غارات القوات الأميركية على قيادات «داعش» تسفر عن كنوز معلومات

استهداف عبد الرحمن الأوزبكي كان مكافأة نادرة سعت خلفها قوة العمليات الخاصة

سرية من القوات الخاصة الأميركية ضمن عملية انتشار داخل الأراضي السورية (نيويورك تايمز)
سرية من القوات الخاصة الأميركية ضمن عملية انتشار داخل الأراضي السورية (نيويورك تايمز)
TT

غارات القوات الأميركية على قيادات «داعش» تسفر عن كنوز معلومات

سرية من القوات الخاصة الأميركية ضمن عملية انتشار داخل الأراضي السورية (نيويورك تايمز)
سرية من القوات الخاصة الأميركية ضمن عملية انتشار داخل الأراضي السورية (نيويورك تايمز)

في ظهيرة أحد الأيام في شهر أبريل (نيسان) الماضي، اعترضت مروحية تحمل عدداً من أفراد القوات الأميركية الخاصة طريق مركبة تقل أحد المقربين من زعيم تنظيم داعش الإرهابي بجنوب شرقي سوريا أبو بكر البغدادي.
لم يكن العضو المقرب من زعيم التنظيم سوى عبد الرحمن الأوزبكي، وكان استهداف الرجل بمثابة مكافأة نادرة سعت خلفها قوة العمليات الأميركية الخاصة لشهور. كان الرجل متوسط الأهمية في التنظيم، لكنه كان يتمتع بمهارة عملية كبيرة في جمع التبرعات، وفي تسريب قادة التنظيم خارج مدينة الرقة المحاصرة، والتي اتخذها التنظيم الإرهابي عاصمة له في سوريا، وفي التخطيط لشنّ هجمات ضد الغرب. ولذلك؛ فباعتقاله حياً، كان الأوزبكي سيصبح كنزاً لأجهزة الاستخبارات، ولذلك بدأ المحققون الفيدراليون بالفعل في إعداد لائحة الاتهامات الجنائية ضده لمحاكمته في الولايات المتحدة.
ومع اقتراب المروحية من المركبة التي يستقلها الأوزبكي، اندلعت معركة مسلحة بين الجانبين ولقي المحارب المخضرم في حروب الظل في سوريا وباكستان حتفه جراء تبادل إطلاق النار، لينهي آمال القادة العسكريين الأميركيين في الحصول منه على معلومات عن عمليات تنظيم داعش، وعن قادته واستراتيجيته.
وسلطت التفاصيل الجديدة عن العملية وكذلك عن عملية أخرى مماثلة جرت في يناير (كانون الثاني) الماضي بهدف اعتقال عنصر تنفيذي متوسط الأهمية بتنظيم داعش الضوء بصورة نادرة على كم الأسرار المرتبطة بعمليات القوات الأميركية الخاصة التي قامت بها على مدى ثلاث سنوات هي عمر الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على الأرض ضد تنظيم داعش. وتكتسب الهواتف المحمولة وغيرها من المعدات التي استولت عليها القوات الخاصة أهمية كبيرة في الغارات التي ستشنها الولايات المتحدة على التنظيم مستقبلاً رغم فشل القوة في القبض على هؤلاء القادة أحياء للحصول على معلومات جديدة عن الدوائر المقربة من كبار قادتهم وعن مجلس حرب التنظيم.
وفي السياق ذاته، قال ديل دالي، القائد المتقاعد بفرقة العمليات الأميركية المشتركة الخاصة ورئيس مركز مكافحة الإرهاب بمنطقة ويستبوينت: «إن استطعنا اعتقال أحدهم حياً مع هاتفه المحمول، وعلمنا منه ما نفذه في السابق، فسيساعدنا ذلك كثيراً في التسريع من موت (داعش)». ويحذر مسؤولو الاستخبارات والجيش الأميركي من أن تنظيم داعش لا يزال في مأمن من التعرض لهزيمة في ظل امتلاكه ماكينة دعاية متطورة لا تزال قادرة على اجتذاب منتسبين جدد، وتلقي الدعم من متعاطفين بعيدين لتنفيذ اعتداءات في الخارج. غير أنه داخل حدود دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم في العراق وسوريا، فآخر معقلين أساسيين للتنظيم باتا محاصرين بعد فرار كبار قادتها جنوباً تجاه وادي نهر الفرات، وانهماك فيالقها من المقاتلين الأجانب في القتال حتى الموت أو الإفلات بالهرب بعيداً والعودة إلى بلادهم وإلحاق الدمار بأوروبا.
فمع استمرار السباق لإخراج المتطرفين من شرق سوريا، حيث تحصنوا لثلاث سنوات اكتسب زخماً جديداً بعد احتشاد قوات منافسة في المناطق غير الخاضعة لنفوذ جهة معينة، فإن القوات السورية والميليشيات المدعومة من إيران تتقدم شرقاً لتقترب من القوات المدعومة من الولايات المتحدة التي تقاتل لاستعادة الرقة. ومن جانبها، هددت روسيا الاثنين الماضي باستهداف الطائرات الأميركية أو المتحالفة معها بعد يوم واحد من إسقاط الولايات المتحدة لطائرة سورية؛ الأمر الذي أوجد مناخاً مشتعلاً تزايدت معه الحاجة إلى مهام القوات الأميركية الخاصة.
وأفاد مسؤول عسكري أميركي بأنه على الرغم من الاسم المستعار الذي استخدمه الأوزبكي (39 عاما)، فقد كان عبد الرحمن من مواطني طاجاكستان، وليس أوزبكستان، واكتسب مهاراته القتالية من حربه في صفوف قوات «حركة أوزبكستان الإسلامية» الموالية لطالبان. ومنذ نحو 10 سنوات، انتقل الأوزبكي إلى باكستان، حيث تواصل عن قرب مع تنظيم «القاعدة»، بحسب المسؤول، وفي السنوات الأخيرة انتقل إلى سوريا، حيث انضم إلى مقاتلي تنظيم داعش. كان الأوزبكي قريبا من البغدادي، زعيم «داعش»، وساعد في التخطيط لاعتداء دموي مميت على ملهى ليلي بإسطنبول أثناء احتفالات رأس السنة الميلادية، واستهدفته القوات الخاصة لدوره في التخطيط لعدد من الاعتداءات حول العالم، بحسب الكولونيل جون توماس، المتحدث الرسمي باسم القيادة المركزية العليا للجيش الأميركي في أبريل الماضي، مضيفا أن الأوزبكي «سهل حركة مقاتلي (داعش) الأجانب وكذلك في عمليات التمويل».
وبعد انتظار الفرصة لتصيد الأوزبكي من دون تعريض المدنيين للخطر، سنحت الفرصة أخيرا في 6 أبريل الماضي لوحدة تعرف باسم «وحدة الاستهداف» وهي مجموعة من عناصر القوات الخاصة السرية المكلفة باصطياد قادة تنظيم داعش في العراق وسوريا. وفي نحو الساعة 3 عصرا، كان الأوزبكي يقود سيارة ببلدة الميادين بشرق سوريا التي باتت أحد معاقل قادة التنظيم الفارين من الرقة. ووفق مسؤول عسكري أميركي، قام الأوزبكي بإيصال أحد كبار قادة التنظيم بالميادين وعاد إلى الرقة، وحينها نصبت له عناصر الوحدة الأميركية الخاصة كميناً في طريق عودته. وعلى الرغم من مقتله، فقد حصلت القوات الخاصة على هاتفه المحمول وغيرها من المعدات الغنية بالمعلومات.
وفي غارة مماثلة بداية يناير الماضي، تمكنت القوات الخاصة أيضاً من قتل قائد آخر متوسط الأهمية في «داعش» بعد أن فشلت في اعتقاله حياً ببلدة دير الزور بشرق سوريا الخاضعة لسيطرة «داعش». وأفاد المسؤول العسكري بأن عناصر القوات الخاصة اضطرت إلى قتله بعد أن رفض الاستسلام. وتمكنت القوات من الحصول على معلومات هامة خلال الغارة.
كانت أولى تلك العمليات في سوريا في مايو (أيار) 2015 عندما دخل فريقا عمليات خاصة تابعان لوحدة «دلتا فورس» إلى سوريا على متن مروحيات «بلاك هوك» و«في 22 أوسبراي» قادمين من العراق وتمكنوا من قتل أبو سياف، الذي وصفته الولايات المتحدة بـ«أمير النفط والغاز» بتنظيم داعش. وأدت المعلومات التي حصلت عليها القوات الخاصة من أجهزة الكومبيوتر المحمولة والهواتف النقالة وغيرها من الأجهزة خلال تلك الغارات إلى تكوين الفكرة الأولى عن الهيكل التنظيمي لتنظيم داعش وعن عملياته المالية وأساليب تأمينه.
*خدمة «نيويورك تايمز»



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.