المغرب: نواب يطالبون بتقليص الفوارق الاجتماعية لمواجهة الاحتجاجات

رئيس الحكومة يقر بوجود مناطق «محظوظة»

رئيس الحكومة سعد الدين العثماني خلال الجلسة الشهرية (تصوير: مصطفى حبيس)
رئيس الحكومة سعد الدين العثماني خلال الجلسة الشهرية (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

المغرب: نواب يطالبون بتقليص الفوارق الاجتماعية لمواجهة الاحتجاجات

رئيس الحكومة سعد الدين العثماني خلال الجلسة الشهرية (تصوير: مصطفى حبيس)
رئيس الحكومة سعد الدين العثماني خلال الجلسة الشهرية (تصوير: مصطفى حبيس)

طالب نواب مغاربة من أحزاب الأغلبية والمعارضة الحكومة أمس بتسريع تقليص الفوارق الاجتماعية بين مناطق المغرب، عبر تمكينها من الاستفادة بشكل متساوٍ من برامج التنمية، وذلك بعدما كشفت احتجاجات الريف التهميش التي تعيشه المنطقة ومناطق أخرى، ومعاناة سكانها من ضعف الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، وتدهور البنيات التحتية، وتقلص فرص الحصول على العمل للعاطلين.
ودعا النواب خلال الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة بمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) بالتعجيل في تنفيذ الجهوية المتقدمة (الحكم اللامركزي) قبل أن «تتخذ الاحتجاجات طابعا سياسيا وتنحرف عن مسارها»، بعد أن تبين أن التفاوت بين المدن والقرى في المغرب يعود، بنظرهم، في جزء كبير منه إلى أن تدبير الشأن المحلي يتم من المكاتب المركزية في الرباط.
من جهته، أقر سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية بوجود «مناطق محظوظة وأخرى غير محظوظة»، وذلك بسبب تفاوت وتيرة التنمية فيما بينها، وهي وتيرة «غير ملموسة وغير مقبولة» في بعض المناطق نتيجة عقود من سوء التدبير، على حد قوله.
وقال العثماني إن المغرب لم يطور نموذجا للحكامة الترابية يمكن من استفادة مختلف الجهات، بنفس الوتيرة في الدينامية التنموية التي تعرفها البلاد، بل «إن هناك انطباعا في بعض الأحيان بأن بعض الجهات يتكرس تخلفها عن الركب التنموي، في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة تنمية جهات أخرى بشكل ملموس».
واستعرض العثماني خلال الجلسة تصور الحكومة لتحقيق العدالة المجالية، وقال إنه ينبني تسريع وتيرة إرساء نموذج الجهوية المتقدمة، وتوجيه السياسات العمومية من أجل إبراز نماذج تنموية جهوية واعدة. كما استعرض عددا من الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها لتحسين خدمات الصحة والتعليم وتوفير فرص العمل للشباب.
وتعهد العثماني بتفعيل الحكومة لصندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات، اللذين أقرهما دستور 2011، واللذين سيمكنان من توفير موارد مالية ستوجه إلى المناطق الأقل نموا، ومنها القرى والمناطق البعيدة لتدارك التأخر الحاصل في هذا المجال.
وردا على انتقادات النواب التي ربطت بين احتجاجات السكان في بعض المدن وبين سوء توزيع الثروات، قال العثماني إنه وجه الوزراء إلى زيارة مختلف المناطق، «سواء التي احتجت أو لم تحتج»، وذكر بهذا الصدد ببرنامج تنمية القرى الذي رصد له مبلغ 50 مليار دولار (5 مليارات دولار) عام 2016.
كما كشف رئيس الحكومة أنه يتم العمل حاليا على إعداد البرنامج الوطني للمراكز القروية الصاعدة (2017 - 2021) بهدف «تقليص ثقل وآثار الهجرة القروية وتنظيم التنمية الحضرية والترابية، وتثمين الاستثمارات والموارد المتاحة، مع العمل على تعزيز الاستثمار الخاص».
في السياق ذاته، دعا النائب عبد العزيز العماري، المنتمي لحزب العدالة والتنمية، إلى إعادة النظر في النموذج التنموي للبلاد، لأنه أفرز فوارق صارخة بين الجهات والمناطق وحتى داخل المناطق نفسها، حتى يتسنى تحقيق تنمية عادلة تستفيد منها كل مناطق المغرب و«تقطع مع مقولة المغرب النافع والمغرب غير النافع التي رسخها الاستعمار»، وأضاف متسائلا: «هل من الضروري انتظار الاحتجاجات حتى تتحرك الحكومة؟»، وهو الرأي نفسه الذي عبر عنه النائب هشام المهاجري من حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، الذي وصف الحكومة بأنها «حكومة رجال الإطفاء»، وأطلق على صندوق التضامن بين الجهات الذي تعتزم تفعيله بأنه «صندوق الحراك الاجتماعي».
وأضاف النائب العماري أن المواطن يسمع عن استثمارات ضخمة، لكنه لا يرى أثرها على واقعه، مستشهدا بصندوق تنمية العالم القروي الذي رصد له 50 مليار دولار. كما دعا العماري إلى منح سلطة اتخاذ القرار للمسؤولين المحليين، بدل انتظار القرار من الرباط، ووضع آليات تتبع تنفيذ المشاريع الاقتصادية، في إشارة إلى تأخر تنفيذ مشروع «منارة المتوسط» بالحسيمة، الذي كان أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات.
وانتقد نائب من الاتحاد الاشتراكي المنتمي للأغلبية تنفيذ الحكومة لمشاريع بموازنة ضخمة وعدها من «الكماليات»، مثل المسرح الكبير في الرباط الذي يوجد قيد الإنشاء، بينما مناطق أخرى بحاجة إلى مستوصفات وطرق لفك العزلة عنها.
في السياق ذاته، تحدث النائب عمر بلافريج، المنتمي للحزب الاشتراكي الموحد المعارض، عن جدوى إقامة الخط السككي الفائق السرعة الذي سيربط بين الدار البيضاء وطنجة، بينما مدن أخرى لا تعبرها القطارات العادية، وتساءل إن كان هذا هو التوزيع العادل للثروة؟
وفي ختام تعقيبه على مداخلات النواب نوه العثماني بـ«المستوى الراقي للمداخلات»، وحث الجميع على التعبئة لتصحيح الاختلال الذي عمره 30 عاما، بينما الحكومة عمرها شهران، وقال: «سنواجه التحدي وسننجح في التخفيف من التفاوت في التنمية بين مختلف المناطق».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.