عندما تسير في شوارع ولاية غازي عنتاب (جنوب تركيا قرب الحدود السورية) الرئيسية، أو أحد أحيائها الشعبية، كثيراً ما تصادفك مطاعم ومقاه أو محلات، أصحابها سوريون انتقلوا إلى المدينة هربا من المعارك والعنف في بلادهم. تعرف تلك المحلات من واجهاتها المزينة بمختلف أصناف الحلويات والأطعمة الشرقية، أو على الأغلب تجذبك رائحة الطعام التي تدلك على أن هناك طبقاً حلبياً أو شامياً ينتظرك.
وبحسب إحصاءات مديرية الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية، يعيش في ولاية غازي عنتاب نحو 325 ألف نازح سوري، يتابعون حياتهم بشكل طبيعي، للعام السابع على التوالي، البعض من ميسوري الحال افتتح محلّات وشركات تجاريّة، فيما فضّل بعضهم الآخر مجال المطاعم والأفران السورية الصغيرة والتي باتت تنتشر بكثرة، مترافقة مع روائح حلوياتها الطيبة، وزحمة زبائنها، ومن إيجابيّاتها أنّ الجميع يتحدّث باللغة العربيّة، مما سهّل أمر التواصل مع باقي السوريين والعرب في المدينة.
وانتقلت عائلة العلبي صاحبة علامة «بن العلبي» المشهورة في حلب إلى مدينة غازي عنتاب التركية قبل 6 سنوات، لتفتتح فرعاً فيها، وذكر بدر عبد الله العلبي (23 سنة) أن عائلته تمتهن صناعة القهوة منذ قرابة مائة سنة، وقد ورثتها من جدها عبد الله العلبي الكبير.
يقول العلبي الصغير: «مكونات قهوتنا من البن الهندي نصنعها بنكهات متعددة، مثل البرازيلية والتركية بالإضافة للنكهة السورية المشهورة لدينا، حيث نبيع نحو طن ونصف الطن من القهوة شهرياً».
ويمتلك حمزة شحرور (36 سنة) المنحدر من مدينة حلب - حي الفردوس، مطعم «شهبا سنتر» هو واحد من المطاعم السورية الكثيرة المنتشرة في مدينة عنتاب، يقدم أصنافاً من الحلويات السورية والمعجنات بالإضافة إلى الطبخ السوري، وقد اضطر للخروج من مدينته بعد دخول عناصر تنظيم داعش إلى الحي (طرده الجيش الحر لاحقا)، أواخر عام 2013، واختار النزوح إلى مدينة غازي عنتاب التي يعيش فيها منذ 4 سنوات.
يتحدث حمزة عن تجربته بافتتاح مطعم سوري في مدينة تركية، بقوله: «سابقاً لم تكن توجد هنا مطاعم ومحلات سورية أو عربية، قررت فتح المطعم في الأول من شهر رمضان عام 2014. وهو عبارة عن قسمين، مطبخ شرقي، وقسم لبيع الحلويات العربية». يتابع: «أغلب السوريين هنا يفتقدون لمة الأهل والإفطار على موائد العائلة، لذلك نسعى إلى إضفاء أجواء رمضانية على المطعم في الشهر الفضيل، كتقديم التمر الهندي والمعروك وكل ما كان يوضع على مائدة الإفطار في سوريا يجده الصائم عندنا».
أما علاء السنكري (50 سنة) والذي ينتمي أيضا لمدينة حلب وكان يمتلك ورشة ألبسة ومعملا لصناعة الخيوط، وقرر اللجوء إلى تركيا قبل 6 سنوات وبقي قريباً من الحدود على أمل أن تنتهي الحرب ليعود إلى منزله وعمله.
افتتح علاء محل سوبر ماركت «بينرجي»، وتعني بالعربية «الجبان» أو من يبيع منتجات الألبان عموما. يقول: «في بداية وصولي لتركيا قبل 6 سنوات، كنت أبحث كثيرا عن منتجات سورية، مثل الشاي والجبنة أو صابون الغار الحلبي، من هنا جاءتني فكرة لفتح محل لبيع المواد الغذائية والأجبان والألبان السورية».
وفي شهر رمضان، يعرض محل «بينرجي» التمر الهندي، والعرقسوس والمعروك السوري، والتمر السعودي، ويضيف السنكري: «العائلة السورية تشتري من عندي 90 في المائة من حاجاتها وكل صنف من أجود الأنواع».
وعلى مستوى أنشطة أخرى في رمضان، تنشط الكثير من المبادرات الخيرية في الشهر الفضيل والتي تهدف لإعالة بعض العوائل السورية المحتاجة. من تلك المبادرات واحدة أطلقتها منظمة (سند لذوي الاحتياجات الخاصة) ومبادرة (الخير للأسر السورية العفيفة)، اللتان تعملان في غازي عنتاب، وساهمتا في إطلاق «مشروع مطبخ زنوبيا» لتقديم وجبات سورية جاهزة.
تدير المشروع المهندسة أحلام ميلاجي (45 سنة) التي تتحدث عن تجربتها بقولها: «نهدف إلى دعم السيدات العاملات بالمطبخ وإعالة أسرهن عن طريق طبخ وجبات رمضانية بنكهة سورية خالصة، ثم نقوم ببيع الوجبات لتعود بالنفع عليهنّ».
وتقول أم مهدي (36 سنة) وهي إحدى المساهمات في مشروع المطبخ: «فريقنا مؤلف من نحو 10 سيدات طاهيات، كل منا خبيرة بتخصص ما، أنا مثلاً أطبخ الكبب الحلبية، والمحشي بالبرغل والحراق بأصبعه».
أما زميلتها محمد (42 سنة)، فتقول: إنها وزميلاتها حضرن قائمة بالحلويات السورية المطلوبة في فترة العيد، كالمعمول والكعك ليتم إنتاجها بأيدهنّ وبيعها للمستهلكين.
وفي ختام حديثها تشدد أحلام ميلاجي على أهمية المبادرة التي تخرج المرأة من حالة وضع اللجوء إلى حالة الإنتاج والعمل ودعم نفسها وأسرتها، وتقول إنه «بالإضافة لنكهة العمل الجماعي التي جاءت من ثمرات هذا المشروع، أصبحت هؤلاء النسوة فخورات بما أنجزنّ، طامحات لإنتاج أطباق سورية أكثر، متحليّات بروح العمل والأمل رغم قصصهنّ الموجعة».
الصيام السابع للسوريين في غازي عنتاب
325 ألف لاجئ يتمتعون بخدمات المطاعم والمقاهي المهاجرة
الصيام السابع للسوريين في غازي عنتاب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة