حديقة بلتشلي لفك الشفرات

كانت تُستخدم لمكافحة التعب والإرهاق

مركز حديقة بلتشلي
مركز حديقة بلتشلي
TT

حديقة بلتشلي لفك الشفرات

مركز حديقة بلتشلي
مركز حديقة بلتشلي

كانت حديقة بلتشلي المكان الذي شهد تطوير أول نظام حاسوبي وتم فيه فك الشفرات العسكرية الألمانية.
يقع مركز حديقة بلتشلي لفك الشفرات على مسافة نحو 50 ميلا إلى شمال لندن، إلى جانب خط السكة الحديد الواصل من لندن إلى برمنغهام إلى الشمال الغربي. ولقد كان إبان الحرب العالمية الثانية موطن الكثير من العلماء وخبراء الرياضيات الذين عملوا على تطور أول جهاز كومبيوتر في العالم، والذي ساعدهم في تحليل وفك شفرات رسائل الراديو العسكرية الألمانية خلال الحرب. وكان النظام ناجحا للغاية ويرجع الفضل إليه في تقصير مدة الحرب لعامين على الأقل.
وخلال الحرب، فإن توافر المعلومات الدقيقة حول نيات العدو يمكن أن تعزز من الميزات التكتيكية الهائلة. ومن أحد الأمثلة على نجاح مركز حديقة بلتشلي لفك الشفرات هو تمكين الجانب البريطاني أثناء الحرب من فك شفرات رسائل القوات الجوية الألمانية مما سمح لسلاح الجو البريطاني اعتراض غارات القاذفات الألمانية والحد من الأضرار الناجمة وإنقاذ المزيد من أرواح المدنيين على الأرض.
ومن النجاحات الأخرى التي أنجزت كان فك شفرات القوات البحرية الألمانية فيما يتعلق بموقع أحد البوارج الألمانية الرئيسية، البارجة بيسمارك. وكانت بيسمارك واحدة من أقوى البوارج في البحرية الألمانية. واستكمل بناء تلك البارجة في عام 1939، وانطلقت في مايو (أيار) عام 1941 برفقة سفينة حربية صغيرة تسمى برينز يوجين من الميناء في ألمانيا بهدف مهاجمة خطوط الشحن التابعة للحلفاء عبر المحيط الأطلسي.
وكانت البحرية الملكية البريطانية في أعقاب السفينتين الألمانيتين والتقت بهما فعلا في شمال المحيط الأطلسي. وبعد معركة قصيرة، تعرضت واحدة من سفن البحرية البريطانية، السفينة هود، لضربة مباشرة في مخزن الذخيرة مما أدى إلى انفجارها على الفور وفقدان طاقهما البالغ 1100 ضابط وبحار بالكامل. ثم اختفت البارجة بيسمارك والسفينة يوجين في الظلام وانطلقتا صوب جنوب المحيط الأطلسي. وبفضل أحد أعضاء فريق مركز حديقة بلتشلي، السيدة جين فوسيت، تم التقاط إشارات الراديو من البارجة بيسمارك ونجحت في فك شفرتها وتم الكشف عن خط سيرها ووجهتها، مما مكن شن هجوم جديد على البارجة في 27 مايو من نفس العام وتدمير البارجة وإغراقها.
كانت البارجة بيسمارك تشكل أحد أكبر التهديدات الكبرى على خطوط الشحن التجارية عبر المحيط الأطلسي وخطوط الإمدادات المهمة إلى بريطانيا العظمى. ولقد ساعد إغراقها على ضمان استمرار وصول المواد الخام الحيوية عبر المحيط الأطلسي إلى المملكة المتحدة.
ومن الأمثلة الأخرى على نجاح مركز حديقة بلتشلي كان في فك شفرة الجيش الألماني قبل غزو الحلفاء لفرنسا في يونيو (حزيران) عام 1944. كان الجانب البريطاني ينشر المعلومات المزيفة لإقناع النازيين بأن قوات الحلفاء تفكر مليا في إنزال القوات حول كاليه. وتمكن مركز حديقة بلتشلي من فك الرسائل العسكرية الألمانية وعلم أن النازيين قد اتخذوا القرار بالفعل أن منطقة كاليه هي موضع إنزال قوات الحلفاء في فرنسا، وبالتالي تمكنت قوات الحلفاء من تحقيق ميزة كبيرة عندما أنزلت القوات، على نحو مفاجئ، في شواطئ نورماندي الفرنسية.
شيد منزل حديقة بلتشلي لأحد أثرياء أسواق المال في لندن وهو السير هربرت صموئيل ليون، والذي ابتاع المنزل في عام 1893. وعاشت زوجته في المنزل بعد وفاته في عام 1926. وبعد وفاة الزوجة، كانت التركة بكاملها معروضة للبيع واستحوذ الجيش البريطاني على الموقع في عام 1938. وتم اختياره على وجه التحديد بسبب وجود إرسال قوي للراديو ووجود مواصلات جيدة في المنطقة. كما كان المنزل يبعد ما يقرب من نصف الطريق بين أكسفورد وكامبريدج – وكان المسؤولون عن الموقع يدركون أنه من الضروري لديهم تجنيد الشبان الإنجليز من ذوي المهارات الفائقة للعمل هناك، وأن أغلب الموظفين الأساسيين العاملين في المكان تم الاستعانة بهم من جامعات أكسفورد وكامبريدج.
مع بداية الحرب العالمية الثانية في عام 1939، كانت هناك حاجة إلى توفير مساحة إضافية وتم بناء عدد من الأكواخ الخشبية التي كانت تعمل فيها مجموعات من الموظفين الأساسيين والذين كانوا يركزون بشكل خاص على موضوعات معينة - أي الرسائل الألمانية أو الرسائل الإيطالية، وخلافه. وأحد نجاحات الموقع الرئيسية كان تطوير أول جهاز كومبيوتر في العالم تم استخدامه في محاولة فك مجموعات مختلفة من الشفرات والرموز، حتى تم العثور على التسلسل الصحيح للرموز المستخدمة في فك الرسائل المشفرة.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، استخدم المركز في تدريب مجموعة متنوعة من المؤسسات بما في ذلك المعلمين والفنيين. ثم تم إغلاق المركز نهائيا في عام 1987، وكانت هناك مقترحات لإعادة تطويره لأغراض السكن. ومن حسن الحظ تم تشكيل مجموعة محلية عملت على محاولة إنقاذ الموقع وإعادة افتتاحه كمتحف عام. ولقد ساندهم المجلس المحلي في المدينة من خلال وضع أمر الحماية على الموقع للحيلولة دون إعادة تطويره عقاريا. وافتتح المتحف في عام 1994، ولقد كانت عملية طويلة وبطيئة في استعادة المبنى الرئيسي في الموقع وافتتاح المجمع بأكمله للزائرين. ولقد تمتع الموقع بشعبية كبيرة مع أكثر من 250 ألف زائر سنويا. مواعيد عمل المتحف في الصيف: 09:30 صباحا حتى 05:00 مساء.
مواعيد عمل المتحف في الشتاء: 09:30 صباحا حتى 04:30 مساء.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».