يعيش أكرم عبد القوي، وضعاً إنسانيّاً وصحيّاً غاية في السوء، بعد أن وجد نفسه مصاباً بوباء الكوليرا الذي يجتاح المدن اليمنية، في ظل التزايد المطرد لأعداد المصابين وحالات الاشتباه بالوباء، خصوصاً في صنعاء، التي تتزايد حالات الإصابات فيها يوماً بعد يوم. يقول شقيقه شعيب إن أغلب المراكز الصحية المخصصة لاستقبال حالات المصابين بالكوليرا، في صنعاء، لا تقوم بتأدية واجبها في رعاية المرضى، وتكتفي بإعطاء المريض مغذية، وبضع حبوب مضادات حيوية، وهو ما حصل «معنا أثناء إسعاف شقيقي إلى مركز الشهيد علي عبد المغني»، ويتابع قائلاً إن المراكز البديلة التي حددتها وزارة الصحة العامة والسكان، الخاضعة لسيطرة الانقلابيين في صنعاء، تركز، بشكل أساسي، على تسجيل الاسم المريض لأجل الإحصائيات التي تقوم بتقديمها للمنظمات الدولية، بغية الحصول على الدعم والمساعدات الطبية، لكن دورها الطبي يفتقر لأبسط مقومات الرعاية الصحية والوقاية.
ولا يختلف وضع عبد القوي عن وضع المئات من المصابين بالكوليرا في صنعاء، بل قد يعيش آخرون مصابين بالوباء وأسرهم. وجدت المواطنة التي اكتفت بالإشارة إلى اسمها بـ«س. عبد الحليم»، نفسها أمام ما تصفه بـ«الواقع الصادم»، أثناء إسعاف والدتها إلى مستشفى السبعين للأطفال، بعد تخصيصه لمركز رقود من قبل الميليشيات لاستقبال النساء والأطفال المصابين بالكوليرا». وقالت المواطنة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» إن والدتها تدهورت حالتها الصحية بعد أن «قمت بإسعافها إلى المستشفى الجمهوري وتم تحويلها إلى السبعين، وهناك فوجئت بالإهمال واللامبالاة وعدم المتابعة للحالات التي يتم فيها استقبال المرضى»، مؤكدة أن المركز «يفتقر للتعقيم والنظافة، رغم وجود عشرات النساء المصابات والخاضعات للرقود في المخيمات التي أقيمت داخله»، ورفضت استمرار رقود والدتها في المستشفى «بعد أن شاهدت الأسرة تفتقد للنظافة في المخيم، عوضا عن اقتراب الحمامات من المخيمات وافتقارها لأدوات التعقيم اللازمة والمنظفات»، وقالت إن الأمر الذي جعلها تقوم بإخراج والدتها من المستشفى وإسعافها لمختبر قريب لإجراء الفحوصات، هو وجود، طفلة لم تتجاوز العاشرة من العمر مع والدها، وكان حال الطفلة كوالدتها يعانين من قيء وإسهال مستمر، حيث اكتفى أحد الأطباء بسؤال والد الطفلة عن اسمها وحالتها وتدوينه في السجل المخصص لرصد الحالات ولم يقم بالإجراءات الطبية والإسعافات الأولية التي كان من المفترض أن يقوم بها، منتظراً لطبيب آخر في المخيم ليقوم بمعاينة الحالة وفحصها.
ومنذ سيطرت ميليشيات الحوثي وصالح على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014، ثم بقية محافظات الشمال، كشفت معظم التقارير أن الميليشيات استخدمت الموال المخصصة لدعم المستشفيات والمراكز الطبية، لدعم ما يسمى «المجهود الحربي»، إلى جانب السيطرة على المساعدات الطبية المرسلة من منظمات وجهات خارجية وإرسالها إلى جبهات القتال، أو قيام قيادات حوثية ببيع تلك المواد في «السوق السوداء»، الأمر الذي أدى إلى انهيار المنظومة الصحية في البلاد. وكان السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، غرد قبل أيام، قائلا إن «سوء وإهمال الميليشيات الانقلابية للمؤسسات الصحية والمرافق الحيوية المتعلقة في البيئة والنظافة في صنعاء والحديدة وحجة سبب انتشار الأمراض».
وحذرت منظمة الصحة العالمية، أمس، من ارتفاع عدد حالات الإصابة بوباء الكوليرا في اليمن إلى 300 ألف حالة، مع حلول شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، لا سيما، أن عدد الوفيات نتيجة المرض بلغ 1265 شخصاً.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تزايدت حالات الإصابات والاشتباه بالكوليرا في اليمن، وفي المقدمة صنعاء، وبحسب مصادر طبية فإن مراكز مستشفى السبعين ومجمع آزال الطبي ومركز علي عبد المغني، هي المراكز التي استقبلت أكثر حالات المرض المقدرة بالمئات.
ويرى خبراء أن الوباء بات «خارج عن السيطرة»، وأرجعوا تزايد الحالات إلى سوء عوامل الإصحاح البيئي، «نقص الأدوية الوقائية وعدم السماح بدخول الجهات والهيئات الطبية الدولية»، خصوصاً في المناطق التي لا تزال تسيطر عليها الميليشيات الانقلابية، بالإضافة للمياه الملوثة التي يحصل عليها المواطنون عبر «صهاريج» مخصصة في الأحياء السكنية، وقال الطبيب ماجد القدسي لـ«الشرق الأوسط» إن «غالبية المراكز الصحية وزائريها هم من الأشخاص الذين يعيشون أوضاعاً إنسانية حرجة جراء الحرب، وليس لديهم أي دخل مالي مع انقطاع المرتبات منذ ما يقارب ثمانية أشهر»، مؤكدا أن «المريض لا يحصل على الرعاية الصحية الكاملة في بعض المراكز، من خلال أخذ الجرعة المخصصة كاملة، مما يتسبب بانتكاسة عكسية لحالته الصحية».
أهالي مصابين بالكوليرا: مستشفيات صنعاء للإحصاء فقط
أهالي مصابين بالكوليرا: مستشفيات صنعاء للإحصاء فقط
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة