في ليلة مقمرة، أبحر قارب صغير بعيدا عن الساحل الليبي، وكان على متنه رجل مقنّع ملتح مكبل اليدين ومكمم الفم. استمر الرجل على هذه الحال حتى ابتعدت المركب عن الشاطئ وأصبحت محاولات الصياح غير مسموعة. وبعد عشرين دقيقة، نقله بعض الحراس المدججين بالسلاح إلى سطح زورق آخر استمر على متنه نحو مائة دقيقة إلى أن وصلوا إلى سفينة حربية أميركية كانت في انتظارهم في عرض البحر المتوسط. هنا بدأ أحمد أبو ختالة رحلته التي استغرقت 13 يوما عبر خلالها المحيط الأطلسي لينتهي المطاف بزعيم الخلية الإرهابية المتهم بتنفيذ هجمات بنغازي داخل زنزانة بنيت له خصيصا على متن السفينة الحربية الضخمة «يو إس إس نيويورك»، بحسب بيان صادر عن مركز الاحتجاز بالسفينة في 16 يونيو (حزيران) 2014 الساعة 4:19 دقيقة صباحا، بتوقيت ليبيا، ليبدأ الاستجواب بعدها بأربع دقائق.
وتتلخص أسباب القبض على أبو ختالة في أنه المتهم بأنه العقل المدبر للاعتداء الوحشي بمدينة بنغازي الذي أودى بحياة السفير الأميركي وثلاثة دبلوماسيين، وجاءت التحقيقات مليئة بالتفاصيل والشهادات التي تظهر لأول مرة لتضاف إلى أوراق القضية التي تنظرها إحدى المحاكم الفيدرالية بواشنطن.
ويتطلع محامو أبو ختالة إلى اعتبار اعترافاته أمام محققي مكتب المباحث الفيدرالية الأميركية (إف بي آي) كأنها لم تكن بزعم أن القبض عليه واعتقاله في غرفة من دون نوافذ في قاع مركب جاء بالإكراه، وبناء عليه فكل الاعترافات التي أدلى بها قد انتزعت تحت التهديد في ظل حرمانه من الاستعانة بالمحامي. ولاحقا دفع المتهم بأنه غير مذنب في أي من التهم التي وجهت إليه، بما فيها جريمة القتل.
ودفع المدعون بأن أبو ختالة لم يطلب محاميا صراحة وأنه أقر بذنبه طواعية عند استجوابه. ربما تكون هذه هي المرة الأولى لقاض فيدرالي أن يحكم في دستورية عميلة الاستجواب في السنوات الأخيرة في قضية متعلقة بمشتبهين في قضايا الإرهاب من دول أخرى. وسيصبح تدقيق القاضي في القضية المعروضة أمامه موضع تساؤل لم يجد إجابة وافية منذ إثارة قضية معتقل غوانتانامو، والسؤال هو: هل ستنجح الحكومة في الانتقال في مرحلة الاستجواب من التكتيك العسكري إلى توفير الضمانات المطلوبة لمحاكمات سريعة وعادلة في المحاكم المدنية؟
برزت القضية أيضا في الوقت الذي تعهدت فيه إدارة الرئيس ترمب بتسريع وتيرة الإجراءات ضد الإرهابيين الأجانب، ومنهم مقاتلو تنظيم داعش، مما يزيد من احتمال أن يؤثر الحكم الصادر ضد أبو ختالة على أسلوب التعامل مع باقي المعتقلين في المستقبل.
وفي السياق ذاته، اعتبر كبير المستشارين القانونيين بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية براين إيغان خلال فترة الرئيس أوباما، أن القضية ستكون «اختبارا حقيقيا سيضع الحكومة في موضع التقييم فيما يخص نظهرها في مدى قانونية اعتقال واستجواب أبو ختالة».
وكان أبو ختالة المحتجز حاليا بمدينة أليسكاندرا بولاية فيرجينيا، دفع بأنه غير مذنب في 18 اتهاما وجهت إليه تتعلق جميعها بالضلوع في اعتداءات بنغازي في 11 و12 سبتمبر (أيلول) 2012.
وكان الإعداد لاعتقال أبو ختالة استغرق قرابة العام، وفق خطة زمنية شرحها تفصيلا في المحكمة عميل لمكتب التحقيقات الفيدرالية(إف بي آي). وكانت المحكمة طلبت عام 2013 من عميل إف بي آي الاستعداد للانضمام للفريق الذي ضم ثمانية عسكريين قاموا باقتحام فيلا يسكنها أبو ختالة في بنغازي الليبية. وأفاد العميل، الذي أدلى بشهادته مستخدما اسم العائلة فقط «جونسون» بأن الفريق توقع مقاومة عنيفة من أبو ختالة، الذي يعمل ميكانيكي سيارات، خاصة أنه معروف عنه حمله لبندقية آلية وأحيانا قنبلة يدوية. ألقى الفريق العسكري القبض على أبو ختالة في منتصف ليلة 16 يونيو بليبيا بعد مقاومة أسفرت عن جرح بطول بوصتين برأسه وآثار لكمات حول عينيه وساعده. وبعد رحلة استغرقت ثلاث ساعات على متن قوارب صغيرة أقلته إلى سفينة حربية، جرى رفع أبو ختالة إلى سفينة حربية باستخدام رافعة، وكان لا يزال مكبل اليدين ومقنع الوجه ومسدود الأذنين.
وفي مركز الاحتجاز على ظهر السفينة أزال الحراس الذين ارتدوا زيا رسميا القناع والأصفاد عن أبو ختالة وأمروه بألا يتفوه سوى بكلمتين «الحمام» و«ماء»، بحسب الرقيب ديلان بيترسون، رئيس طاقم الحراس. بعد ذلك أعطى أبو ختالة نسخة من اتفاقية جنيف لحقوق الإنسان باللغتين الإنجليزية والعربية، وخضع لكشف طبي أجراه طبيب السفينة، بحسب شهود من الحكومة. وأفاد الشهود بأنه طلب منه الإبلاغ عن أي شكوى، ثم طلب منه استبدال ملابسه بملابس السجن البرتقالية، ثم أعطي نسخة من القرآن الكريم وبطانية، وأبلغوه بوجود بوصلة تدل على اتجاه القبلة مثبتة على حائط الزنزانة إن أراد الصلاة.
*خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ « الشرق الأوسط»
13 يوماً في حياة العقل المدبر لاعتداءات بنغازي
المدعون أكدوا أن أبو ختالة أقر بذنبه طواعية عند استجوابه
13 يوماً في حياة العقل المدبر لاعتداءات بنغازي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة