من التاريخ: غراميات إمبراطور

من التاريخ: غراميات إمبراطور
TT

من التاريخ: غراميات إمبراطور

من التاريخ: غراميات إمبراطور

بعيداً عن غمار الحروب الصليبية والرؤى الفلسفية للتاريخ، فلقد وجدت نفسي منذ أيام قليلة أجلس في حفل عشاء وعلى يميني سياسية بولندية وأمامي صديق فرنسي، فلم أستطع السيطرة على لساني الذي انطلق لسؤالهما عن أهم ما يجمع بينهما تاريخياً، فكان الرد التلقائي هو «الاتحاد الأوروبي»، ثم بادر الفرنسي ليقول لي: «إن المنافسة على عمودية باريس كانت لامرأة من أصل بولندي»، فأوضحت لهما حقيقة هامة للغاية وهي أن الذرية الوحيدة لنابليون بونابرت جاءت من خلال علاقة ممتدة مع إحدى الشخصيات بولندية الجنسية، وأنه إذا ما أرادت فرنسا أن تشم رائحة إمبراطورها العظيم نابليون بونابرت فعليها أن تفتش في السلالات البولندية، فوجدتهما يبتسمان ابتسامة تخفي خلفها بعض الفضول مع بعض الخجل لأن مصرياً مثلي يحدثهما في مثل هذه الأمور الهامة في تاريخ بلديهما.
إن ما حدث مرتبط بشكل كبير بالطريقة التي لا يزال نابليون بونابرت يمر بها إلى ذاكرتنا البشرية والتي تهتم بعبقريته العسكرية والتاريخية والسياسية، فضلاً عن كونه يمثل للبعض الشخصية الرومانسية والتي يتم ربطها مباشرة بثوريته أو بعلاقته بزوجته الأولى جوزيفين، ولكن حقيقة الأمر أن قصة الحب الأساسية التي سيطرت عليه بعد نضوجه النسبي كانت مع شابة بولندية، فلقد كانت علاقته بزوجته جوزيفين التي كانت تكبره سناً على المحك بسبب عدم قدرتها على الإنجاب ولأسباب تتعلق بعلاقاتها ونزواتها مع رجال مختلفين على رأسهم هيبوليتي شارلز، الذي رافقها خلال فترة وجود نابليون في الحملة على مصر والشام، وقد بدأ الجميع يستشعر المسافة التي صارت تكبر يوماً بعد يوم بين نابليون وزوجته، إلى أن جاء انتصار الرجل الساحق في معركتي «أوسترلتز» ضد النمسا في 1805 ثم في «يينا» ضد بروسيا، وهو ما فتح له الطريق إلى وسط أوروبا، خصوصا بولندا التي كانت تعاني بشدة من سيطرة روسيا وبروسيا والنمسا على مقدرات الأمور بها وتقسيمها تباعاً، وبالتالي عندما دخل نابليون بولندا استقبله الشعب البولندي بالورد والقبلات والسعادة الغامرة على اعتباره المخلص الذي من المتوقع أن يُعيد لبولندا استقلالها وحريتها، ولكن القدر كان له رأي آخر، فخلال هذه الاستقبالات لم يفُت نابليون أن يركز على جمال امرأة بولندية شابة زرقاء العينين، شقراء الشعر، بيضاء البشرة، متوسطة الطول، ويبدو على وجهها براءة الأنوثة والشباب، فلقد كانت بكل المقاييس آية في الجمال كما وصفها كل من رآها أو تعامل معها.
لقد كانت هذه الشابة هي ماريا واليوسكا، إحدى فتيات الطبقة الأرستقراطية البولندية والتي كانت أسرتها تعاني من ضائقة مادية، فتم تزويجها لأحد أبناء الطبقة ذاتها من ميسوري الحال، وهو الكونت أثناثيوس واليوسكي والذي نسبت إليه، وكان يكبرها بقرابة سبعة عقود، ومع ذلك فقد أنجبت له طفلاً، ولكن علاقتها به كانت فاترة للغاية، وعلى الرغم من أنها لم تكن لديها النية أو حتى الرغبة في الدخول في علاقات مع رجال آخرين، وهو ما لم يكن مستغرباً على هذه الطبقة الاجتماعية، إلا أنها وجدت نفسها بجوار أحد أقربائها يستقبلون نابليون بونابرت في مدينة بلوني، فاستطاعت الشابة أن تخرق الصفوف لتصل إلى عربته وتلقي عليه السلام، شأنها في ذلك شأن كل شباب بولندا الحالم بالاستقلال في لقائهم بالمُخلّص السياسي المُنتظر، وقد لفت جمالها انتباه نابليون على الفور، فما كان منه إلا أن أعطاها باقة ورد كانت معه وقال لها بكل وضوح وهو يرمقها بنظرة متعمقة: «سوف نلتقي في وارسو وسوف تشكرينني كثيراً».
ولم يخفِ نابليون إعجابه الشديد بماريا والويسكا وبدأ يضع خطته للانقضاض على الفتاة، فوجه جنراله القدير دوروك ليبحث عنها بشغف، ومن خلال علاقاته مع الطبقة الأرستقراطية تم توجيه الدعوة إليها للمشاركة في أحد الاحتفالات المسائية، ولكنها اعتذرت، وهو ما استفز نابليون كثيراً، فتم توجيه أحد الأرستقراطيين للذهاب إليها ليقول لها إنها تمثل أمل بولندا لأن الإمبراطور مولع بها وإنها يمكن أن تقوم بعمل قومي لبلادها بأن تصبح عشيقته. والمستغرب له أن هذا الأمر لم يزعج زوجها كثيراً، حيث كان يرى أن بولندا أهم من زوجته، فلقد ضغط المقربون عليها لقبول هذه العلاقة، وفي إحدى المناسبات التقي بها نابليون مرة أخرى فلم يتأخر كثيراً وبدأ يتقرب إليها بشغف وبأدب تارة وبعنف وصلف تارة أخرى، مُرغباً من خلال التأكيد على أنه سيقوم بإعادة دولة بولندا للخريطة، ومهدداً بأنه سيسحق دولتها تارة أخرى. والملاحظ أن هذا الرجل القوى كان يعرف طريقه لقلب النساء بصفة عامة، فلقد كتب لها بطاقات ممتدة يعرض عليها حبه، ومن ذلك قوله في إحداها: «يا حمامتي الجميلة... مع مرور الوقت سوف تحبين النسر العظيم (أي نابليون)، وفي زمن قليل ستفرضين سيطرتك عليه..».، وتورد ماريا في مذكراتها أنه وقف أمامها في إحدى المرات وقال لها: «أريدك أن تعرفي أنني سأغزوك... دعيني أكرر لك... سوف تحبينني..».، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت الشابة مفتونة بشخصه وحبه الشديد ودفء شخصيته، وسرعان ما دانت الشابة الجميلة واستسلمت للإمبراطور نابليون في علاقة بدأت سرية ولكنها أصبحت حديث كل العواصم الأوروبية بعد وقت قريب، وقد تحولت العلاقة بينهما من علاقة اضطرارية إلى علاقة حب عميق أسفر عن الذرية الوحيدة لنابليون ممثلة في ابنه ألكسندر واليوسكي، الذي نسب إلى زوج أمه وليس عشيقها الإمبراطور، ولكن كل فرنسا كانت تعرف أنه ابن نابليون بونابرت، فكانت تعامله على هذا الأساس لأنها غادرت بولندا وأصبحت تعيش معه في باريس بشكل علني، وذلك على الرغم من زواج نابليون بماريا لويز ابنة الإمبراطور النمساوي، ولكن حقيقة الأمر أنها كانت زيجة مُدبرة هدفها سياسي ونهايتها تعيسة، وإحقاقاً للحق فإن أسرة الهابسبورغ التي تنتمي إليها زوجة نابليون كانت معروفة بقبحها ومحدودية جمال بناتها، فلم تكن زوجة نابليون لتقارن بماريا واليوسكا التي كانت حديث كل المجتمعات لجمالها ورقتها وبراءتها، ولكن كونها متزوجة كان أيضا يثير الكثير من الثرثرة في المجتمعات الأوروبية.
رغم كل هذه الظروف المحيطة بهذه العلاقة العميقة لنابليون بونابرت مع محبوبته ماريا، فإنها كانت أكثر النساء ولاءً للرجل، فقد استمرت العلاقة بينهما حتى إنه يقال إنها زارته في منفاه الأول في جزيرة إلبا، وظلت حافظة العهد معه حتى تم نفيه نهائياً لجزيرة سانت هيلينا في المحيط الأطلنطي، وهنا فقدت الأمل في العودة إليه، وقد تزوجت بعد ذلك من أحد جنرالاته وهو فيليب دارنانو وأنجبت منه طفلاً آخر، ولكنها لم تغفل التأكيد في مذكراتها على أن نابليون كان الرجل الحقيقي في حياتها.
أما ابنها ألكسندر من نابليون فقد دخل اللعبة السياسية في فرنسا بعدما منح الجنسية، وكان الجميع يدركون تماماً أنه ابن قائدهم العظيم نابليون، ويبدو أن هذا الشاب كان يملك من مقومات عظمة أبيه الكثير، حيث أبلى بلاءً حسناً كضابط ثم كسياسي، ومثل والده فإن زواجه لم يكن مستقراً، وسلالته من زواجه لم يكتب لها الاستمرارية، ولكن العكس كان صحيحاً من خلال علاقته مع إحدى الممثلات التي أنجبت له ابناً كُتب من خلاله لسلالة نابليون البقاء.
وهكذا انتهت قصة من أعمق قصص الحب في تاريخ السلطة السياسية، خصوصا لأن شخصية نابليون تظل محيرة إلى حد كبير، فيبدو أن الرجل كانت له موهبة خاصة في المعارك سواء العسكرية أو النسائية على حد سواء، وإذا ما كانت الأولى من نتاج عبقريته الخالصة، فإن الثانية بلا شك استفادت من الهالة السياسية التي نتجت عن انتصاراته العسكرية، فلقد كانت الكثير من النساء يرتمين تحت أقدام هذا الرجل الذي دانت له أوروبا، فلم يكن من المستغرب أن ترفع النساء رايات الحب والاستسلام بهذه السرعة، ولكن يبدو أن نابليون قد فتح قلبه وروحه لماريا أكثر من أية امرأة أخرى، ويبدو أن العلاقة انتهت بحب متعمق مع هذه المرأة التي تحملت كل علاقاته الجانبية أو زواجه وتقلبات مزاجه وظروفه السياسية، ومن ذا الذي يستطيع أن ينكر أن نابليون استسلم عاطفياً لماريا قبل أن يستسلم عسكرياً في معركة واترلو؟... فكثيراً ما يُقهر العظماء من القلب وليس في ساحات المعارك!



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».