«بريوني» تعين نينا ماريا نيتشه مديرة فنية لها

من مدرسة مارتن مارجيلا وزاهدة في الأضواء

من تصاميم مصمم «بريوني» السابق جاستن أوشي لربيع وصيف 2017
من تصاميم مصمم «بريوني» السابق جاستن أوشي لربيع وصيف 2017
TT

«بريوني» تعين نينا ماريا نيتشه مديرة فنية لها

من تصاميم مصمم «بريوني» السابق جاستن أوشي لربيع وصيف 2017
من تصاميم مصمم «بريوني» السابق جاستن أوشي لربيع وصيف 2017

استغلت دار «بريوني» الإيطالية مناسبة معرض «بيتي إيماجيني أومو» لتعلن تعيينها لنينا ماريا نيتشه مصممة فنية لها. الخبر أثار عدة ردود أفعال، ففيما تنفس البعض الصعداء، بالنظر إلى أن عملية بحث الدار عن خليفة لمصممها السابق جاستن أوشي استغرقت ما لا يقل ثمانية أشهر، أثارت بعض الاستغراب للاختلاف الواضح بين كلا المصممين. فبينما أوشي لم يكن يتمتع بخبرة في مجال تصميم الأزياء وكان يعوض عنه بنشاط كبير على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ لديه عدد كبير من المتابعين على الـ«إنستغرام»، فإن نينا ماريا نيشته تتجنب الأضواء بكل قواها إلى حد أنه من الصعب إيجاد صورة لها. فهي من مدرسة مارتن مارجيلا الذي عملته معه لـ23 عاما إلى أن استقال في عام 2009، ومثله تعشق العمل في الظل. وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي التحقت بماركة «فيتمون» كمديرة فنية على أن تترأس فريقاً يعمل تحت إشراف ديمنا فازاليا. كل هذا يعني أنها تخصصت لسنوات في التصاميم المبتكرة والحداثية بينما «بيرلوتي» كلاسيكية وتدين بنجاحها لرجل عصري يعشق كلاسيكياتها، التي تقدر بنحو 4 آلاف جنيه إسترليني للبدلة، لأنها تعكس ثقته خلال لقاءاته المهمة. لكن في ظل التغيرات التي يشهدها قطاع الموضة الرجالي، بدءا من توسعه لأسواق بعيدة إلى انتعاشه بفضل شرائح الشباب، أصبح من الضروري اعتماد لغة قوية ومميزة. وهذا ما تراهن عليه «بريوني» باختيارها نيتشه كأول مصممة تدخل الدار التي تولاها لحد الآن رجال، ويشير إلى أن مجموعة «كرينغ» التي تملك «بريوني» مستعدة لتغيير لغة خطابها ومنح تصاميمها روحا جديدة. ولا شك أنه كان للرئيس التنفيذي الجديد فابريزيو مالفيردي دور في هذا الاختيار. فقد صرح بأنه منذ أن قابلها أول مرة في عام 1996، شده أسلوبها ونظرتها للتصميم وهذا تحديدا ما تذكره عندما بدأ يبحث عن مصمم يأخذ الدار إلى مرحلة جديدة من الإبداع.
اللافت أنه على الرغم من أن عالم الموضة كان ولا يزال لحد ما يعيش على «نفس» المصمم وحسه، فإن اختيار نينا ماريا نيتشه الزاهدة في الأضواء يشير إلى توجه جديد بدأنا نلمسه مؤخرا. فمصمم الدار السابق جاستن أوشي مثلا نشط على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن نشاطه هذا لم يشفع له بدليل أنه لم يمكث طويلا في الدار، وحتى اللوغو الذي صممه عندما التحق بها وتميز بأسلوب قوطي، تم الاستغناء عنه مباشرة بعد خروجه. فالسياسة المتعامل بها حاليا أن المجموعات الكبيرة لا تمنح المصمم سوى فرصة واحدة عليه اقتناصها بتحقيق الربح السريع بعد تشكيلة أو تشكيلتين تقريبا. وهي فترة غير كافية لتقييمه إلا أنه من منظور تجاري كافية بالنسبة لهم لاتخاذ قرار الإبقاء عليه أو الاستغناء عنه. المشكلة في جاستن أوشي أنه نجح في تقديم تشكيلة فاخرة استعمل فيها جلود التماسيح والكشمير وخامات مترفة أخرى لكنه وظفها بأسلوب يرقص على نغمات الروك أند رول، وهو ما لم يرضِ زبائن الدار المخلصين والمتحفظين، وهم الأغلبية.
فرنسوا هنري بينو مالك مجموعة «كيرينغ» ورئيسها التنفيذي الذي استحوذ على «بريوني» في عام 2012 صرح بأنه مُقتنع بأن المصممة الجديدة تفهم روح الدار الإيطالية جيدا كما تعرف ما يريده رجل مستعد أن يدفع نحو 4 آلاف جنيه إسترليني للحصول على بدلة مفصلة.



دانييل لي يُقدم لـ«بيربري» أقوى «عرض» شهدته منذ سنوات

أبدع دانييل لي مجموعة من المعاطف تنوعت تصاميمها وخاماتها بشكل مدهش (بيربري)
أبدع دانييل لي مجموعة من المعاطف تنوعت تصاميمها وخاماتها بشكل مدهش (بيربري)
TT

دانييل لي يُقدم لـ«بيربري» أقوى «عرض» شهدته منذ سنوات

أبدع دانييل لي مجموعة من المعاطف تنوعت تصاميمها وخاماتها بشكل مدهش (بيربري)
أبدع دانييل لي مجموعة من المعاطف تنوعت تصاميمها وخاماتها بشكل مدهش (بيربري)

سيغادر أم لا يغادر؟ هذا هو السؤال الذي كان يدور في أوساط الموضة حول مصير المصمم دانييل لي في دار «بيربري»، حتى مساء الاثنين الماضي. أي قبل أن يقدم عرضاً كان مسك ختام أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025. بكل تفاصيله وبهاراته، بشَّر بأن «بيربري» استعادت السحر الذي افتقدته في المواسم الماضية، وأن كل ما يدور من شائعات لا يتعدى كونها كذلك. أو على الأقل هذا ما خرج الحضور وهم يتهامسون به. كان هناك إجماع بينهم على أن العرض استوفى كل مقومات الإبهار والإبداع، بدءاً من عدد النجوم الذين شاركوا في العرض على اختلاف مقاساتهم وأعمارهم، أو احتلوا المقاعد الأمامية، وصولاً إلى الأزياء والإكسسوارات التي تفتح النفس على كل ما له علاقة بالريف الإنجليزي، بما في ذلك الطقس المتقلب.

عاد المصمم في هذه التشكيلة إلى الجذور والأساسيات (بيربري)

أقيم العرض في متحف «تيت بريتان» Tate Britain الواقع على مسافة خطوات قليلة من المقر الرئيسي الجديد لـ«بيربري». بمعماره النيوكلاسيكي شكل خلفية رائعة لعرض كان بمثابة قصيدة شعر تتغزل بالجمال الطبيعي والتاريخي لبريطانيا، فاجأ به دانييل لي الجميع بأنه يتمتع بلمسة ميداسية قادرة على تحويل التراب ذهباً. مهارة ظهرت لديه عندما كان في دار «بوتيغا فينيتا» قبل أن يلتحق بـ«بيربري». هنا أيضاً تجلت هذه المهارة والقدرات في تشكيلة حرَّكت الحواس وأيقظت إرثاً اعتقد البعض أنه فقد صلاحيته في ظل التغيرات الاقتصادية والثقافية التي يمر بها العالم عموماً وبريطانيا خصوصاً.

كونه بريطاني المولد، يعرف دانييل جيداً أن «بيربري» جزء لا يتجزأ من الثقافة البريطانية. كانت دائماً تتوجه لكل الطبقات، المتوسطة والأرستقراطية على حد سواء. وعكتها في السنوات الأخيرة تطلبت منه بذل كل الجهد لحمايتها من دوائر الزمن. وهذا ما كان. جمع نجوماً بريطانيين مثل ريتشارد إي غرانت، وليزلي مانفيل، وإليزابيث ماكغوفرن وناعومي كامبل وغيرهم لمساعدته في تلميع صورتها. هؤلاء شاركوا في العرض وأضفوا عليه بريقاً بنكهة إنجليزية طريفة، بعد أن شاركوا في شهر أكتوبر الماضي في حملة ترويجية أطلقتها الدار بعنوان «إنه دائماً طقس (بيربري)».

أبدع دانييل لي مجموعة من المعاطف تنوعت تصاميمها وخاماتها بشكل مدهش (بيربري)

بيد أنه حتى من دون مشاركتهم، فإن الاقتراحات التي أبدعها دانييل لي كانت كافية لإعادتها إلى قواعدها سالمة غانمة وتذكيرنا بماضيها الغني. يمكن القول إن تشكيلته لخريف وشتاء 2025، كانت من بين أقوى التشكيلات التي تم تقديمها منذ رحيل المصمم البريطاني السابق كريستوفر بايلي في عام 2018 إلى الآن.

دانييل لي مثل بايلي، ابن البلد. فيه تربى ودرس وغاص في وحله واحتمى من مطره، كما يعرف جيداً مدى أهمية «بيربري» في المجتمع البريطاني وتأثيرها على ثقافته. لهذا كانت ورقته الرابحة في هذه التشكيلة العودة إلى الأساسيات التي بُنيت عليها الدار منذ أكثر من قرن من الزمن، وإحياء العلاقة الحميمة التي تربطها بالريف البريطاني وما يتخلله من فروسية ونزهات صيد وفخامة تطبع جدران وستائر ومفروشات بيوته وقصوره.

من كل هذه العناصر، استقى قطع أزياء وإكسسوارات تتعدى الفصول والمواسم. زاد عليها حبة مسك بتطريزها وضخها بتفاصيل مبتكرة عصرية ارتقت بها إلى مستوى جديد.

تكاثف البريطانيون نجوماً وعارضات لإضفاء البريق على دار متجذرة في الثقافة البريطانية (بيربري)

من بين الأقمشة المتنوعة التي استعملها، برزت الجلود الطبيعية والبروكار المخملي والصوف المنسوج بسماكة. الممثل ريتشارد إي غرانت، البالغ من العمر 67 عاماً، مثلاً ظهر على المنصة مرتدياً معطفاً من الصوف مزدوج الصدر، وكنزة بياقة عالية. حمل معه أيضاً قفازات جلدية ومظلة صفراء بنقشات «بيربري» المربعة؛ تحسباً لأي تقلبات جوية قد تداهمه.

تصاميم أخرى كثيرة اقترحها المصمم، استوحى بعضها من عالم الفروسية تشمل سترات وسراويل وغيرها، وبعضها الآخر من أجواء الريف الإنجليزي وحياة المدن بإيقاعها السريع؛ الأمر الذي يحتاج إلى قطعة تحمل صاحبها من النهار إلى المساء بسهولة، مثل معطف باللون الأرجواني ظهرت به ناعومي كامبل، البالغة من العمر 54 عاماً. جاء بتصميم مزدوج الياقة من قماش الجاكار تم تنسيقه مع تنورة متعددة الطبقات وحذاء أسود عالي الساق.

إلى جانب المعاطف التي كانت نجم العرض تألقت العارضات في فساتين بتفاصيل مميزة (بيربري)

هذه هي خامس تشكيلة يقدمها دانيال لـ«بيربري» منذ التحاقه بها في عام 2022، والثانية بعد أن تسلم جاشوا شولمان وظيفته رئيساً تنفيذياً. استراتيجية هذا الأخيرة كانت العودة إلى جذور الدار، أي إلى تلك العلاقة التي تربط تصاميمها بالهواء الطلق، إضافة إلى إعادة النظر في أسعارها، والتي تم رفعها بشكل كبير في عهد الرئيس التنفيذي السابق رغبة منه في الارتقاء بها إلى مصاف بيوت الأزياء العالمية الأوروبية. لكن ما يصلح في باريس وميلانو لا يصلح بالضرورة في بريطانيا. فهذه لها ذائقة مختلفة تماماً في كل شيء، بما في ذلك روح النكتة.

هذا ما استوعبته الدار في هذه التشكيلة. جاءت متنوعة تخاطب الطبقات المتوسطة والأرستقراطية على حد سواء، بألوانها التي تباينت بين درجات متنوعة من البني، والرمادي، والأخضر والعنابي، وأيضاً بخاماتها التي تبث الدفء في الجسم بمجرد النظر إليها.

فساتين السهرة كادت أن تسرق الأضواء من المعاطف المتنوعة (بيربري)

الجميل في المعاطف الصوفية مثلاً أنها على الرغم من أنها تبدو سميكة، فهي تنسدل على الجسم بشكل أنيق، والمعاطف الواقية من المطر مطبوعة بالجاكار ما يُدخلها مناسبات المساء من أوسع الأبواب، بينما صُنعت التايورات من البروكار المخملي وهلم جراً.

اللافت أيضاً، أن أزياء السهرة والمساء، التي لم تكن يوماً تُشكِّل قوة كبيرة للدار، نالت اهتمام المصمم. ضخها بجرعة عصرية أكسبتها جمالاً وجاذبية. غلبت عليها نغمة رومانسية خفيفة وتفاصيل عملية، كادت أن تسرق الأضواء من المعاطف التي كانت نجم العرض بلا منازع، خصوصاً المصنوعة من البروكار الدمشقي والمطرزة بالورود.