يوم في بيت جين أوستن

200 عام على وفاة الروائية البريطانية

منزل جين أوستن في تشاوتن تحول لمتحف
منزل جين أوستن في تشاوتن تحول لمتحف
TT

يوم في بيت جين أوستن

منزل جين أوستن في تشاوتن تحول لمتحف
منزل جين أوستن في تشاوتن تحول لمتحف

«إنها حقيقة معترف بها عالميا، أن أي رجل يمتلك ثروة كبيرة لا بد أن يحتاج لزوجة»، هو أول سطر من رواية «الكبرياء والتحامل» للكاتبة البريطانية جين أوستن وهو من أشهر العبارات في الأدب العالمي. في عالم جين أوستن هناك قصص الحب الخالدة وقصص الأمهات والبنات والعائلات المتوسطة وقصص البحث عن أزواج أثرياء والكثير عن تقاليد المجتمع في القرن التاسع عشر. ربما هي من أكثر الروائيات العالميات التي تناولت الشاشتان الصغيرة والكبيرة أعمالهن مئات المرات ولا تزال شخصياتها تعيش عبر استنساخها في صيغ معاصرة، ولا أقرب من فيلم «مذكرات بريدجت جونز» الذي تناول «الكبرياء والتحامل» بشكل معاصر بالإضافة إلى معالجات تلفزيونية لا تنتهي.
في بريطانيا تتحول البيوت والأماكن التي عاش فيها كبار الكتاب والفنانين إلى مزارات تحمل اللوحة الزرقاء الشهيرة التي توضع على واجهاتها تحدد اسم الشخصية التي قطنت في المنزل والسنوات التي قضتها هناك، وفي بعض الأحيان تكتسب البلدة كلها مكانة خاصة مثل «سترادفورد آبون آفون» التي ارتبطت باسم ويليام شكسبير.
وفي عالم جين أوستن تعددت المدن والقرى التي ارتبطت بالكاتبة وبعائلتها، وكل مكان منها يحظى بتدفق الزوار الذين عاشوا في عالمها الروائي الخصب.
هذا العام تحتفل بريطانيا بمرور 200 عاما على وفاة أوستن واستعد مكتبا السياحة «فيزيت بريتان» و«فيزيت هامبشير» مع جهات أخرى لعام كامل من الفعاليات التي تليق باسم الروائية. ولا بد بالطبع إذا أردت أن تعرف بعض المعلومات عن أوستن وعالمها أن تزور بعض الأماكن التي عاشت بها وارتبطت بحياتها ورواياتها، سواء في مقاطعة هامبشير أو مقاطعة كنت أو مدينة باث.
* الطريق إلى القرية
فيلم «وأصبحت جين» الذي قامت ببطولته النجمة آن هاثاواي، قدم لمحة من حياة أوستن وليس بطلاتها، وقدم الفيلم لقطات من حياتها ببيتها في قرية تشاوتن بهامبشير حيث عاشت لسنوات طويلة مع والدتها وأختها. ولكن لا بديل عن الزيارة الحية لقرية تشاوتن التي ارتبطت باسم الكاتبة وتتبع أنفاسها وحركاتها في منزلها الصغير وبين الحدائق الخضراء الممتدة حوله.
الطريق لشاوتن متعة في حد ذاته، نمر عبر مساحات شاسعة من الحقول الخضراء والطرقات الضيقة، وتدريجيا ندخل في جو روائي من الدرجة الأولى، فمع ابتعاد معالم المدن المعاصرة والصاخبة ومع بدايات الريف الإنجليزي الشهير لا بد لخيالنا أن يفتح صفحات الروايات الخالدة التي أبدعتها أوستن، فهي من وصفت البيوت الريفية والمنازل الفارهة، بطلاتها مشين وجرين في الحدائق الخضراء، يكاد المسافر هنا يتخيل العربات التي تجرها الأحصنة والرجال مرتدي السترات ذات الذيل والبنطلونات الضيقة والنساء بفساتينهن الطويلة المنفوشة والقبعات المزينة على رؤوسهن.
ولكن لننتظر حتى نصل لقرية تشاوتن، القرية صغيرة جدا ومع ذلك يقصدها الآلاف ومن المؤكد أن يزيد العدد هذا العام بمناسبة الاحتفالات.
مقصدنا الأول في تشاوتن هو الكوخ الذي عاشت فيه سنوات طويلة وفيه حجرة نومها وطاولة الكتابة الصغيرة التي شهدت كتابة أجمل الروايات العالمية.
بداية ندلف للبيت عبر محل التذكارات الصغير والذي يضم مجموعة من الطبعات النادرة لروايات أوستن وبعض المقتنيات التي تحمل شعار المتحف. منها نجد أنفسنا في حجرة بسيطة، في أحد جوانبها بيانو صغير وفي الجانب الآخر مقعد طويل (شيزلونغ) عليه باقة صغيرة من زهور اللافندر. هنا كانت تجتمع العائلة بعد وجبة العشاء، حيث كانت الأم وابنتاها جين وكاسندرا يجتمعن للقراءة أو التطريز أو الحديث عن أحداث اليوم. على أحد الجدران في الحجرة وتحت لوح زجاجي حافظ نطل على قطعة من ورق الحائط الأصلي الذي زين الحجرة في عصر جين، وعثر عليها بالصدفة. الحياة في زمن جين أوستن كانت بطيئة الوتيرة، بسيطة وهو ما يعكسه الكوخ المتواضع بمقاييس ذلك الزمن، وإن كان يبدو لنا الآن منزل جميل تحيطه حدائق غناء.
وبالعودة مرة أخرى للقرن التاسع عشر وعالم الكاتبة التي غادرت الدنيا في سن صغيرة (41 عاما)، ندلف إلى غرفة صغيرة جدا، تعتبر المدخل بمعايير عصرنا هذا ولكن بمعايير عصرها، كانت حجرة تجلس فيها العائلة في النهار وتطل على الشارع حيث تمر العربات التي تجرها الأحصنة. في الطابق الثاني حجرة نوم جين وكاسندرا، هي صغيرة جدا بكل المقاييس والسرير المتواضع أيضا صغير ورغم ذلك كان يتسع للأختين الصديقتين. في جانب من الحجرة خزانة بسيطة تعرض فيها بعض القطع التي ارتبطت بها أوستن، مثل قطع الحلي البسيطة، وعلبة للخياطة. التطريز والخياطة جانب مهم من حياة النساء في ذلك الزمن، فهو ضرورة وترفيه وتمضية للوقت، في الغرفة مفرش صغير طرزته أنامل جين وطرزت اسمها في أسفله مع التاريخ. في الحجرة المجاورة والتي شغلها الأخوان تشارلز وفرنك اللذان خدما في البحرية، نجد مثالا آخر لمهارة نساء العائلة وهو لحاف (باتشوورك) منسوج من قصاصات الأقمشة الزائدة. وفي إحدى رسائلها لشقيقتها كاساندرا التي كانت تزور شقيقهما إدوارد في مقاطعة كنت، كتبت جين في 31 مايو (أيار) 1811 «هل تذكرتِ أن تجمعي قطعا من الأقمشة من أجل الـ(باتشوورك)؟ فالعمل متوقف تماما».
في إحدى الحجرات وفي خزانة خاصة نجد معروضا شالا عاجي اللون كان ملكا لجين، كما توجد بعض القطع الأخرى التي ترتبط بتاريخ العائلة.
المتحف يضم مجموعة كبيرة من القطع الأصلية التي عاصرت الكاتبة في حياتها اليومية، ولكنها قطع محدودة، تقول إحدى العاملات في المتحف إن «هناك قطعا كثيرة موجودة في مخازن المتحف ونخرج بعضها للعرض من آن لآخر». وهو ما قد يلاحظه الزائر إذ أن المفروشات والقطع المعروضة تختلف من زيارة لأخرى.
في الدور الأرضي نرى المطبخ الذي كانت الخادمة تعد فيه الطعام، تم ترتيبه وتنظيم بعض المفروشات البسيطة فهنا طاولة خشبية وفرن بسيط وبعض الآنية المنزلية، لا نعرف تحديدا إن كانت القطع أصلية أم شبيهة لها تم انتقاؤها لإضفاء لمحة واقعية على المكان ولكنها في كل الحالات تؤدي الغرض منها وتعكس لنا ملمحا من حياة بعيدة عاشتها الكاتبة الشهيرة. وفي حجرة صغيرة ملحقة بالمطبخ وهي ما يطلق عليه «حجرة الخبيز» نجد فرنا حجريا لا بد أنه كان موجودا منذ ذلك الوقت.
ويجب القول بأن المنزل البسيط والجميل أيضا يحمل روح الكاتبة ونكاد نحس بأنفاسها فيه، وربما يكون الانطباع وليدا من تفاصيل رواياتها التي كانت في أغلبها تدور حول الحياة العائلية، وأيضا لا ننسى كم الأعمال الدرامية التي أنتجت وصورت بدقة شديدة كل تفاصيل الحياة في عصر جين أوستن، هي التفاصيل ذاتها نحس بها ونراها، يأخذنا الخيال لساكنة المنزل وعائلتها نتخيلها وهي تجلس في الحجرة الصغيرة وتطل من النافذة على الطريق الضيق خارجه، يسجل بصرها وحواسها كل شاردة وواردة. نمشي في الحديقة الخضراء المتسعة ونجلس على المقاعد الخشبية المتناثرة وكأننا في أحد مشاهد قصصها، ونكاد نتوقع ظهور بطلاتها الشهيرات يمشين في الحديقة أو يلتقطن الزهور لوضعها في مزهريات، وقد يجمح بنا الخيال ونتخيل جين أوستن وهي تتكئ على طاولتها الصغيرة جدا وتمسك بريشة كتابة تخط بها بخط منمق جميل، نرى أكثر من مثال له عبر الخطابات التي ما تزال محفوظة وبعضها يعرض في المتحف.
* منزل الأخ الثري
خارج كوخ عائلة أوستن وعبر طريق بسيط يمر عبر المزارع الخضراء نصل لمنزل آخر ارتبطت به جين أوستن وهو منزل أخيها إدوارد. والمعروف أن إدوارد نايت (أوستن) قد تبناه أقرباء أثرياء للعائلة وورث عنهم منازل وأملاكا متناثرة في هامبشير وكنت. بعد وفاة الوالد وجدت الأم وبناتها أنفسهن مضطرات للعيش في الكوخ الصغير الذي زرناه قبل قليل، وهو من أملاك إدوارد ومنحه لوالدته وشقيقاته ليقمن فيه. تشير المرشدة هنا إلى أن الفارق بين المنزل الفاره الذي يقيم فيه إدوارد والحدائق الملحقة وبين الكوخ المتواضع وتقول: «بالتأكيد كانت الكاتبة ووالدتها وأختها يشعرن بالفقر مقارنة بالثراء الذي عاش فيه إدوارد. كان يدعوهن لتناول العشاء في منزله كلما زار القرية وبالتالي فالطريق الذي مشينا فيه، هو ذاته الذي شهد خطوات جين ووالدتها وأختها.
لا نملك هنا إلا أن نتذكر الروايات الشهيرة والتي تصور فيها الكاتبة تلك العلاقات العائلية والفرق بين الأبناء الذين يرثون كل شيء بينما تحرم الإناث في العائلة من أي ميراث، وذلك طبقا لقانون كان ساريا في ذلك الزمن. بطلات رواية (العقل والعاطفة) أيضا حرمن من ميراث والدهن واضطررن للخروج من منزل العائلة الذي آل للأخ الوحيد، ووجدت نساء العائلة بيتا متواضعا بعيدا عشن فيه بمستوى أقل بكثير جدا مما اعتدن عليه».
زيارة تشاوتن هي رحلة في عالم روائي وواقعي بطلته ومؤلفته كانت جين أوستن التي لم تترك خلفها سوى ست روايات لم تحمل اسمها، وبعضها نشر بعد وفاتها.
* فعاليات «جين أوستن 200»
قائمة الفعاليات التي ستشهدها بريطانيا عامة وتشاوتن تحديدا، طويلة جدا وتختلف ما بين حفلات راقصة على طريقة القرن التاسع عشر وورش لتعليم الرقصات التي كانت شائعة وقتها ومعارض متنوعة تحاول محاكاة الواقع الذي عاشته الكاتبة، منها:
- جولة على الأقدام في تشاوتن مع الخبيرة التاريخية جين هيرست تأخذ الزوار على خطى أوستن في قريتها.
- جولة بين الحدائق في القرية تنتهي بحفل شاي على الطريقة الإنجليزية.
- دروس لتعليم التطريز.
- متحف جين أوستن بالليل، جولة ليلية في المتحف تأخذ الزوار لجانب مختلف من حياة الكاتبة.
- معرض لكتب اقتنتها جين أوستن وتعرض في مكتبة مدينة التون بهامبشير.
- معرض «مس أوستن الغامضة» في المكتبة العامة ببلدة وينشستر حيث عاشت الكاتبة أيامها الأخيرة. المعرض يضم رداء مطرزا للكاتبة وحقيبة يد صغيرة وعددا من الكتب الخاصة بها إضافة إلى خمسة بورتريهات للكاتبة. بعض تلك الرسومات معترف به من الوثائق التاريخية والبعض الآخر ما زال يثير الجدل إن كان صحيحا أم لا. المعرض أيضا يضم أوراقا خطت عليها أوستن جزءا من روايتها الأخيرة «الإقناع».
- وجبة في التون هاوس هوتيل على طريقة حفلات القرن التاسع عشر يرتدي فيها الزوار الملابس التاريخية ويأكلون بعضا من الأطباق التاريخية الشهيرة.
- معرض «41 قطعة» يعرض 41 قطعة من مقتنيات أوستن أو من القطع التي ارتبطت بها في متحف جين أوستن. الرقم 41 يشير لعمر جين عند وفاتها، وعبر المتحف نجد بعض تلك القطع وإن كانت تتبدل بطريقة مستمرة.
- زيارة للكنيسة التي دفنت فيها جين أوستن في وينشستر حيث يوجد معرض صغير يدور حول الأيام الأخيرة في حياتها مأخوذ من كتابات أختها كاسندرا وغيرها. في الكنيسة أيضا نصب تذكاري لها مصنوع من الزجاج الملون يحمل اسمها وبعض الأسطر حول حياتها ويشير أيضا إلى أنها كانت كاتبة روايات وهو الأمر الذي لا نجده على شاهد قبرها المجاور للنصب.
للمزيد من المعلومات:
www.janeausten200.co.uk



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».