تحاول موسكو التوفيق بين تمسك واشنطن خلال المحادثات الأميركية - الروسية في عمان بإبعاد إيران عن جنوب سوريا وجنوبها الشرقي لاختراق «الهلال الإيراني»؛ من جهة، وسعي طهران والقوات النظامية السورية للسيطرة على مناطق على جانبي العراق لاختراق مناطق حلفاء أميركا جنوب سوريا وشرقها؛ من جهة ثانية.
وفي خلفية تفكير موسكو، بحسب مصدر روسي، هناك إمكانية لتوصل الأطراف المتحاربة إلى مقايضات بين أرض ومناطق نفوذ، تشمل دير الزور مقابل الرقة، ومعبر التنف مقابل البوكمال، ودرعا مقابل ريفها والقنيطرة، كما حصل سابقا في ريف حلب لدى مقايضة جرابلس بشرق حلب، ثم منبج مقابل الباب. وتكتسب «المنطقة الآمنة» الخامسة التي يجري التفاوض بين واشنطن وموسكو لإقامتها جنوب سوريا، أهمية، خصوصاً أنها تزامنت مع اتجاه من اللاعبين الكبار للبحث في تغيير مهام «قوات الأمم المتحدة لفك الاشتباك» في الجولان (أندوف)، لتصبح مخولة حمل السلاح واستخدامه في حالة الدفاع، إضافة إلى تفويض «حماية المدنيين» في الجولان.
وكانت واشنطن أبلغت موسكو عبر القناة العسكرية في العاصمة الأردنية بضرورة وقف قوات النظام وميليشيات إيرانية التقدم باتجاه معسكري التنف والزقف على حدود العراق. كما أنها أبلغت رئيس الوزراء حيدر العبادي بوقف تقدم «الحشد الشعبي» إلى الحدود، ثم قصفت مرات عدة هذه الميليشيات لمنع تقدمها، ورسمت «خطوطا حمراء» لها. وبالتزامن مع إبلاغ الجانب الروسي نظيره الأميركي الموافقة على «خطوط» واشنطن، نُقل عن مسؤول روسي قوله في اليومين الماضيين: «لن نسمح للأميركيين بالسيطرة الكاملة على منطقة الحدود السورية - العراقية»، ثم قدمت روسيا غطاء جوياً لقوات النظام وميليشيات إيرانية للتقدم شرقاً وصولاً إلى الحدود.
لكن اللافت، أن التقدم كان التفافيا وليس إلى معسكر التنف، لتجنب مواجة أميركية - روسية. وبحسب صحافي ميداني، فإن قوات النظام والميليشيات «وصلت إلى الحدود من محور البصيري إلى العليانية فالهلبة وجبل عش الغراب إلى شارة الوعر». وأشار إلى خطة في دمشق وطهران وموسكو للتقدم من «4 محاور هي: من تدمر إلى السخنة عبر حقل أرك النفطي، ومن تدمر إلى المحطة الثانية إلى الحدود، ومن الزلف شرق السويداء إلى التنف، ومن جنوب شرقي حلب إلى غرب الرقة وشمال شرقي حماة». والهدف، بحسب الصحافي، هو الوصول إلى دير الزور لطرد «داعش» منها.
العقدة بالنسبة إلى واشنطن في هذا التصور، وجود نيات للهجوم على معسكر التنف الخاضع لسيطرة قوات أميركية وبريطانية ونرويجية لتدريب فصائل في «الجيش الحر». لذلك، فإن وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) جددت نيتها «الدفاع» عن حلفائها من فصائل المعارضة، في وقت قال فيه مسؤول روسي إنه ليست هناك نية لدى بلاده للدخول في صدام عسكري مع الأميركيين، لكنها «ترسم حدود المناطق».
حظر «الحرس الثوري»
يطرح هذا رغبة موسكو بإمكانية الوصول إلى «تحديد» مناطق النفوذ بحيث تبقى أميركا وحلفاؤها مسيطرين على مناطق في ريف درعا والقنيطرة في الجولان جنوب سوريا إلى التنف من جهة، ثم مناطق في الرقة بعد طرد «قوات سوريا الديمقراطية» لـ«داعش» منها مع بقاء معسكر التنف، في مقابل أمرين: الأول؛ أن يسمح لقوات النظام وحلفاؤها بالتقدم إلى مدينة دير الزور للسيطرة عليها مقابل سيطرة حلفاء أميركا على الرقة عبر مجلس محلي منتخب ومدعوم من «سوريا الديمقراطية». تماماً كما حصل في ريف حلب الشمالي الشرقي لدى سيطرة «سوريا الديمقراطية» على منبج ثم تسليمها لمجلس محلي مقابل سيطرة فصائل «درع الفرات» التي يدعمها الجيش التركي على الباب. هذه المقايضة حصلت بعدما سهلت تركيا دخول قوات النظام إلى شرق حلب مقابل توفير روسيا غطاء جويا لـ«درع الفرات» بدءا من جرابلس على حدود تركيا. وفي سيطرة قوات النظام وحلفائها على دير الزور ومناطق قرب البوكمال، تكون موسكو قطعت الرابط بين شرق سوريا وجنوبها الشرقي وتكون إيران أوجدت طريقاً من بغداد إلى دمشق بدلاً من الطريق السابق الذي يمر من التنف.
الثاني؛ السماح بوجود رمزي للنظام السوري في درعا عبر رفع العلم والوصول إلى معبر نصيب على حدود الأردن في مقابل إقامة «منطقة آمنة» بتفاهم روسي - أميركي على حدود هذه المنطقة وآليات عملها ومجلسها المحلي وعلاقتها التجارية والاجتماعية مع دمشق. لكن اللافت، بروز تطورين: الأول؛ أن المحادثات الروسية - الأميركية تتناول منطقة خامسة تختلف عن المناطق الأربع لـ«خفض التصعيد» بموجب اتفاق آستانة. واشترطت واشنطن عدم وجود «الحرس الثوري الإيراني» قرب الأردن وفي الجولان. الثاني؛ بدء مفاوضات غير معلنة لتغيير مهمة قوات «أندوف» التي تشكلت بعد التوصل إلى اتفاق فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل في عام 1974. وبحسب مسؤول، فإن دولاً غربية اقترحت السماح بتسليح هذه القوات وأن تستخدم القوة لـ«أغراض دفاعية» إضافة إلى «حماية المدنيين» في الجولان؛ حيث تنتشر فصائل مسلحة مختلفة بما فيها تنظيمات تابعة لـ«داعش»، على أن تتم مناقشة هذا الأمر في مجلس الأمن نهاية الشهر الحالي. ولوحظ تقدم الشرطة العسكرية الروسية إلى السويداء، إضافة إلى توفير الجيش الروسي الغطاء لقوات نظامية ومن «الفرقة الرابعة» التي يقودها ماهر الأسد، هذه القوات التي تعد شريكا للجيش الروسي في إدارة قاعدتي طرطوس واللاذقية.
وبالتوازي مع المحادثات الأميركية - الروسية للوصول إلى تفاهمات وحدود المنطقة الخامسة، ومحادثات روسية - تركية - إيرانية لتحديد خطوط التماس في المناطق الأربع، يسعى كل طرف إلى تحسين موقعه التفاوضي والمناطق التي يسيطر عليها وفق الأولويات الاستراتيجية لكل طرف. وقال مصدر روسي: «لاحقاً، تجري مفاوضات للبحث عن العلاقة بين هذه المناطق وطبيعة النظام السياسي الجديد الذي تصر موسكو على أن يكون بموجب القرار (2254)، لكن إلى وقتذاك يجب أن يكون هناك وجود رمزي للدولة وعلمها وبعض مؤسساتها في كل المناطق».