الإعلانات الرقمية تتجاوز التلفزيونية للمرة الأولى... وتبلغ 205 مليارات دولار

«غوغل» و«فيسبوك» تستحوذان وحدهما على 20 % من الإجمالي العالمي

الإعلانات الرقمية تتجاوز التلفزيونية للمرة الأولى... وتبلغ 205 مليارات دولار
TT

الإعلانات الرقمية تتجاوز التلفزيونية للمرة الأولى... وتبلغ 205 مليارات دولار

الإعلانات الرقمية تتجاوز التلفزيونية للمرة الأولى... وتبلغ 205 مليارات دولار

للمرة الأولى، سيكون نصيب منصات الإنترنت من الإنفاق الإعلاني أعلى من نصيب التلفزيون التقليدي، إذ توقعت دراسة حديثة صادرة عن شركة «زينيث» العالمية المتخصصة أن ينمو الإنفاق العالمي على الإعلانات عبر الإنترنت بمعدل 13 في المائة، ليبلغ 205 مليارات دولار خلال العام الحالي، في حين سيبلغ حجم الإنفاق على الإعلان التلفزيوني 192 مليار دولار، وبذلك يبقى لكل الوسائل الأخرى مثل الصحف المطبوعة والسينما والراديو وإعلانات الطرقات وغيرها 155 ملياراً فقط، علما بأن إجمالي سوق الإعلانات على اختلاف الوسائط التي تستخدمها يقدر بنحو 555 مليار دولار في 2017، وأضافت الدراسة أن «الإعلان عبر الإنترنت سيستقطب 37 في المائة من مجمل الإنفاق الإعلاني حول العالم، مقابل نسبة 34 في المائة في 2016».
وكان نمو الإعلانات الرقمية في 2016 نحو 17 في المائة مدفوعاً بأحداث رياضية عالمية كبيرة، كما بحملات الانتخابات الرئاسية الأميركية. ويشير الخبراء إلى بعض التباطؤ أو التشبع في نمو هذه السوق لأن الارتفاع كان بمعدل 20 في المائة في 2015، بينما التوقعات تشير إلى نمو 12 و10 في المائة على التوالي لعامي 2018 و2019.
وبحسب شركات متخصصة في الإعلان والتسويق الرقمي، فإن سبب نمو الإعلانات عبر الإنترنت يعود إلى الإعلانات التي تستخدم البرمجيات وخوارزميات الذكاء الصناعي لحجز الإعلانات الرقمية آلياً، بدلاً من العملية التقليدية التي تقوم على طلبات تقديم العروض، والمفاوضات البشرية، وأوامر الإدراج اليدوي.
ويقول فيتوريو بوروني، رئيس العلامات التجارية العالمية في شركة زينيث: «إن الإعلانات عبر الإنترنت ساهمت كثيراً في نمو إجمالي الإنفاق الإعلاني العالمي منذ بداية العقد، وحفزت كثيراً على الابتكار الذي شهدناه في هذه السوق. ويتطور هذا الابتكار اليوم بشكل أسرع من أي وقت مضى».
وتتوقع «زينيث» أن يصل حجم الإنفاق على الإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى 55 مليار دولار في 2019، لتتجاوز بذلك حجم ما ينفق على الصحف المطبوعة المقدر بنحو 50 مليار دولار. وتعد منصات التواصل المحرك الأول الآن لزيادة الاستثمار في الدعاية والتسويق، إذ إن نمو الإيرادات الإعلانية في تطبيقات التواصل أعلى من المتوسط العام لنمو الإيرادات الرقمية عموماً.
ولفتت الدراسة إلى أن «الإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام وسناب شات وتويتر وغيرها أسرع نمواً من شرائح الإعلان الأخرى عبر الإنترنت، فقد نما بمعدل 51 في المائة في عام 2016 في مقابل 17 في المائة لإجمالي هذا القطاع، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل وسطي 20 في المائة سنوياً حتى 2019». في غضون ذلك، يشهد الإعلان عبر الصحف انكماشاً بنسبة 5 في المائة مع تراجع انتشار الصحف الورقية وتوزيعها.
وتعد شركة «غوغل» أكبر مستفيد من إيرادات الإعلانات عالمياً، حيث وصلت حصتها إلى 79 مليار دولار في عام 2016، وأتت «فيسبوك» في المرتبة الثانية من حيث حجم الإيرادات التي بلغت 27 مليار دولار. والشركتان المذكورتان تسيطران الآن على 20 في المائة من إيرادات الإعلانات مقابل حصة لم تكن تتجاوز 11 في المائة في 2011، وباتت الشركتان مصدر 64 في المائة من نمو هذه السوق. وتفيد أحدث البيانات بأن أكبر 30 مستفيداً من إيرادات الإعلانات في عام 2016 استحوذوا على 44 في المائة من الإجمالي مقابل 33 في المائة في 2015، وستواصل الشركات الكبيرة مثل غوغل وفيسبوك الاستثمار بشكل كبير في سوق الإعلانات الرقمية لتبقى في صدارة قائمة الإيرادات. ومن المتوقع أن تستفيد أيضاً كل من «بايدو»، و«مايكروسوفت»، و«ياهوو»، و«فيريزون»، و«تويتر»، التي تعتمد جميعها على الإعلانات في الإعلام الرقمي.
من جانب آخر، تجمع معظم التحاليل والدراسات على أن نمو الإعلانات عبر الإنترنت مدفوع أيضاً بانتشار بالهواتف الجوالة الذكية، بالإضافة إلى النمو الكبير في قطاع التجارة الإلكترونية.
وتجدر الإشارة إلى أن الإنفاق الإعلاني في الصحف يشهد انخفاضاً سنوياً، بعد أن كان وصل ذروته في عام 2007 حين بلغ 113 مليار دولار، وبحلول عام 2019 سيعود إلى المستويات التي شهدها في عام 1985، من دون احتساب التضخم. ولا بد من التنويه إلى أن هذه الأرقام تضم فقط الإعلان في الصحف المطبوعة، بينما يتم إدراج إيرادات الصحف الإلكترونية في قائمة إجمالي إيرادات الإعلان عبر الإنترنت.
وبالنسبة لسوق الإعلانات العالمية عموماً (الرقمية وغير الرقمية)، تشير التقارير إلى نمو بمعدل ثابت بين 4 و5 في المائة منذ بداية العقد الحالي، ومن المتوقع أن يستمر النمو بهذه النسب حتى 2019.
وبحسب التوقعات للعام الجاري، فإن نمو سوق الإعلانات عالمياً سيصل إلى 4.4 في المائة مقابل 4.6 في المائة العام الماضي، وسيشهد العام المقبل نموا بنسبة 4.4 في المائة أيضا، و4.2 في المائة في 2019، واللافت أن هذه المعدلات أقل بنحو طفيف من معدلات النمو التي يتوقعها صندوق النقد الدولي للناتج العالمي الإجمالي الاسمي.
ويذكر أنه في السنوات الأخيرة، كانت المدن الكبيرة مراكز استقطاب للابتكار، والهجرة، والتجارة.. وبالتالي شكلت سوقاً خصبة للإعلانات. فهذه المدن تتميز بصغر سن سكانها المقبلين أكثر من غيرهم على استخدام الإنترنت، وبالنظر إلى ارتفاع دخلهم يستهدفهم المعلنون أكثر. وتؤكد شركة «زينيث» أن 10 مدن فقط ستساهم بـ11 في المائة من نمو الإنفاق على الإعلانات عالمياً بين عامي 2016 و2019. وهي: نيويورك، ولندن، ولوس أنجليس، وجاكرتا، وطوكيو، وشانغهاي، ومانيلا، وبكين، ودالاس، وهيوستن.
وفي العام الماضي، بلغ حجم الإنفاق على الإعلانات التي تستهدف سكان هذه المدن 61 مليار دولار، وتتوقع تقارير عالمية أن يرتفع هذا الرقم ليبلغ 69 ملياراً في 2019.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.