الهدنة في درعا صامدة وتقوض تغيير النظام لخريطة النفوذ

المعارضة مطمئنة إلى أن مصير المدينة الحدودية لن يكون كما حلب

مقاتلان من {الجيش السوري الحر} في قيلولة الهدنة أول من أمس في بلدة النعيمة بدرعا (رويترز)
مقاتلان من {الجيش السوري الحر} في قيلولة الهدنة أول من أمس في بلدة النعيمة بدرعا (رويترز)
TT

الهدنة في درعا صامدة وتقوض تغيير النظام لخريطة النفوذ

مقاتلان من {الجيش السوري الحر} في قيلولة الهدنة أول من أمس في بلدة النعيمة بدرعا (رويترز)
مقاتلان من {الجيش السوري الحر} في قيلولة الهدنة أول من أمس في بلدة النعيمة بدرعا (رويترز)

لم تحل الخروقات الطفيفة لهدنة الـ48 ساعة في درعا، دون صمود اتفاق وقف إطلاق النار الذي حظي برعاية وترحيب دوليين، إذ بقي الاتفاق صامداً لليوم الثاني على التوالي، وسط استبعاد لأن يكون الاتفاق مقدمة لإخلاء قوات المعارضة من المدينة الجنوبية، كما حصل في مدينة حلب أواخر العام الماضي.
ورغم عدم إعلان قوات المعارضة الموافقة على الهدنة، فإن هدوءاً حذراً سيطر على المنطقة، في وقت قالت فيه مصادر معارضة لـ«الشرق الأوسط» إن «جبهة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) التي تعد رأس الحربة في الهجمات العسكرية التي شنتها قوات المعارضة على حي المنشية مناطق سيطرة النظام في درعا خلال الأسابيع الماضية تحت عنوان «معركة الموت ولا المذلة»، «لم تقدم أي موقف، لكنها مضطرة للالتزام بالهدنة»، كما قال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن الجبهة «لا خيار أمامها إلا الالتزام، بسبب الضغوط التي ستمارسها عليها الفصائل الموجودة في الجنوب»، فضلاً عن أن الاتفاق «هو اتفاق دولي بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن، ولاقى ترحيباً دولياً»، لافتاً إلى أن أبرز المستفيدين من الاتفاق هو «واشنطن وموسكو».
ويأتي الاتفاق في ظل تحرك دبلوماسي تشهده الأزمة السورية بهدف استئناف مفاوضات آستانة وجنيف بغرض تثبيت الهدن، والتوصل إلى اتفاق سلمي للأزمة. وتعتبر درعا بين المناطق الواردة في خطة «مناطق تخفيف التصعيد» التي اتفقت عليها حليفتا النظام السوري روسيا وإيران وداعمة المعارضة تركيا، في العام الحالي. لكن المدينة شهدت في الأسابيع الأخيرة مواجهات كثيفة علق وسطها المدنيون.
وبعد ترحيب واشنطن بالاتفاق، أكدت الحكومة الأردنية ليل السبت الأحد دعمها للجهود المبذولة لوقف إطلاق نار شامل في سوريا، وذلك بعد إعلان قوات النظام وقف القتال لمدة 48 ساعة في درعا بجنوب سوريا، مما أدى إلى هدوء حذر في المدينة بعد أيام من المعارك الكثيفة. وقال وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن «الأردن يدعم جميع الجهود والمبادرات التي تبذل لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار على كل الأراضي السورية». وشدد المومني على «أهمية اتفاق الهدنة»، معرباً عن أمله بـ«التزام كل الأطراف لتنفيذ الاتفاق»، مؤكداً «أهمية وقف إطلاق النار للتخفيف على الأشقاء السوريين، خصوصاً المحتاجين لوصول المساعدات الإنسانية».
وإثر الحملة العسكرية العنيفة التي شنتها قوات النظام على أحياء المعارضة، بهدف استرداد ما خسرته من مواقع خلال الشهرين الماضيين، تصاعدت المخاوف من أن يكون الاتفاق الحالي «مقدمة لتطويق درعا والتوصل إلى اتفاق يقضي بإخلاء المدينة، كما حصل في حلب أواخر العام الماضي».
لكن مصدراً سياسياً معارضاً مطلعاً على الهدنة نفى أن يكون للاتفاق أي تداعيات تشبه عملية إخلاء حلب، قائلاً إن الاتفاق «يسعى لتثبيت وقت إطلاق النار وردع النظام على استخدام القوة في درعا، وحماية المدنيين»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الاتفاق «يقوض قدرة قوات النظام عن قصف درعا وتغيير موازين القوى فيها أو الدفع لإخلائها». كما أشار المصدر إلى أن مدينة درعا «لا تزال مفتوحة من 3 اتجاهات، ويصلها الإمداد، وهي مختلفة عن مدينة حلب التي تعرضت لحصار خانق أسهم في إخلاء المعارضة منها».
ميدانياً، ورغم الخروقات الطفيفة للهدنة، بينها استهداف قوات النظام لأحياء درعا البلد الخاضعة لسيطرة المعارضة بست قذائف هاون، بقي وقف إطلاق النار وفقاً للاتفاق الروسي - الأميركي - الأردني، صامداً منذ ظهر السبت الماضي. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن الهدوء لا يزال يسود مدينة درعا منذ السبت، تخلله إطلاق نار متبادل بين قوات النظام والفصائل، إضافة لسقوط عدة قذائف عند منتصف ليل السبت - الأحد.
وجاء الهدوء السائد في هذه الأثناء بمدينة درعا نتيجة الاتفاق، بعد أعنف معارك شهدتها مدينة درعا منذ بدء اتفاق «تخفيف التصعيد»، في 6 مايو (أيار) الماضي، إذ اندلع القتال العنيف بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها وحزب الله اللبناني من جهة، والفصائل المقاتلة والإسلامية من جهة أخرى، على محاور في درعا البلد ومحيط مخيم درعا، في 3 يونيو (حزيران) الحالي، واستمرت لظهر 17 من الشهر ذاته، وترافق مع أعنف تصعيد شهدته مدينة درعا منذ أشهر، واستهدفت قوات النظام والطائرات الحربية والمروحية بأكثر من 2000 غارة وبرميل متفجر وصاروخ يعتقد أنه من نوع أرض - أرض، وقذيفة مدفعية وصاروخية، مدينة درعا، مما تسبب في دمار كبير بالبنى التحتية والمباني ومنازل المدنيين، إضافة لسقوط خسائر بشرية في صفوف المدنيين، فيما قضى قتل عشرات المقاتلين من الفصائل والعناصر من قوات النظام في هذه المعارك.
وتسيطر الفصائل المعارضة على نحو 60 في المائة من مدينة درعا، فيما تعتبر المحافظة ككل من آخر المعاقل المتبقية لقوى المعارضة في البلاد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».