نيجيريا تواجه تنامي النزعات الانفصالية

مجموعات تطالب بالاستقلال لاعتبارات إثنية ودينية

نيجيريا تواجه تنامي النزعات الانفصالية
TT

نيجيريا تواجه تنامي النزعات الانفصالية

نيجيريا تواجه تنامي النزعات الانفصالية

في مواجهة تنامي النزعات الانفصالية والتوترات الإثنية، تبذل الحكومة النيجيرية جهودا كبيرة للحد من هذه النزعات، داعية إلى الوحدة الوطنية.
وصب «المنتدى التشاوري لشبيبة أريوا»، وهو حركة مناطقية، الزيت على النار عندما وجه إنذارا لإثنية الـ«إيغبو» المسيحية المنتشرة في جنوب شرقي البلاد، بوجوب مغادرة من يقطن منهم الأراضي الشمالية ذات الغالبية المسلمة بحلول 1 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
أما في الجنوب والجنوب الغربي، فقد عبرت مجموعتان إثنيتان على الأقل عن رغبتهما بالاستقلال، مما أعاد إحياء الانقسامات الإثنية التي لطالما عصفت بهذا البلد الأفريقي الأكثر سكانا.
وفي جنوب شرقي البلاد، حيث تشكل إثنية الـ«إيغبو» أغلبية، ازدادت المطالب بقيام دولة مستقلة، بعد 50 سنة على إعلان استقلال بيافرا الذي أدى إلى حرب أهلية. وحذر ييمي أوسينباجو، نائب الرئيس النيجيري محمد بخاري الموجود في لندن منذ أسابيع للعلاج من مرض لم يكشف عنه، من أن الحكومة «لن تكون قادرة على السيطرة على أعمال العنف متى بدأت».
وأعلن أوسينباجو في لقاء مع قادة شماليين في أبوجا الثلاثاء الماضي أن «الأصوات الداعية إلى الكراهية والفرقة» هي الآن «أقوى بكثير مما كانت عليه في الماضي». وبحسب أوسينباجو، فإنه من الضروري تشكيل جبهة موحدة، وإطلاق حوار لمواجهة الركود الاقتصادي الذي يشل البلاد منذ قرابة سنة، والذي أدى إلى تضخم وارتفاع نسبة البطالة. وقال أوسينباجو: «ليس الوقت ملائما للوقوف خلف (متاريس) الإثنية. إن أوقاتا كهذه ليست أوقاتا للانعزال (...) لقد آن الأوان لأن نتحد وللعمل معا».
وتبدو الأحداث الأخيرة التي شهدها الشمال النيجيري «نسخة مكررة» من أحداث سابقة عايشها أكثر من 180 مليون نيجيري. فقد شكل وضع مشابه عاشته إثنية الـ«إيغبو» المنتشرة في الشمال عاملا أساسيا لإطلاق شرارة حرب أهلية حصدت أكثر من مليون قتيل بين 1967 و1970.
والتوترات بين الجماعات المختلفة في نيجيريا ليست بجديدة في بلد يضم أكثر من 250 إثنية منقسمة بشكل شبه متواز بين شمال مسلم وجنوب مسيحي. إلا أن الإنذار الأخير يثير قلقا كبيرا، حيث إن «المنتدى التشاوري لشبيبة أريوا» يمثل الإثنية المسلمة ذات الغالبية في الشمال وقوامها إثنيتا الهوسا والفولاني، وقد بدأ يعمل على الأرض في مدينة كادونا (شمال) حيث لطالما أدى التنافس الإثني، والطائفي، والديني، إلى عمال عنف دامية.
كذلك حصدت جولات العنف وأعمال الثأر على مدى عقود بين البدو من مربي الماشية، والمزارعين، أرواح آلاف الضحايا في ولاية كادونا وفي وسط نيجيريا. والنزاع المتمحور في الأصل حول الوصول إلى الموارد الطبيعية (الأراضي والمياه) غالبا ما كان ينظر إليه على أنه نزاع ديني أو إثني، لأن مربي الماشية مسلمون والمزارعون مسيحيون.
من جهته، دعا منسق الأمم المتحدة في نيجيريا إدوارد كالون مختلف الأفرقاء إلى التعايش بسلام. إلا أن هذه الدعوة لم تحل دون إعلان «حركة تحرير دلتا النيجر»، «حكمها الذاتي وملكيتها وسيطرتها بنسبة مائة في المائة على الموارد» في الجنوب الغني بالنفط، في وثيقة نشرتها هذا الأسبوع.
وفي جنوب غربي البلاد حيث السيطرة لإثنية اليوروبا، أعلن «تحالف أودوا» أن «الوقت قد حان للتحرر من حكم أقلية الفولاني» من أجل إقامة «ثالث أكبر أمة في أفريقيا». وسيطرت الدعوات الانفصالية والحاجة لـ«إسكات من يقرعون طبول الحرب» الأسبوع الماضي على عناوين الصحف في نيجيريا.
وكان الرئيس السابق غودلاك جوناثان سحب في 2014 موضوع وحدة نيجيريا من النقاشات في 2014، وذلك في مؤتمر بمناسبة الذكرى المئوية للبلاد، التي تأسست على يد مستعمرين بريطانيين بعد أن دمجوا محميات الشمال والجنوب.
ويرى المعلق السياسي كريس نغوودو أن الأمور تدور في حلقة مفرغة، وأن معظم المطالبات الراهنة مجرد «خداع وتهديد». وأكد نغوودو لوكالة الصحافة الفرنسية أن الأمر «نتيجة عدم تأمين الدولة حقيقة للفرص الاجتماعية والاقتصادية لغالبية أبنائها». وهو يرى أن «الشكاوى التي تصدر من هنا وهناك غالبا ما تأخذ منحى إثنياً ودينياً، والتهديد هو بالأساس أسلوب للتفاوض، لا سيما في هذه المرحلة (مع الفراغ في سدة الرئاسة) بغياب بخاري، الذي لا يعلم أحد متى يعود إلى البلاد». ويعد نغوودو أن «الشهية للانفصال ليست كبيرة في الشمال، بل إنها في الواقع غير موجودة. الوحدة الوطنية هي الموجودة. قد تكون مختلة، لكنها موجودة».



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.