ألقت الاعتداءات التي هزت بريطانيا، وأدت إلى مقتل 34 شخصاً خلال أقل من 3 أشهر، بظلالها على الحملة الانتخابية، وأصبحت في صلب اهتمامات الناخبين، بعدما كانت استراتيجية «البريكست» مسرح تبادل اتهامات بين المرشحين.
وقبل أيام من الانتخابات العامة التي ستنعقد الخميس المقبل، شددت رئيسة الوزراء تيريزا ماي على أهمية توفر القيادة، وحثت شركات التكنولوجيا على القيام بالمزيد من أجل معالجة الدعاية المتطرفة. لكن زعماء أحزاب معارضة، تشمل حزب العمال وحزب الأحرار الديمقراطيين وحزب الاستقلال اليميني، انتقدوا سجل ماي بخصوص الاقتطاعات التي أثرت على عمل الشرطة.
وسارع كل من رئيسة الوزراء المحافظة وزعيم حزب العمال جيريمي كوربين إلى إدانة الاعتداءات، وعرض خططهما لمكافحة الإرهاب وتحصين بريطانيا ضده. فعقب مقتل 7 أشخاص في وسط لندن ليل السبت، والاعتداء الانتحاري الذي أودى بحياة 22 شخصاً في مدينة مانشستر، أعلنت ماي أنه «طفح الكيل»، وبدأت في إعداد خطط لفرض إجراءات أكثر تشدداً لمكافحة الإرهاب.
وألمحت إلى زيادة مدة السجن للمتهمين بارتكاب مخالفات تتعلق بالإرهاب مهما كان حجمها، وشددت على ضرورة منع شركات الإنترنت من توفير مساحة تسمح بانتشار التطرف. كما وردت اقتراحات أخرى في الصحف البريطانية، من بينها إجبار المشتبه بضلوعهم في الإرهاب على ارتداء أجهزة مراقبة إلكترونية، ووضع الإرهابيين على قوائم المراقبة، وطلب إظهار الهوية الشخصية لأصحاب شرائح الهواتف الذكية غير المسجلة، وكذلك تقديم معلومات عن خلفية الراغبين في استئجار سيارات إلى الشرطة فوراً.
ولكن وبعد تعليق استمر يوماً واحداً لحملة الانتخابات التي ستجري الخميس، أصبح أداء ماي وعملها وزيرة للداخلية سابقاً قضية ساخنة في الانتخابات، ووجد حزب المحافظين الحاكم الذي يتفوق تقليدياً في مسألة الأمن نفسه في موقف حرج.
ودعا كوربين، أمس، ماي إلى الاستقالة، مشيراً إلى فقدان 20 ألف وظيفة في الشرطة، معظمها أثناء تولي ماي وزارة الداخلية لمدة 6 سنوات في حكومة ديفيد كاميرون. ووعد حزب العمال بتوظيف المزيد من رجال الشرطة لزيادة أمن الأحياء، الذي يعتبره عنصراً أساسياً في استراتيجيات مكافحة الإرهاب.
ورداً على سؤال لتلفزيون «آي تي في» البريطاني حول ما إذا كان يؤيد الدعوات لاستقالة ماي، قال كوربين: «بالطبع أؤيد ذلك (...) ما كان يجب أبداً أن نخفض أعداد رجال الشرطة».
وقال مارك غارنيت، المحاضر في السياسة في جامعة لانكستر شمال غربي إنجلترا، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، إن كوربين يحاول الضرب على وتر حساس قبل 3 أيام من يوم الاقتراع، وأضاف أنه «من وجهة نظر السيدة ماي، من الصعب جداً عليها أن تقدم أي شيء مختلف بشكل جذري لأنها بالطبع كانت مسؤولة عن سياسة الأمن طوال السنوات السبع الماضية، إذ إنها كانت مسؤولة كرئيسة وزراء، وبوصفها وزيرة للداخلية (سابقاً)»، وأكد: «أعتقد أنها تتعرض لضغط هائل». وقال زعيم حزب العمال المعارض: «إنه لا يمكن حماية الناس بتكلفة منخفضة».
بدورها، قالت الرئيسة السابقة للجنة الشؤون الداخلية يت كوبر إنه في الوقت الذي يعتبر فيه من غير المناسب «الربط بدقة» بين أعداد أفراد الشرطة والهجمات الفردية، فإن تناقص أفراد الشرطة بـ19 ألفاً ما بين 2010 و2016 جعل من الصعب جمع معلومات استخبارية ومواجهة التهديدات، كما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية. وخارج الساحة السياسية، يقول المعلقون إن معالجة التطرف هو تحد حساس، وقد يكون لاستخدام الانتخابات لمعالجة هذه المسألة نتائج غير مرغوبة. ورأى ستيفن فيلدنغ، أستاذ التاريخ السياسي في جامعة نوتنغهام، إنه «إذا تدخلت في المجتمعات المسلمة، فقد تتسبب في تطرف الناس. ولكن إذا لم تتدخل في المجتمعات المسلمة، فقد تسمح للناس بالتطرف».
وقد يفشل فرض قوانين أشد، ومنح الشرطة سلطات أوسع، في منع الهجمات التي تستخدم فيها التكنولوجيا، بل تستخدم فيها أدوات مثل السكاكين والعربات، مثلما حدث في هجمات لندن، وقد ينتهي الأمر بجعل المسلمين البريطانيين يشعرون بالعزلة.
ويوجد في بريطانيا كثير من إجراءات المحافظة على الأمن، وعلى رأسها ما يسمى بـ«إجراءات منع الإرهاب والتحقيق». وتطبق هذه الإجراءات التي بدأ العمل بها في 2012، وتم تشديدها في 2015، على الأشخاص الذي يعتبرون تهديداً، ولكن لا يمكن محاكمتهم أو ترحيلهم إذا كانوا أجانب.
وتمنح هذه الإجراءات السلطات القدرة على فرض شكل من أشكال الإقامة الجبرية لمدة تصل في البداية إلى عام واحد، ويمكن أن تمدد لعامين، أو إبعاد الشخص إلى مسافة 320 كيلومتراً من مسكنه الأصلي.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، منح البرلمان الشرطة وأجهزة الاستخبارات صلاحيات واسعة للمراقبة. كما أن القانون يطلب من المواقع الإلكترونية الاحتفاظ بتاريخ تصفح المستخدمين لمدة تصل إلى العام، ويعطي قوة أكبر للسلطات الحالية، ولكن غير واضحة، مثل قرصنة أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية.
وقد أدانت منظمة «ليبرتي» لحقوق الإنسان ذلك القانون، واعتبرت أنه يمنح «سلطات مراقبة تشبه المتبعة في الأنظمة الاستبدادية».
وأشار فيلدنغ إلى برنامج يدعى «بريفنت» تم إنشاؤه بعد تفجيرات لندن في يوليو (تموز) 2005، الذي ينشر برامج مناهضة للتطرف بين المسلمين في بريطانيا، وقال إن «كثيرين يقولون إن هذه هي أفضل طريقة، ولكن من الصعب تطبيقها، وهي تفتقر إلى الموارد الكافية».
وأضاف: «من السهل جداً أن نقول أمام مقر الحكومة (طفح الكيل)، ولكن قد يؤدي فرض إجراءات معينة إلى جعل الأمور أسوأ. ومن السهل القول: نحتاج إلى انتشار مزيد من رجال الشرطة في الشوارع، لأن ذلك ربما ساعد في وقف مثل هذه الأمور. ولكن هل هذا صحيح؟». وأكد أن «التطرف قضية اجتماعية صعبة ومعقدة للغاية، لا تعالج بحملة انتخابية وبالشعارات. ولكن هذا هو ما يحدث الآن».
«الإرهاب» بدل «البريكست» في قلب الحملات الانتخابية البريطانية
كوربين يدعو ماي إلى تقديم استقالتها على خلفية اعتداءات لندن
«الإرهاب» بدل «البريكست» في قلب الحملات الانتخابية البريطانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة