يتفق محللون ومسؤولون عسكريون على أن فقدان تنظيم داعش معاقله في سوريا والعراق ليس إلا مسألة وقت. فالقوات المدعومة من الولايات المتحدة تتقدم في الرقة حيث معقل التنظيم في سوريا، كما لم يعد أمام القوات العراقية إلا مساحة محدودة لإكمال تحرير مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن البلاد، من سيطرة التنظيم. إلا أن التفاؤل بشأن استعادة الأراضي من «داعش»، وهو أمر مهم للغاية، يحمل أيضاً تحذيراً في طياته. فهذا لن يكون دلالة على نهاية التنظيم الذي خلط الأوراق في الشرق الأوسط منذ عام 2014. بحسب ما جاء في تقرير لوكالة الأنباء الألمانية. وتنقل الوكالة عن العميد السابق في الجيش العراقي صفاء العبيدي أن «داعش يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكن للتنظيم خلايا نائمة في بغداد وغيرها من المناطق في العراق، ولذلك لا بد من الحذر».
وعلى رغم أن القوات العراقية حالياً «في وضع ممتاز» لهزيمة التنظيم في الموصل وغيرها من معاقله في العراق، فإن العبيدي يتوقع أن يسعى التنظيم إلى تحقيق «المزيد من النجاحات الإعلامية من خلال تنفيذ هجمات تستهدف المدنيين».
ولن تؤدي خسارة التنظيم لمعاقله في العراق وسوريا سوى إلى إعادة تشكيل التنظيم، الذي يعمل على توسيع نطاق وجوده خارج الدولتين، بحسب الوكالة نفسها. وتقول عبير سعدي الباحثة في شؤون الجماعات والإعلام المتطرف في جامعة دورتموند الألمانية: «سيشكل الأمر نهاية التنظيم في شكله الحالي، ولكنه لن يختفي». وتضيف: «أشكك في أنهم سيحاولون السيطرة على أراض جديدة... فقدان الأرض سيدفعهم إلى تغيير شكل وجودهم». وقد كانت السيطرة على الأراضي هي المبدأ الذي تأسس عليه التنظيم الذي شكّل «حكومة» وعيّن ولاة. ولكن لكي يظل يعمل، من المتوقع أن يتخلى «داعش» عن هذا التوجه.
ويعني أي تحوّل في استراتيجية التنظيم أمرين: التوسع خارج سوريا والعراق، وكذلك تبني مفهوم أن يكون «دولة بلا دولة». ويعمل التنظيم بالفعل منذ فترة طويلة من أجل تحقيق الأمر الأول. فقد تأسست «ولاية خراسان» التابعة للتنظيم في يناير (كانون الثاني) عام 2015 في إقليم ننجرهار في شرق أفغانستان، ويُفترض أن يغطي نشاطها كلاً من باكستان وأفغانستان. كما شن مسلحون موالون للتنظيم الكثير من الهجمات في الفلبين خلال الشهور الماضية. وكان التنظيم أسس أيضاً لوجود له في الكثير من دول الشرق الأوسط، أبرزها مصر وليبيا. أما الأمر الثاني فيعني التخلي عن فكرة السيطرة على مزيد من الأراضي لمصلحة فكرة شن «هجمات انتقامية». وتقول سعدي: «من أجل تحقيق هذا، كثّف التنظيم على وسائل التواصل الاجتماعي من الدعوات الموجهة إلى أتباعه، خاصة الذئاب المنفردة». وتشير إلى أن رسائل التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات الإلكترونية إلى الموالين له والمتعاطفين معه تشجع على أعمال مثل هجمات الطعن والدهس التي يتم تنفيذها بشكل متزايد في الدول الأوروبية. وقام التنظيم في الوقت نفسه بتغيير لهجته لإعداد أتباعه للخسائر التي يمنون بها.
وفجّر عناصر التنظيم قبل أيام جامع النوري ومئذنته وسط الموصل، في خطوة وصفها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأنها «إعلان رسمي لهزيمتهم». وكان هذا المسجد شهد الظهور الوحيد لزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي في يوليو (تموز) 2014.
ويقول الميجور جنرال روبرت جونز نائب قائد وحدة الاستراتيجية والدعم في التحالف التي تقوده الولايات المتحدة، تعليقاً على مزاعم روسيا بأنها قتلت البغدادي: «ما أقوله هو أن البغدادي، سواء كان حياً أو غير ذلك، أصبح شخصية منعزلة بصورة متزايدة. فعدد كبير جداً من مساعديه المخلصين قُتلوا». ويعتقد جونز أن أتباع البغدادي لا يشعرون بأنه «يتم قيادتهم على نحو خاص» وإنما يشعرون بأنهم «تم هجرهم وأصبحوا معزولين».
ولا تتفق سعدي مع هذا الرأي، وتتوقع أن تنبثق من داخل التنظيم حركات أكثر تشدداً وتتسلم قيادته، مع الحفاظ على استراتيجية اتصالات مشابهة، وهي تدعو إلى مخاطبة الشباب. وقالت إن «هذه الحركات سترجع في الواقع خسارة التنظيم الهائلة في الأفراد والمعدات إلى تمسك القيادة بالأرض». وأضافت أنه «بعد ذلك، ستعمل على (تصحيح مسار) التنظيم، وإن كانت ستواصل محاولة تجنيد الشباب في كل مكان».
«داعش» يضطر إلى تغيير تكتيكاته مع استمرار فقدانه السيطرة على الأرض
التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة
«داعش» يضطر إلى تغيير تكتيكاته مع استمرار فقدانه السيطرة على الأرض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة