تجرى اليوم في فرنسا الدورة الأولى من الانتخابات النيابية التي يتنافس فيها 7877 مرشحاً للفوز بـ577 مقعداً. ومع حصول الدورة الثانية يوم الأحد المقبل ستكون فرنسا قد شهدت 4 جولات انتخابية أحدثت تغييراً جذرياً في المشهد السياسي.
ويتمثل ذلك في وصول وزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون إلى رئاسة الجمهورية وفي حصوله، كما هو متوقع، على أكثرية برلمانية ساحقة ستدعم خططه الإصلاحية ورغبته في إحداث تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة في المجتمع الفرنسي.
وحتى الآن، نجح ماكرون في تجاوز اليمين واليسار وإيجاد حركة سياسية جارفة تحت اسم «الجمهورية إلى الأمام» ستكون لها اليد الطولى في البرلمان الجديد. ويتوقع أن يحصل مرشحوها وحلفاؤها من حزب «الديمقراطيون» على ما لا يقل عن 70 في المائة من المقاعد البرلمانية.
وجديد هذه الانتخابات المتوقع لها أن توفر الاستقرار السياسي بعكس ما كان يتخوف منه البعض قبل وأثناء الانتخابات الرئاسية، يكمن في ظاهرتين متلازمتين؛ الأولى، ارتفاع نسبة المرشحات قياساً للانتخابات النيابية السابقة عام 2012، إذ إنه من بين 7877 مرشحاً يتنافسون للفوز بـ577 مقعداً في الندوة البرلمانية، هناك 3341 امرأة، أي ما نسبته 42.3 في المائة من مجموع المرشحين. ورغم أن هذه النسبة لا تضع فرنسا بين الدول التي حققت المساواة بين الرجال والنساء، فإنها تشكل خطوة مهمة نحو تحقيق هذا الهدف. والظاهرة الثانية تتمثل في تجديد طاقم المرشحين، والدليل على ذلك أن 216 نائباً من البرلمان المنتهية ولايته عزفوا عن خوض المنافسة الانتخابية هذه المرة.
يضاف إلى ذلك أن الأكثرية الساحقة من مرشحي «الجمهورية إلى الأمام» ينتمون إلى المجتمع المدني وغالبيتهم لم يخوضوا أبداً أي نوع من الانتخابات المحلية أو غير المحلية في السابق. وعددياً، ينتظر أن يحصل ماكرون على أكثرية تتراوح بين 397 و427 نائباً فيما سيتراجع عدد نواب اليمين بنسبة النصف لينزل إلى 100 أو 120 نائباً.
ومشكلة اليمين التقليدي ممثلاً بحزب «الجمهوريون» تكمن في أن هزيمة مرشحه الرئاسي فرنسوا فيون سارعت في تفككه.
وجاءت مناورة ماكرون الماهرة بتعيين رئيس حكومة (أدورا فيليب) يميني وإيكال وزارتي الاقتصاد والمال إلى شخصيتين معروفتين (برونو لومير وجيرار درمران) من بين صفوفه، لتزيد من انشقاقاته الداخلية فيما عملية تصفية الحسابات والاصطفافات الجديدة ستلي حتماً نهاية الانتخابات النيابية.
لكن الطامة الكبرى ستصيب الحزب الاشتراكي الذي حكم فرنسا طيلة 5 سنوات، وكان في بداية عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ وعلى غالبية المدن الكبرى ومجالس المناطق. والحال أن الحزب الاشتراكي الذي كان منقسماً على ذاته في المعركة الرئاسية، ستعمق الهزائم الانتخابية المتتالية من شروخاته، حيث ينتظر أن يلتحق بعض من نوابه القلائل الذين قد ينجحون (نحو 20 نائباً) بالأكثرية البرلمانية، فيما سيفضل آخرون الاحتماء تحت جناح اليسار المتشدد الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون. وليس من المتوقع أن يحصل الاشتراكيون على أكثر من 8 في المائة من الأصوات، وهي أضعف نسبة يحصل عليها في السنوات الأربعين الماضية. ولا يستبعد المحللون أن «يذوب» الحزب الاشتراكي بصيغته الحالية ليظهر لاحقاً في صيغة أخرى. أما اليمين المتطرف، فرغم تأهل مرشحته مارين لوبان للجولة الرئاسية الثانية وحصولها على 33.9 في المائة من الأصوات (أكثر من 10 ملايين صوت)، فإن حزبها (الجبهة الوطنية) لن يحصل على أكثر من 17 في المائة من الأصوات.
والحال أن النظام الانتخابي القائم على الدائرة الفردية ومن جولتين سيحرم الجبهة الوطنية من الفوز بكثير من المقاعد، خصوصاً أن ثمة قاعدة عامة معمول بها تقول بأن ينسحب المرشح الاشتراكي أو مرشح اليمين من السباق لصالح المرشح الأوفر حظاً، وذلك لقطع الطريق على مرشح الجبهة الوطنية.
خلال الحملة الرئاسية، كان اليمين يرفع دعوة الحاجة إلى الاستقرار السياسي لإضعاف المرشح ماكرون. وحجته في ذلك أن الأخير سيكون عاجزاً عن الحصول على أكثرية نيابية توفر الاستقرار للسلطة التنفيذية وتمكنها من تنفيذ وعودها وإصلاحاتها.
وذهب قادة اليمين وعلى رأسهم عضو مجلس الشيوخ فرنسوا باروان، المشرف على حملة حزب «الجمهوريون» النيابية إلى القول إن حزبه سيكون الفائز في الانتخابات النيابية، وإنه سيكون قادراً على أن يفرض على رئيس الجمهورية الجديد حكومة يمينية برئاسته.
والحال أن السياسيين أنفسهم الذين كانوا يطلقون تصريحات كهذه ينبهون اليوم من حصول ماكرون على أكثرية ساحقة لا تترك حيزاً مناسباً للأحزاب والقوى السياسية الأخرى.
حقيقة الأمر أن الفرنسيين دأبوا على إعطاء رئيس الجمهورية الجديد الأكثرية التي يحتاجها في حال جرت الانتخابات التشريعية مباشرة عقب الانتخابات الرئاسية. هذا ما عرفه الرؤساء فرنسوا ميتران وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند. لكن الفارق بين هؤلاء وبين الرئيس ماكرون أن الأخير لم يعتمد على حزب «تاريخي» كما فعل سابقوه. فحركته السياسية «إلى الأمام» التي تحولت إلى حزب بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، اضطرت إلى استقبال طلبات الترشح من خلال شبكة الإنترنت وجاءها ما لا يقل عن 16 ألف طلب ترشيح. والغالبية العظمى من هؤلاء وجوه جديدة غير معروفة اختارت منها الحركة 520 مرشحاً. وإذا صدقت التوقعات، فإن أكثرية هؤلاء ستدخل الندوة البرلمانية بعد الجولة الانتخابية الثانية محدثة بذلك أوسع تجديد في الطاقم النيابي التمثيلي.
يبقى أن المجهول الأكبر اليوم هو نسبة المقترعين، إذ من المتوقع أن تهبط إلى نحو 60 في المائة، بالنظر إلى أن الكثيرين يعتبرون أن الأمور قد حسمت سلفاً، وبالتالي لا فائدة من الرجوع مرة ثالثة إلى صناديق الاقتراع.
توقعات بتراجع الأحزاب التقليدية يميناً ويساراً في الانتخابات الفرنسية
24 في المائة من المرشحين من النساء وغالبية النواب الجدد غرباء على عالم السياسة
توقعات بتراجع الأحزاب التقليدية يميناً ويساراً في الانتخابات الفرنسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة