«حيط الخير» لمسة حنان في زمن يعاني من القساوة

مناطق لبنانية عدّة اتخذت من المبادرة مثالاً وطبّقتها

«حيط الخير» في منطقة السوديكو تتركّز فكرتها على عنوان «خلّينا ناخد ونعطي»
«حيط الخير» في منطقة السوديكو تتركّز فكرتها على عنوان «خلّينا ناخد ونعطي»
TT

«حيط الخير» لمسة حنان في زمن يعاني من القساوة

«حيط الخير» في منطقة السوديكو تتركّز فكرتها على عنوان «خلّينا ناخد ونعطي»
«حيط الخير» في منطقة السوديكو تتركّز فكرتها على عنوان «خلّينا ناخد ونعطي»

«خلّينا ناخد ونعطي»، هو عنوان مبادرة «حيط الخير» الإنسانية التي يقف وراءها مجموعة من الشباب اللبناني. فقد ابتكر خيّرون حائطاً في منطقة السوديكو في بيروت (تقاطع رأس النبع)، ليستقبل تبرّعات الناس من ألبسة وطعام وألعاب، فيعلّقونها عليه أو يضعونها قربه لتفترش أرضه، بحيث يستطيع المار من أمامه محتاجاً كان أو فقيراً، ومهما كانت جنسيته أو هويته، اختيار القطعة التي تناسبه منها.
«الفكرة متّبعة في عدد من الدول في العالم، ولا سيما في الصين والهند وكذلك في الكويت». تقول رنيم التي ترفض كما شركائها في هذه المبادرة الإفصاح عن اسمها كاملاً، فعامل الخير لا يجب أن يتباهى بعمله كما ذكرت لنا، بل يجب أن يقدّمه تحت شعار «أعطِ بيدك اليمنى من دون أن تعلم اليسرى». وتتابع: «لقد تفاعل الناس بسرعة مع هذه المبادرة، وما إن أعلن عنها عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، حتى توجّهوا إلى (حائط الخير) يحملون تبرّعاتهم مؤكّدين لنا أنّهم سعداء بمشاركتنا فعل الخير».
أمّا فيليب (أحد أعضاء المبادرة)، فقد أكد أنّ الحائط لا يجذب الفقراء والمحتاجين فقط، بل هناك أشخاص يحبّون الاطلاع على محتوياته علّهم يجدون فيه ما يناسب قريباً أو شقيقاً بحاجة إلى المساعدة. وقال في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هي ورشة عمل من نوع إنساني ترتكز على تزويد أي محتاج بفرحة العيد فيما لو كان فقيراً، كما أنّها تقوم على أساس (الأخذ والعطاء)، وهو أمر نفتقده في أيامنا الحالية».
يبلغ طول الحائط الخيري نحو 5 أمتار، رُسم على قسم منه صور أشخاص مبتهجين وقد تلوّنوا بالأخضر والأحمر والأزرق والأصفر. وفي ذلك تقول رنيم: «أردنا أن نزيّن الحائط بحيث يعطي انطباعاً إيجابياً للمارة بدل أن يشوّه المنظر العام للشارع الذي يقع فيه». وتضيف: «لقد أخذنا إذناً مسبقاً من محافظ مدينة بيروت القاضي زياد شبيب الذي لم يتردد عن إعطائنا هذا الحقّ شرط ألا يشكّل الأمر إزعاجاً لأحد». وهنا يتدخّل فيليب: «حتى الآن الأمور تسير على أفضل وجه، فلا شكاوى ولا انزعاج ولا مشكلات واجهناها في هذا الموضوع. ففي الاتفاق الساري بيننا وبين محافظة بيروت مادة مذكورة فيه تطلب منّا إنهاء المبادرة في حال وردت أي شكاوى من قبل سكّان المنطقة». وإذا وقفت أمام «حائط الخير» ولو للحظات قليلة سيلفتك مشهد يتلوّن بحركة دائمة ويقوم على فكرة «الأخذ والعطاء». فمرة تنزل سيدة من سيارتها تحمل كيس مناقيش، ومرة أخرى فتاة تتأبّط أكياس ألبسة، فتضعها من دون ترددّ قرب الحائط، ليصل بعد لحظات طفل يمسك بيد أمّه فيبدآن بالبحث عمّا يناسبهما من أغراض معلّقة ومعروضة. يقول فيليب: «هو مشهد تتجلّى فيه إنسانية اللبنانيين الذين كانوا بحاجة إلى مكان مشابه ليعبّروا فيه عن حبّهم للمساعدة».
وتروي رنيم عن فرع آخر نظّمته المبادرة في شارع عبد العزيز قرب مبنى الجامعة الأميركية: «عندما لمسنا هذا الإقبال الكبير من قبل المتبرّعين، قرّرنا أخذ المبادرة نفسها إلى شارع آخر في بيروت، ووقع خيارنا على شارع عبد العزيز المتفرّع من آخر معروف (بلس)، ولقد أخذنا موافقة إدارة الجامعة الأميركية لذلك».
اليوم باتت مبادرة «حيط الخير» منتشرة في عدد من المناطق اللبنانية، وفي مقدّمها مدينة طرابلس، إذ ابتكر حائط مماثل في شارع عزمي. «هناك أشخاص كثيرون يتّصلون بنا ويستأذنون منا للقيام بالمبادرة نفسها في المنطقة التي يسكنون فيها، مع أنّنا لا ندّعي حصر هذا الأمر فينا فقط، لأن عمل الخير يجوز في أي مكان وزمان». تختم رنيم حديثها.
لا تفكّر مبادرة «حيط الخير» المؤلّفة من نحو 25 شاباً وشابة ينتمون إلى مختلف الشرائح الاجتماعية في لبنان (موظفون وأطباء وطلاب جامعات وغيرهم)، بتحديد عمره، فتكون أبوابه مشرّعة فقط لمناسبة عيد الفطر، بل هي تنوي تطويره ليحتوي على ثلاجات للعامة تحفظ فيها أطباق الطعام المتبرع بها من هنا وهناك وكذلك تطعيمه بأدوات منزلية وأغراض أخرى يستفيد منها المارة.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».