مع بدء شهر رمضان، أمس، يعيش سكان العاصمة الليبية طرابلس مرارة كبيرة بسبب النقص الحاد في السيولة، وارتفاع الأسعار وعودة الاشتباكات المسلحة إلى المدينة.
ومنذ أسابيع عدة بات الوقوف في طوابير أمام المصارف لسحب بضع عشرات من الدنانير أمرا روتينيا لدى معظم الليبيين، حيث يترافق انتشار الفوضى في هذا البلد المضطرب مع نقص مستمر في السيولة.
ورغم مجابهة الصعوبات يوميا لتسيير أمور معيشتهم، فإن متجر الطومزيني الصغير اكتظ بالمتسوقين عشية رمضان، لكنهم كانوا حذرين في إنفاقهم عبر اختصار لائحة المشتريات.
تقول مريم بينما تحدق ابنتها بالسلال بالكبيرة المليئة بالفاكهة المجففة «الآن وبدل أن اشتري ثلاثة كيلو لوز، اشتري بمقابل ثلاثة دنانير القليل جدا منها فقط؛ لأنني لا أريد أن أستغني عنها بالكامل».
وتضاعفت الأسعار أربع أو خمس مرات هذا العام في ليبيا، حتى عند «الطومزيني» المشهور ببهاراته الطازجة. لكن هذه الأيام تحاول معظم العائلات الليبية تغيير عاداتها في الإنفاق والتأقلم مع الظروف الجديدة وما تمليه متطلبات الشهر الفضيل، من أجل الإبقاء على السيولة حتى آخر الشهر.
وتوقف الليبيون عن الشراء بكميات كبيرة كما كانوا يفعلون في السابق، أيام الاستقرار والرخاء الاقتصادي. وبهذا الخصوص يقول مفتاح البراني محمود (59 عاما) وهو موظف حكومي لوكالة الصحافة الفرنسية «يجب عليّ الآن أن أحسب مائة حساب لكل دينار يخرج من جيبي لأنني لست متأكدا بأنه سيرجع».
وأضاف بنبرة حزينة «لم نحصل على مرتباتنا منذ أشهر، وهذا التأخير يربكنا. لدي نقود في المصرف، لكنني لا أستطيع الوصول إليها بسبب أزمة السيولة. لا توجد سيولة». لكنه أشار إلى أن بعض الناس يواصلون في الشراء تحسبا لمزيد من الارتفاع في الأسعار في شهر رمضان بسبب كثرة الطلب على المواد الغذائية.
وفي مكان آخر تعد حليمة المعلمة المتقاعدة والأم لثلاثة شبان نقودها بشكل جيد؛ حتى لا تضطر للمجيء والتبضع مجددا خلال الأسبوع الأول من رمضان. أما في أحد أسواق تاجوراء، شرق طرابلس، فقد وصف صبري البوعيشي، وهو موظف رسمي، مستوى العيش بأنه «تحت الصفر»، وقال محتجا على نقص السيولة «أنا مجرد مواطن عادي، ومن الناس الذين يقفون في المصارف ليأخذوا راتبهم دون أن تكون هناك سيولة... على المسؤولين في الدولة أن يرحموا البشر، الله رحيم، يجب عليكم أن ترحمونا».
وبسبب نقص السيولة، فإن المتاجر التي تعمل بشكل جيد هي تلك التي تقبل بطاقات الائتمان والشيكات المصرفية.
وبالإضافة إلى العجز الاقتصادي أصبح يتوجب على الليبيين أيضا أن يتأقلموا مع الفوضى الأمنية بعد ثورة عام 2011، التي أطاحت بالرئيس الراحل معمر القذافي. فقد أدت اشتباكات عنيفة أول من أمس في العاصمة بين قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من المجتمع الدولي ومجموعات مسلحة إلى مقتل 52 شخصا وإصابة أكثر من 130 آخرين بجروح، بحسب وزارة الصحة. وقد اندلعت المعارك في جنوب طرابلس بعد أشهر عدة من الهدوء النسبي، وتم استخدام الأسلحة الثقيلة بين الأحياء السكنية.
وفور ذلك أصدرت الحكومة بيانا، قالت فيه «لقد تجاوزوا كل الحدود ولا شيء يوقفهم، إنها هديتهم إلى المواطنين الليبيين بمناسبة حلول شهر رمضان»، وذكّر البيان الليبيين بأن رمضان هو شهر التضحية والعبادة.
ومع وجود هذه المبادئ في الأذهان، يساعد الليبيون بعضهم بعضا لتخطي المصاعب في بلد يعيش أزمة خانقة. وقد قامت بعض المؤسسات في الشهرين الأخيرين بالتحرك في المدينة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي لجمع المواد الغذائية من أجل المحتاجين.
وبهذا الخصوص، يقول سامر فياض، صاحب مطعم للوجبات الخفيفة في وسط طرابلس «ما فائدة الصوم والصلاة إن كنا لا نشعر مع غيرنا، وكيف لي أن أطعم عائلتي وضيوفي وأنا أعرف أن جاري محتاج».
وفي محاولة لمواجه تداعيات الأزمة الاقتصادية، قرر البنك المركزي دعم المواد الغذائية المستوردة بأكثر من 550 مليون دولار في رمضان، وسط مخاوف من استغلال تجار جشعين المواد المدعومة لزيادة أرباحهم.
رمضان في ليبيا... نقص حاد في السيولة وعنف في كل مكان
الأسعار تضاعفت 5 مرات... وموظفون يشتكون من عدم حصولهم على مرتباتهم منذ أشهر

رمضان في ليبيا... نقص حاد في السيولة وعنف في كل مكان

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة