هجمات إرهابية مستمرة... ماذا يعني لنا ذلك؟

تخليداً لذكرى ضحايا هجوم بروكسل الإرهابي (سي إن إن)
تخليداً لذكرى ضحايا هجوم بروكسل الإرهابي (سي إن إن)
TT

هجمات إرهابية مستمرة... ماذا يعني لنا ذلك؟

تخليداً لذكرى ضحايا هجوم بروكسل الإرهابي (سي إن إن)
تخليداً لذكرى ضحايا هجوم بروكسل الإرهابي (سي إن إن)

ما نلبث أن ننهض من النوم حتى نوجه أولى نظراتنا للهاتف المحمول لنعرف بوقوع هجوم إرهابي جديد.
كم مرة حدث ذلك في الآونة الأخيرة؟ تبدو الفوارق الزمنية بين هذه الهجمات أقصر فأقصر.
شيعت مدينة مانشستر الأحد الماضي قتلى الهجوم الذي استهدف إحدى الحفلات الموسيقية الخيرية في الثاني والعشرين من مايو (أيار) الماضي، ولكن في وقت التأبين وقع هجوم إرهابي في لندن أدى لمقتل تسعة ضحايا جديدة.
هناك مثال يقول: «البرق لا يحدث مرتين في المكان نفسه»، ولكن هذا المثال لم يعد ينسحب على الإرهاب الذي أصاب لندن مرتين خلال الأشهر الثلاثة الماضية وفي المرتين دهس الجناة جموعا بشرية على أحد الجسور ثم انهالوا ضربا بالسكاكين على ضحايا عشوائيين.
يتسبب تراكم هذه الهجمات في مناخ من الاستنفار الدائم جعل وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير يقول في معرض رد فعله على هجوم لندن: «يبدو أننا سنضطر للعيش وقتا طويلا مع الإرهاب» ولكنه أضاف: «لن نتعود عليه».
بالطبع ليس لنا أن نتعود على ذلك، ولكن: ألا نفعل ذلك فعلا؟ بعد كل هجوم إرهابي يتصاعد مؤشر الإثارة العام ولكن تراجع حدة الإثارة يحدث بشكل أسرع.
حادث ستوكهولم، هل هناك من يتذكر ما حدث فيه على وجه الدقة؟
أصبحت الوسوم «هاشتاغات» التي تطلق على الإنترنت تعاطفا مع الضحايا وذويهم في أعقاب مثل هذه العمليات أكثر ندرة. وإن وجدت، فقد أصبحت تشبه الطقوس الروتينية. وبدأ بعضنا يلاحظ أنه لم يعد يتحدث في دائرة أصدقائه عن هذه الهجمات الإرهابية كما كان يفعل من قبل.
ولكن الأمر يختلف عندما يمس الأمر أحدنا بشكل شخصي.
فمن شاء له القدر أن يسير بسيارته بالقرب من كنيسة الذكرى في برلين ويرى أنه لا تزال هناك ورود ملقاة في سوق أعياد الميلاد التي وقع فيها حادث الدهس، فربما تحركت مشاعره بشكل صادق تجاه الضحايا ولو للحظة.
ويحدث الأمر نفسه عندما يكون لأحدنا صديقة في لندن كانت تمر بمنطقة وسط المدينة عندما وقع الهجوم الإرهابي.
كتبت هذه الصديقة لصديقتها تقول عبر تطبيق «واتساب»: «كنت أجلس في مترو ولم أستطع مغادرته... لم يسمح لأحد بالنزول منه حتى تتأكد الشرطة أننا لم نعد في خطر».
سرعان ما يصبح الرعب أقرب من أحدنا عندما يقرأ ذلك.
ولكن، وبشكل عام، فإن وتيرة الهجمات الإرهابية التي يقوم بها إرهابيون تفوق قدرة أشد المتابعين للأخبار تحملا لها، تلك الوتيرة التي ربما جعلت أحدنا لا يستطيع الوفاء بمتطلبات الحياة اليومية.
رأى الخبير النفسي الألماني بورفين بانديلوف، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، أن ذلك «ليس من قبيل التبلد» وأنه «رد فعل دفاعي طبيعي».
نصح الخبير الألماني بألا يعتبر أحدنا نفسه بلا مشاعر إذا لاحظ من نفسه أنه ينتقل لجدول الأعمال اليومي.
التوقف قليلا ثم مواصلة الحياة وكأن شيئا لم يحدث، هذا هو الأسلوب الذي يوصي به السياسيون وخبراء الإرهاب «الزم الهدوء واستمر»، وهذا هو ما تجيده لندن.
يطلق على ذلك «روح القصف» المستوحاة عن الإنجليز، والذي أبداه سكان لندن أثناء القصف الألماني لمدينتهم في الحرب العالمية الثانية.
انتشر مقطع فيديو مطلع الأسبوع الحالي يظهر فيه رجل من لندن أثناء هروبه من منفذي الهجوم الإرهابي، حاملا معه كأسا ممتلئة حتى نصفها بالجعة.
يبدو أن هذا الرجل تعمد ألا يتفضل على الإرهابيين بترك الكأس. وفي المقابل، أثار عنوان «هجمات إرهابية في قلب لندن تخلف ستة قتلى في أمة لا تزال مترنحة» لصحيفة «نيويورك تايمز» غضب البريطانيين.
أي حديث هنا عن الترنح؟ هذا ما دفع الكثير من البريطانيين لنشر أمثلة على أكثر ما يغضبهم، تعمدوا من خلالها أن يثبتوا أنهم غير عابئين بهذه الهجمات الإرهابية وأن الذي يغضبهم أكثر أشياء أخرى كثيرة ليس منها الإرهاب. وعلى سبيل المثال، أشخاص يسخنون الشاي في المايكروويف أو جهاز تحميص شرائح الخبز الذي ليس كبيرا بشكل يحمص شريحة الخبز بشكل متساو. هذه هي روح الفكاهة الإنجليزية، لا يسعنا هنا سوى إبداء الإعجاب بها.
ولكن ماذا عن أولئك الذين لم تترك فيهم هذه الاغتيالات روحا للدعابة؟
فليسوا متأكدين إطلاقا مما إذا كان عليهم أن يكيفوا سلوكهم مع هذه الهجمات. هل لم يعد من حق أحدنا أن يصرح بذلك خوفا من أن يتهم بأنه يفعل بذلك ما يريده الإرهابيون بالضبط؟
باستطاعة كل من يجتهد للعثور على أجوبة لهذه التساؤلات أن يقول لنفسه: ليست الأغلبية العظمى من الناس مفطورة على الانتقال فورا لجدول الأعمال اليومي، إنهم يحاولون خفض حجم الخطر إلى أقل قدر ممكن.
توقفت السياحة بشكل شبه تام بعد الحادث الإرهابي الذي وقع في أحد المنتجعات في تونس في يونيو (حزيران) عام 2015. وكانت الأحذية الخفيفة هي الأكثر مبيعا في محلات الأحذية في نيويورك في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 حيث تناقل الناس فيما بينهم أن الأحذية ذات الكعب العالي ليست جيدة في الجري هربا.
ولكن التجربة تعلم شيئا آخر ألا وهو أن حدة كل صدمة تتراجع مع الوقت. توقع الكثيرون عقب تدمير مركز التجارة العالمي في نيويورك أن زمن ناطحات السحاب قد ولى ولكن الحقيقة هي أنه ومنذ ذلك الهجوم نشأت أبنية أكثر ارتفاعا.
*التحليل النفسي
عن ذلك، قال الطبيب النفسي بانديلوف: «يستطيع الناس التكيف مع أسوأ مواقف الخطر... انظر مثلا للناس الذين يعيشون في المناطق ذات معدلات الجريمة المرتفعة، إنهم يتعودون على هذه الجرائم ببساطة، أي أنه حتى وإن حدث الكثير لدينا في ألمانيا فلن تتراجع جودة حياتنا بشكل دائم، سيظل الناس يذهبون لمهرجان روك أم رينج الموسيقي».
هذا ما تشير إليه أيضا الحقائق التي توصل إليها معهد ألينسباخ الألماني حيث تبين لباحثي المعهد أن أغلبية الألمان، نحو ثلثيهم، لا يعتزمون تغيير سلوكهم، حسبما ذكرت مديرة المعهد ريناته كوشر العام الماضي في مقال لصحيفة «فرنكفورتر ألجماينه تسايتونج». وأوضحت كوشر أن الجيل الشاب بشكل خاص عازم على الدفاع عن مساحات الحرية المتاحة له.
كما أظهرت الدراسة أنه وفي الوقت ذاته فإن المواطنين في ألمانيا ينتظرون من الدولة أن تفعل كل ما بوسعها لمكافحة الإرهاب: «حيث يطالب 46 في المائة من الدولة بقوة أن تعزز جهودها ضد الإرهاب».
يعلم السياسيون ذلك!
لذلك، اعتادوا إظهار نشاط لافت عقب أي هجوم حيث سارعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لتقديم خطة من أربع نقاط لمكافحة الإرهاب، بعد أقل من 24 ساعة من هجوم لندن، من بين هذه النقاط مدد سجن أطول للمشتبه بهم بأنهم إرهابيون وتعزيز مراقبة الإنترنت.
هذا هو ما فعله رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عقب هجمات مترو أنفاق لندن الشديدة عام 2005، بل إنه قدم خطة من 12 نقطة لتعزيز قوانين مكافحة الإرهاب.
كما وقالت ماي إنها سوف «تقتلع» التطرف والإرهاب من المجتمع البريطاني وتدعم أسلوب الشرطة تحت عنوان: «أطلق النار لتقتل».


مقالات ذات صلة

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا سيارات همفي تابعة لـ«طالبان» متوقفة أثناء مراسم جنازة خليل الرحمن حقاني جنوب كابل 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

تشييع وزير اللاجئين الأفغاني غداة مقتله في هجوم انتحاري

شارك آلاف الأفغان، الخميس، في تشييع وزير اللاجئين خليل الرحمن حقاني، غداة مقتله في هجوم انتحاري استهدفه في كابل وتبنّاه تنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (شرنة (أفغانستان))
شؤون إقليمية عناصر من قوات مكافحة الإرهاب التركية أثناء عملية استهدفت «داعش» (إعلام تركي)

تركيا: القبض على 47 من عناصر «داعش»

ألقت قوات مكافحة الإرهاب بتركيا القبض على 47 من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، في حملة شملت 5 ولايات؛ بينها أنقرة وإسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

أفرجت السلطات في دولة مالي عن 6 مواطنين موريتانيين، كانت قد اعتقلتهم وحدة من مقاتلي مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي مسيّرات تركية قصفت مستودع أسلحة يعود لقوات النظام السابق بمحيط مطار القامشلي (المرصد السوري)

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: تركيا ستطالب أميركا بموقف حاسم من «الوحدات» الكردية

أكدت تركيا استمرار الفصائل الموالية لها في التقدم بمناطق «قسد»، وقالت مصادر إنها ستطلب من وزير الخارجية أنتوني بلينكن موقفاً أميركياً ضد «الوحدات» الكردية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».