معاركه مع قوات النظام أو ألقى القبض عليهم على حواجزه في المناطق التي يسيطر عليها.
«داعش» في سوريا... خارج حلب ومخنوق في الرقة
«داعش» في سوريا... خارج حلب ومخنوق في الرقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة