يرتبط الكثير من العادات المتوارثة من جيل إلى جيل في تركيا بالقرآن الكريم وتلاوته وختمه في شهر رمضان المبارك.
ومن أهم العادات التي يحرص عليها الرجال والنساء والشباب في شهر رمضان ما يسمى بـ«المقابلة» التي يتم فيها ختم القرآن في رمضان في المساجد من خلال مجموعات تتناوب تلاوة أجزاء المصحف الشريف كل يوم حيث يتم ختم القرآن كاملا يوميا في المساجد.
ويحرص الأتراك ولا سيما الشباب على هذا التقليد جيلًا بعد جيل، ويعد مسجد ومدرسة الشيخ حميد الولي، الملقب بـ«صومونجي بابا» في مدينة مالاطيا شرق تركيا، من أهم المساجد التي تجمع الشباب حول القرآن لتلاوته، فبعد صلاتي الفجر والظهر يشكل الشباب والصبية حلقة في المسجد الذي يرجع تاريخ بنائه إلى القرن الرابع عشر لتلاوة القرآن.
ويشرف طلاب معهد «خلوصي أفندي» لتحفيظ القرآن، على تلاوة القرآن الكريم على مسامع الشباب والصبية بصوت شجي وقلب خاشع ويقول مصطفى باش، إمام مسجد صومونجي بابا، إن تقليد قراءة الحفظة للقرآن الكريم على مسامع الشباب مستمر منذ 14 قرنا ويتم الحفاظ عليه إلى اليوم وإن الحفظة يعتبرون أن من واجبهم نقل ما تعلموه وحفظوه من كتاب الله إلى الجيل الذي يليه، وهكذا يستمر التقليد عاما بعد عام.
تقليد المقابلة لم يعد حكرا على مساجد معينة تشتهر به لكن أصبح تقليدا في مختلف المساجد الكبيرة والصغيرة.
وفي تقليد آخر يحرص المصلون منذ 800 عام على قراءة سورة «يس» في صلاة الفجر من كل يوم في جامع «الإمارة» بولاية كير شهير وسط تركيا، التزاما بوصية الشيخ سليمان تركماني تلميذ المتصوف جلال الدين الرومي (مولانا).
ومنذ 5 أعوام يتولى هذه المهمة المستمرة في المسجد الذي بناه الشيخ تركماني ومن ثم وهبه للمسلمين، منذ مئات السنين، الإمامان أوغوزهان كايا وعمر أولغون.
ويوصي كل إمام يتم تعيينه للعمل في مكان آخر مَن سيحل محله بالمواظبة على هذا التقليد، الأمر الذي يؤدي إلى استمراره منذ مئات السنين.
من جهة ثانية يظهر المصلون القادمون لأداء صلاة الفجر في هذا الجامع، اهتماما كبيرا بقراءة سورة «يس» فيه.
وقال إمام وخطيب الجامع أوغوزهان كايا، إن العالم الإسلامي سليمان تركماني ولد في خراسان عام 1214 وجاء إلى ولاية كونية وسط تركيا عام 1224 عندما كان عمره 10 سنين فقط.
وأوضح أن «سلطان ولد» وهو ابن جلال الدين الرومي، أرسل الشيخ تركماني فيما بعد إلى ولاية كير شهير من أجل نشر طريقة المولوية هناك.
وأضاف كايا أن تركماني ركز بشكل كبير على خدمة الأوقاف وطلب في وصية كتبها بقراءة سورة يس في صلاة الفجر من كل يوم، في مبنى الوقف الذي تم تحويله فيما بعد إلى جامع.
وأشار كايا إلى أنه تم تعيينه إماما للجامع قبل 5 سنوات، وأن أول ما ذكره به سلفه هو المواظبة على قراءة سورة يس في صلاة فجر كل يوم.
ولفت إلى أنه يواصل القيام بهذه المهمة مع زميله الآخر عمر أولغون، مؤكدا أنه علم بتوارث هذا التقليد منذ مئات السنين قبل أن يتولى مهام عمله.
وأشار إلى أن ضريح الشيخ سليمان تركماني يوجد بجانب الجامع الذي يشتمل أيضا داخله على وقف «الإمارة» الذي أنشأه الشيخ وأن قراءة سورة يس متوارثة في الجامع منذ 800 عام وأنهم سينقلون هذا التقليد إلى الأئمة الذين سيحلون مكانهم.
من جانبه قال الإمام عمر أولغون إن توظيفهم في الجامع المذكور يحمّلهم مسؤولية كبيرة وإنهم يشعرون بسعادة إزاء تنفيذ وصية العالم سليمان تركماني.
وقال أحد المصلين المداومين على صلاة الفجر، إنه يسعى لمتابعة قراءة سورة يس منذ أن سمع بالوصية المذكورة ويشهد الجامع ازدحاما كبيرا في شهر رمضان وفي صلاة الفجر أيضا، يقرأ الإمام سورة يس ودعاء ختم القرآن في الجامع، ونحن سعداء جدا بالعيش في هذا الجو الروحاني.
ومن قصص ارتباط المساجد بالقرآن وتقاليده الخاصة إلى مسجد آخر هو «أولو جامع» وهو من أقدم المساجد في مدينة شانلي أورفة جنوب شرقي تركيا، المعروفة باسم «مدينة الأنبياء» حيث احتضن على مر تاريخه أتباع الديانات السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام).
وهو من أقدم المساجد في شانلي أورفة؛ حيث بنى في الأساس كـ«كنيس يهودي»، وفي 435 ميلادية تحول إلى كنيسة للمسيحيين على يد الراهب «رابولا».
واستخدمت في بناء الكنيسة صخور حمراء غير موجودة في المنطقة؛ لذلك حمل عند تحوله إلى كنيسة لقب «الكنيسة الحمراء» وفي 1170 ميلادية، تحولت «الكنيسة الحمراء» على يد الزنكيين إلى مسجد باسم «أولو جامع».
وجرى ترميم هذا المسجد 4 مرات في تاريخه؛ حيث يعد من أكثر المساجد التي يقصدها المصلون في شانلي أورفة وقال مفتي ولاية شانلي أورفة إحسان أتشيك إن أولو جامع هو أحد الكنائس، التي تم تحويلها إلى مسجد في منطقة الأناضول.
وأضاف أن المدينة تم فتحها في عهد الخليفة عمر بن خطاب، على يد القائد الإسلامي عياض بن غنم، مشيرا إلى أن الكثير من الصحابة عاشوا في المدينة بما فيهم عياض بن غنم نفسه.
وأضاف أن الصحابة كانوا أول من صلى في مسجد «أولو جامع»، ومنذ تلك الفترة تقام صلاة الجمعة، وصلاة العيد والصلوات الخمس فيه.
وأشار إلى أن المسجد مستطيل الشكل، ويبلغ طوله 166 متراً، ويضم 75 عمودا، ومنارته هي الأوسع في تركيا وبه بئر يعتقد أنها مصدر «شفاء» للأمراض.
وعن قصة هذه البئر، أشار أتشيك إلى رواية تقول إن ابنة حاكم شانلي أورفة في عهد المسيح، أُصيبت بمرض جلدي معد في تلك الفترة، فكتب الحاكم رسالة إلى السيد المسيح، داعيا إياه لزيارة المدينة.
وتضيف الرواية، حسب المفتي، أن السيد المسيح أبلغ حاكم شانلي أورفة بأنه لن يتمكن من زيارة المدينة، وأرسل لهم منديلًا مسح به وجهه، وطلب من أهل المدينة إلقاء المنديل في البئر، وأن يشربوا منها فشفي كل من شرب من المرض الجلدي.
وأوضح أن الكثير من الأشخاص يعتقدون أن ماء البئر يجلب الشفاء استناداً إلى تلك الرواية؛ حيث يتوافد الكثير من الناس لشرب ماء البئر في المسجد طلبا للشفاء.
عادات خاصة محورها القرآن الكريم تتناقلها الأجيال في تركيا
مصلون يحرصون على سورة «يس» في صلاة الفجر منذ 800 عام
عادات خاصة محورها القرآن الكريم تتناقلها الأجيال في تركيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة