محطة قطارات «كينغز كروس» بوابة العبور إلى الشمال

محطة قطارات «كينغز كروس» بوابة العبور إلى الشمال
TT

محطة قطارات «كينغز كروس» بوابة العبور إلى الشمال

محطة قطارات «كينغز كروس» بوابة العبور إلى الشمال

تعتبر محطة قطارات كينغز كروس إحدى أكثر محطات لندن القديمة ازدحاماً. واستُخدِمَت المحطة أيضاً موقعاً لتصوير مشاهد سلسلة أفلام «هاري بوتر» للأطفال، وكانت مقرّاً لمكتب أحد أشهر مهندسي بريطانيا في القرن العشرين.
يعود تاريخ بناء محطة «كينغز كروس» للفترة بين عامي 1851 - 1852 حيث تولت شركة «غريت نورث ريلواي كومباني» إدارة المحطة، وأصبحت بعد ذلك نقطة التقاء جميع قطارات الساحل الشرقي لإنجلترا الآتية من اسكوتلندا إلى إنجلترا. وعند بنائها، كانت المحطة الأكبر على الإطلاق في إنجلترا، وما زالت معالمها الأصلية كما هي منذ إنشائها، حيث يعطي السطح المقوس الذي ينقسم إلى شريطين طويلين ميزة التهوية والإضاءة للمكامن الفسيح، ولا يكاد المرء يصدق أن عمر هذا المكان يتعدى 150 عاماً.
وعلى مدار القرن العشرين، بُنِيَت كثير من المباني الرديئة بين المحطة والطريق الرئيسي. وفي السنوات القليلة الماضية بني مجمع لبيع الكتب على امتداد المحطة، وهنا بدأ الزحام والفوضى يعم المكان. وتعطي الواجهة المبنية من قوالب الطوب الملساء والبرج الأوسط الذي يحمل ساعة كبيرة جاذبية خاصة للمكان، ويعتبر التصميم مناقضاً للتصميم المنمق لمحطة «بانكراس ستيشن» القريبة.
وقبل عام 1923، كان هناك 123 شركة مستقلة تقدم خدمات السكك الحديدية في المملكة المتحدة. كان الخط ما بين محطة «كينغز كروس» وأدنبره يتطلب المرور من خلال طريق تديره ثلاث شركات، وبعد عام 1923، كانت جميع الخدمات المقدمة على هذا الخط تقدمها شركة واحدة تحمل اسم «لندن آند نورث إيسترن ريلواي». وقبل الحرب العالمية الثانية، كانت ملكية السيارات محدودة، وكانت شركات السكك الحديدية المستقلة هي الناقل الرئيسي للمسافرين وللبضائع في عموم البلاد. وفي الثلاثينات من القرن الماضي، قررت شركة «لندن آند نورث إيسترن ريلواي» تشغيل قطارات أسرع للعمل على هذه الخطوط. وبدأ تصميم السيارات والقطارات يأخذ شكلاً أكثر انسيابية وأقل مقاومة للهواء (أيروديناميك)، وما زال هذا التصميم سائداً حتى اليوم، حيث عمل مصممو السيارات على استحداث تصميمات أقل مقاومة للهواء بهدف تحسين كفاءة استهلاك الوقود.
وفيما يخص شركة «لندن آند نورث إيسترن ريلواي»، كان مكتب كبير مهندسيها الميكانيكيين، نايغل غريسل (1876 - 1941) مبنيّاً فوق محطة «كينغز كروس». وفي عام 1935، ابتكر غريسل قاطرة بتصميم مقاوم للهواء، وبعدها تحولت وجهة قطارات تلك المحطة للانطلاق شمالاً. وفي 3 يوليو (تموز) 1938، حطم أحد القطارات المقاومة للهواء الذي كان يحمل اسم «ملارد» الرقم العالمي للسرعة في ذلك الوقت، وكانت سرعته 126 ميلاً في الساعة. كان هناك 35 قاطرة بنفس التصميم واستمروا جميعا في الانطلاق من محطة «كينغز كروس» إلى أن استبدل به قاطرات تعمل بـ«الديزل» في بداية الستينات.
وجرى الاحتفاظ بستة قاطرات من القاطرات القديمة، منهم قاطرة «مالارد»، ويستطيع الزوار مشاهدتها بمتحف «ناشيونال ريلواي ميوزيم بمقاطعة يورك».
نشرت سلسلة روايات «هاري بوتر» لأول مرة عام 1997، وأصبحت أكثر كتب الأطفال مبيعاً، وتحولت إلى أفلام رائجة لاحقاً. بيع من الكتاب 11 مليون نسخة خلال 24 ساعة من عرضة للبيع عام 2007. وتتضمن الفيلم كثيراً من المشاهد التي صورت داخل الاستوديو أو باستخدام صور الكومبيوتر. غير أن «كينغز كروس ستيشن» تعد أحد مواقع التصوير الطبيعية التي ظهرت في الفيلم، وهناك مشهد يظهر فيه بطل الرواية، الذي يتمتع بقدرات سحرية، يدفع بعربة حمل الحقائب في صالة السفر ويظهر بعدها على رصيف القطارات رقم 4/ 39 حيث كان القطار في انتظاره. فعندما تحولت الرواية إلى فيلم، استطاع فريق المؤثرات الخاصة عرض هذا المشهد بكفاءة عالية في محطة «كينغز ستيشن». وفي لقطة تذكر المسافرين بأحداث الفيلم، ففي المكان الذي يشتري فيه المسافرون بطاقات السفر توجد حائط عربة نقل الحقائب تشبه التي ظهرت في الفيلم الشهير ويصطف المسافرون أمامها انتظاراً لالتقاط صورة تحاكي اللقطة التي ظهر فيها بطل الفيلم في المكان ذاته. وإلى جوار المكان ينتظر أيضاً كثيراً من الأطفال لالتقاط الصور، وإلى جوارهم متجر مزدحم لا يزال يبيع الرواية ذاتها التي صورت أحداثها في المكان نفسه.
ولتخليد ذكراه، نصبت المحطة تمثالاً لمصمم أسرع قطار في العالم، المهندس نايغل غريسلي، أسفل مكتبه بصالة بطاقات السفر. وتوفي نايغل بعد تنفيذ تصميمه بثلاث سنوات وبعد أن حصل على لقب «سير» تقديراً لإنجازه، ويحمل أحد القطارات اسمه حتى اليوم.
إن سافرت من محطة «كينغز كروس ستيشن» يوماً ما، فعليك ألا تنسى أن تلتقط صورة بينما تدفع عربة الحقائب بصالة بطاقات السفر، وألا تنسى أيضاً أن تلتقط صورة لتمثال المصمم نايغل غريسلي الذي صمَّم محرك أسرع قطار في العالم.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».