قناصة «داعش» يتربصون بالنازحين من الموصل

ناجون يروون رعب رحلة الهروب

قناصة «داعش» يتربصون بالنازحين من الموصل
TT

قناصة «داعش» يتربصون بالنازحين من الموصل

قناصة «داعش» يتربصون بالنازحين من الموصل

على مدى 3 ساعات، كان رصاص القنص من مواقع تنظيم داعش يمطر محيط مبنى في حي الشفاء غرب الموصل لجأ إليه عشرات المدنيين عبر نافذة نزعت القوات العراقية شبكها الحديدي. على وجوههم ذعر وخوف ودموع ونظرات حائرة.
ويبدو الإرهاق على الذين دخلوا روضة الأطفال هذه للاحتماء وسط أجواء من الرعب ووسط رصاص القنص الكثيف ودوي الغارات الجوية والقصف المدفعي بهدف القضاء على المتطرفين المتحصنين في مبنى مقابل.
وتقول نجاة عبد الله (70 عاما) على وقع أزيز الرصاص ودوي المدفعية الذي تتردد أصداؤه بقوة داخل بهو المدرسة، إنها لم تجرؤ على الخروج من منزلها إلا عند وصول القوات العراقية. تحدثت نجاة وهي تلتقط أنفاسها جالسة على براد ماء صغير في البهو، بعدما هرولت مع أفراد من عائلتها تحت القصف. وبكلمات متقطعة تضيف: «الوضع صعب للغاية... لم يبق لدينا كهرباء ولا ماء ولا دواء، لا شيء لدينا إلا رحمته، هو أرحم الراحمين».
وتخوض القوات العراقية معارك في آخر الأحياء الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش في غرب الموصل في إطار هجوم بدأته قبل 7 أشهر تمكنت خلاله من طرد التنظيم من القسم الأكبر من المدينة. لكن المناطق المتبقية في آخر معاقل التنظيم في الموصل تضم كثافة سكانية كبيرة. وتقول السيدة التي ترتدي حجاباً أبيض وعباءة بنية تحت خمار أسود طويل، بحسرة: «ذقنا الأمرين طيلة هذه السنوات».
وكانت نجاة في عداد أكثر من 30 شخصاً؛ معظمهم من النساء، إحداهن على كرسي متحرك، تمكنوا من الخروج من منزل كانوا يختبئون فيه قرب مستشفى «الشفاء» الذي يتعرض لغارات جوية كثيفة، ويمكن رؤية سحب الدخان تتصاعد منه من مكان بعيد.
وتدخل القوات العراقية النساء إلى غرفة، فيما تصطحب الرجال والشبان إلى مكان آخر للتأكد من بياناتهم الشخصية. وتعمل القوات العراقية على التدقيق في هويات النازحين للتأكد من عدم وجود أي علاقة لهم بتنظيم داعش الذي كان يسيطر على مدينة الموصل منذ أغسطس (آب) 2014.
وقبيل فصله عن بقية أفراد عائلته، يقول عمران، وهو شاب في الرابعة والعشرين أطلق لحيته كما جميع الرجال في ظل حكم المتطرفين: «عشنا أياماً صعبة، أيام رعب وخوف. والله تعبنا، تعبنا كثيراً». ويوضح أن وتيرة القصف على الحي اشتدت في الأيام الأخيرة، ما دفعه للانتقال «إلى منزل جيراننا بعد تعرض منزلنا للقصف». ويرجو عمران «رب العالمين أن تتحول أيامنا للأفضل». وتجهش نساء بالبكاء ويلطمن أنفسهن بعد اصطحاب أزواجهن وأبنائهن.
ومع اشتداد رصاص القنص في محيط المبنى الذي احتجز فيه المدنيون إلى جانب قوات من الرد السريع وصحافيين، يعطي قيادي عسكري عبر اللاسلكي إحداثيات للطيران الحربي والمدفعية من أجل استهداف مصدر القصف. بعد دقائق، يدوي قصف تهتز له قاعات المدرسة بقوة. في خضم القصف، تطال رصاصة قناص مراسلا تلفزيونيا يعمل لحساب قناة عراقية محلية، يصاب إصابة بالغة، ويتم إجلاؤه سريعا من قبل القوات العراقية إلى نقطة طبية. ويقول العنصر في فوج مغاوير فرقة الرد السريع حسين علي حسن لوكالة الصحافة الفرنسية: «القناص إما أن يقتل وإما أن يهرب». ويضيف حسين الذي ارتدى درعا وحمل رشاشا بيديه وآخر على ظهره: «هناك مواجهة من جانبهم، لكنها مواجهة خفيفة. لم يعد لديهم إلا القناصة والعبوات التي يزرعونها». ويتابع بعزم: «لن ندع الدواعش ينامون»، مؤكدا عزمه ورفاقه العسكريين على القتال حتى آخر رمق.
وبعد هدوء نسبي، يقوم عناصر من القوات العراقية بتثبيت ستارة من القماش من الجهة التي يصدر عنها القنص، ويباشرون إجلاء المحتجزين من مدنيين وصحافيين تدريجياً إلى مبنى مجاور. وتستمر عملية الانتقال من مبنى إلى آخر مرورا بكلية الطب التي يتخذ العسكريون من مدرجاتها مكانا للاستراحة قبل العودة إلى خطوط القتال.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.