التنين الصيني سيد «طريق الحرير» الجديد

مصر انضمت... ألمانيا عارضت... وتركيا تبحث عن أوراق قوة في مواجهة الغرب

التنين الصيني سيد «طريق الحرير» الجديد
TT

التنين الصيني سيد «طريق الحرير» الجديد

التنين الصيني سيد «طريق الحرير» الجديد

قطعت الصين خطوة مهمة على طريق تنفيذ مبادرة «الحزام والطريق للتعاون الدولي» التي تتضمن إعادة إحياء «طريق الحرير» التاريخي القديم عبر «طريق الحرير» الجديد الذي يربط 68 دولة من أفريقيا إلى آسيا إلى أوروبا.
هذه المبادرة تجسد الطموح الكبير للرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي كان وراء إطلاقها في عام 2013، وواصل منذ ذلك الوقت العمل على جمع الداعمين لها والراغبين في المشاركة في المشروع الضخم، الذي يرى معارضوه في الغرب، ولا سيما ألمانيا، أنه يهدف إلى هيمنة الصين اقتصاديا على العالم.
مبادرة «الحزام والطريق» التي عرفت عند إطلاقها عام 2013 باسم «حزام واحد وطريق واحد» هي في الأساس استراتيجية تنموية ترتكز على التواصل والتعاون بين الدول، وخصوصا بين الصين ودول أورآسيا (آسيا وأوروبا)، من خلال فرعين رئيسيين، هما «حزام طريق الحرير الاقتصادي البري» و«طريق الحرير البحري». وللعلم، تنفق الصين حاليا نحو 150 مليار دولار أميركي سنويا في الدول الـ68 التي وافقت على المشاركة في المبادرة.

أهداف المبادرة
يعتبر منتدى «الحزام والطريق للتعاون الدولي» الذي عقد في العاصمة الصينية بكين يومي الأحد والاثنين الماضيين أكبر وأوسع مؤتمر احتضنته جمهورية الصين الشعبية منذ تأسيسها عام 1949، وحمل شعار «التعاون من أجل الرخاء المشترك»، واستهدف توسيع أنظمة المعايير الفنية وخطط البنية التحتية للبلدان التي تقع في طريق «الحزام والطريق»، وتعزيز النقل المتكامل، وممرات النقل البرية والبحرية والجوية على صعيد القارات.
ولقد شارك في القمة أكبر عدد من الزعماء الأجانب الذين قصدوا بكين منذ دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها العاصمة الصينية عام 2008؛ إذ حضر 29 من قادة الدول و250 وزيرا ووفود من 110 دول.
القادة ناقشوا التعاون في مجالات مختلفة، وعلى رأسها البنية التحتية، والنقل، والاقتصاد والتجارة، والطاقة، وتوسيع أنظمة المعايير الفنية، وخطط البنية التحتية للبلدان التي تقع في طريق «الحزام والطريق»، وكذلك تعزيز النقل المتكامل، وممرات النقل البرية والبحرية والجوية على صعيد القارات، إلى جانب اتخاذ تدابير من أجل تذليل العقبات أمام التجارة والاستثمار بين البلدان الواقعة على طريق الحزام، وتعزيز التعاون الجمركي.
هذا، ويشمل المنتدى أيضا دعم المشروعات الثقافية والتكامل المالي في أكثر من 60 بلداً في شرق آسيا ووسطها وغربها وأيضاً جنوب أوروبا وغربها، كما يبلغ حجم ميزانية «صندوق طريق الحرير» الرامي إلى دعم المنتدى 40 مليار دولار، في حين تصل ميزانية البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية إلى 100 مليار دولار.
وانغ شياوتاو، نائب رئيس مفوضية التنمية والإصلاح الوطنية الصينية، قال في حديث لوكالة «شينخوا» الرسمية الصينية: إن الغرض من القمة «هو تأسيس قاعدة أكثر انفتاحا وكفاءة للتعاون الدولي، وشبكة أكثر قوة من الشراكات مع الدول المختلفة، والدفع باتجاه إنشاء نظام دولي أكثر عدلا وعقلانية واتزانا». وحقاً، ووفرت القمة فرصا للتوقيع على اتفاقيات تعاون مع دول ومنظمات دولية في مجالات التعاون المالي والعلوم والتكنولوجيا والبيئة وتبادل الخبرات.

طرق وممرّات
يتضمن الفرع البرّي – أي «طريق الحرير» البري – من المبادرة 6 ممرات، إضافة إلى «طريق الحرير» البحري. وهذه الممرات هي: الجسر البري الأوراسي الجديد الذي يمتد من غربي الصين إلى غربي روسيا، وممر الصين - منغوليا - روسيا الذي يمتد من شمالي الصين إلى شرقي روسيا، وممر الصين - آسيا الوسطى - آسيا الغربية الذي يمتد من غربي الصين إلى تركيا، وممر الصين - شبه جزيرة الهند الصينية الذي يمتد من جنوبي الصين إلى سنغافورة، وممر الصين - باكستان الذي يمتد من جنوب غربي الصين إلى باكستان، وممر بنغلاديش - الصين - الهند – ميانمار (بورما) الذي يمتد من جنوبي الصين إلى الهند.
أما «طريق الحرير» البحري فيمتد من الساحل الصيني عبر سنغافورة والهند باتجاه البحر المتوسط. وتجدر الإشارة إلى أن كثرة من الدول التي انضمت إلى المبادرة سبق لها أن انضمت إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية الذي اقترحت الصين تأسيسه عام 2013. وكانت الصين قد قالت في عام 2015: إن أكثر من 160 مليار دولار من الاستثمارات هي قيد الدراسة أو التنفيذ بتمويل من البنك.

دوافع ومخاوف

في سياق متصل، يعد فائض الإنتاج الصناعي الصيني أحد أهم الدوافع التي تقف خلف مبادرة الحزام والطريق؛ فالصين تنتج نحو 1.1 مليار طن من الفولاذ سنوياً، وهذه كمية تعادل تلك التي تنتجها كل دول العالم الأخرى، إلا أنها لا تستهلك داخليا إلا 800 مليون طن. ويقدّر اتحاد غرف التجارة الأوروبية أن المبادرة ستستوعب 30 مليون طن من هذا الإنتاج الفائض فقط.
ثم أنه في أواخر عام 2014 خصّصت الصين 40 مليار دولار لصندوق طريق الحرير؛ بهدف البدء في تمويل مشروعات المبادرة التي تتجاوز تكلفتها الإجمالية تريليون دولار. ويقول بنك التنمية الصيني إنه يتابع بالفعل أكثر من 900 مشروع في 60 دولة تبلغ تكلفتها نحو 850 مليار دولار.
وأعلن مسؤولون صينيون، أن الاستثمارات الصينية المرتبطة بمبادرة طريق الحرير، بلغت 60 مليار دولار منذ عام 2013، وسيبلغ إجمالي الاستثمارات الصينية في الخارج ما بين 120 و130 مليار دولار سنوياً على امتداد السنوات الخمس المقبلة، جانب كبير منها موجه إلى الدول المشاركة في مشروع طريق الحرير؛ ما سيكون محركا كبيراً لتعاف مطرد في الاقتصاد العالمي والتجارة الحرة والاستثمار، بحسب وجهة النظر الصينية.

تحفظ ألماني غربي
في المقابل، قادت ألمانيا تيار التحفظ الغربي على مشروع «طريق الحرير» الذي طرحته الصين يوم الأحد في قمة الحزام والطريق. واشترطت تقديم ضمانات لحرية التجارة والمنافسة الشريفة، في حين قال الرئيس الصيني شي جينبينغ: إن مبادرة مشروع طريق الحرير هي «مشروع القرن»، وتعهد بأن تقدم بلاده 124 مليار دولار لتنفيذ مشروعات المبادرة.
وزيرة الاقتصاد والطاقة الألمانية بريغيته زيبريس (من الحزب الديمقراطي الاشتراكي) قالت في تصريحات صحافية ببكين الأحد الماضي إن بلادها لن توقع البيان المشترك لمبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها بكين ما لم تتضمن الضمانات المطلوبة، وتحدثت عن وجود تحفظات أوروبية بشأن المبادرة الصينية.
في الإطار نفسه، أعرب بعض الدبلوماسيين الغربيين عن تحفظهم بشأن القمة ومشروع طريق الحرير الصيني؛ إذ اعتبروا أنها محاولة من بكين لزيادة نفوذها عالمياً. وأبدوا قلقهم بشأن شفافية المبادرة، ومدى إتاحتها الفرصة لمشاركة الشركات الأجنبية في المشروعات المطروحة.
غير أن الصين رفضت الانتقادات الموجهة لمبادرتها وللقمة، مؤكدة أن المشروع «مفتوح أمام الجميع على أساس مبدأ الربح لكل الأطراف بهدف إشاعة الرفاهية».

البيان الختامي
هذا، وأكد المنتدى في بيانه الختامي على «اعتماد المبادرة قواعد الشفافية وعدم التمييز ونظام التجارة المفتوحة ومتعددة الأطراف، الذي توجد في صميمه قواعد منظمة التجارة العالمية».
وفوق تعهد الرئيس الصيني بأن تقدم بلاده نحو 124 مليار دولار على شكل مساهمات وقروض لمشروعات طريق الحرير الجديد، أوضح أن بلاده ستقدم قرابة 15 مليار دولار لصندوق طريق الحرير الذي يستهدف تمويل بنية أساسية وشبكة تجارية عابرة للقارات. وأردف أن مصرفي «التنمية» و«التصدير والاستيراد» الصينيين سيقدمان قروضا بنحو 55 مليارا لتلك المشروعات، كما تعهد بتشجيع المؤسسات المالية على التوسع في أنشطة التمويل باليوان في الخارج بنحو 43 مليارا.

انضمام مصر
وبما يخص الدول العربية، شاركت مصر في منتدى «الحزام والطريق الدولي» لتعلن انضمامها إلى المبادرة الصينية. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أكد خلال زيارته للصين في ديسمبر (كانون الأول) 2014 دعم مصر لمبادرة الرئيس الصيني لإحياء «طريق الحرير»، منوهًا بأن القاهرة «تدعم مثل هذه المبادرات الإيجابية التي تستهدف تحقيق التعاون ومصالح الشعوب».
والواقع، أن انعقاد المنتدى جاء فرصة جيدة لمصر لعرض ما لديها من فرص وحوافز استثمارية، خصوصا بعد إقرار مجلس النواب قانون الاستثمار الجديد، وفي ظل الاهتمام الكبير من جانب الشركات الصينية للاستثمار في منطقة محور تنمية قناة السويس، التي تطمح مصر إلى تحويلها إلى منطقة صناعية ولوجيستية عالمية تكون جاذبة، وليس أن تظل مجرد ممر ملاحي.
وبالفعل، يعد المنتدى بوابة لجذب الاستثمارات ودعم قناة السويس، التي تعد جزءا رئيسيا من طريق الحرير البحري للقرن الـ21، إلا أنه في الوقت نفسه، بحسب الخبراء: «يعد جرس إنذار لصانع القرار في مصر». ذلك أن آليات التعاون بين الدول في ظل مبادرة الحزام والطريق تفتح طرقا أخرى برية بين آسيا وأوروبا تمر بعيدا عن مصر. وعلى سبيل المثال، أطلقت 27 مدينة صينية 51 خطا للسكك الحديدية يربط بين الصين و28 مدينة أوروبية. وتشير الأرقام الصينية إلى أنه من مارس (آذار) 2011 إلى أبريل (نيسان) 2017 تردد أكثر من 3 آلاف قطار بين الصين وأوروبا. ونقلت هذه القطارات السلع صغيرة الحجم بين الصين وأوروبا، خصوصا الهواتف وأجهزة الكومبيوتر المحمولة. وهو ما يعني ضرورة الإسراع في مشروعات محور قناة السويس لتظل الشريان الحيوي للتواصل بين آسيا وأوروبا.

حفاوة تركية
من جانب آخر، استقبلت تركيا مبادرة الحزام والطريق بترحيب شديد وحفاوة كبيرة. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان: إن مشروع «الحزام والطريق» المعروف بـ«طريق الحرير الجديد» مبادرة «من شأنها القضاء على الإرهاب المتصاعد في العالم». وعبّر في كلمته أمام المنتدى عن ثقته بأن «طريق الحرير الجديد سيكون له دور مؤثر في المستقبل، بفضل أهدافه المتمثلة بربط آسيا وأوروبا وأفريقيا وحتى أميركا الجنوبية بعضها ببعض».
وأشار إردوغان إلى أن المشروع يشمل أكثر من 60 دولة على مساحة 40 مليون كيلومتر، ويطول 4.5 مليار نسمة من سكان العالم. ومن ثم، فهناك أهمية بالغة لتفعيله وفقًا لمفهوم «اربح –اربح». ولفت إلى أن تركيا تتمتع بموقع جغرافي مهم، وتعد نقطة تقاطع آسيا بأوروبا: «ولذا؛ تعتبر من أبرز الدول في نطاق طريق الحرير الاقتصادي، وهي ترغب في التعاون مع جميع الدول في هذا الإطار».
وكان إردوغان قد توجه إلى بكين في عطلة نهاية الأسبوع الماضي لحضور «منتدى الحزام والطريق» ونشر على صفحته على «تويتر» يوم الاثنين، قبل يوم واحد فقط من زيارته إلى واشنطن ولقاء الرئيس دونالد ترمب بالبيت الأبيض، سلسلة تغريدات باللغتين الإنجليزية والتركية، أفاض فيها في مدح خطة التنمية والبنية التحتية الدولية الجديدة التي يرعاها الرئيس الصيني شي جينبينغ. وما قاله الرئيس التركي «أعتقد أن منتدى الحزام والطريق، الذي سيعيد إحياء طريق الحرير القديم، سيترك بصمته على المستقبل عبر ربط القارات بعضها ببعض».
من جهة ثانية، رأى خبراء اقتصاديون أتراك أن «الصين قوة عالمية في مجالات التجارة والاقتصاد والصناعات الدفاعية بإمكانها ملء فراغ الغرب وأن بقاء تركيا بعيدة عن هذه القوة يعد خسارة لها». كذلك قال الخبير في شؤون العلاقات الدولية، أركين أكرم، في تعليق لـ«الشرق الأوسط»، أن تركيا «تستطيع التعاون مع الصين خلال الفترة المقبلة في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ولا سيما في ظل تضارب مصالحها أخيراً مع الغرب والولايات المتحدة. كذلك، بإمكان جذب الاستثمارات الصينية ونقل تكنولوجيا هذا البلد من خلال إقامة تعاون وثيق مع سلطات بكين».
ولفت أكرم إلى أن مشروع طريق الحرير الذي سيصل الصين بالقارة الأوروبية مروراً بدول آسيا الوسطى «يشكل أهمية استراتيجية بالغة بالنسبة لبكين، وتتوافق المصالح التركية الصينية بشأن تنفيذ هذا المشروع، ولا سيما أن تركيا تولي أهمية كبيرة لعلاقاتها مع دول آسيا الوسطى».

منظمة شنغهاي
في السياق نفسه، تبدي تركيا اهتماما بالانضمام إلى «منظمة شنغهاي للتعاون»، التي أشار إردوغان غير مرة، وسط التوتر مع الغرب وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، إلى إمكانية أن تتوجه تركيا إلى الانضمام إلى هذه المنظمة. وفعلاً، قال السفير الصيني في أنقرة يو هونغ يانغ: إن بلاده رحبت بفكرة انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي، وأبدت استعدادها للتعاون مع المسؤولين الأتراك في هذا الشأن. وبناءً عليه؛ يرى خبراء ومحللون أن التحالف مع بكين سيعود بالفائدة على إردوغان أكثر من أي تحالف مع موسكو أو طهران. وأن ثمة إمكانية في ترسيخ العلاقات بينهما في الوقت الذي تعمل فيه أنقرة على تلافي اعتمادها المفرط على واشنطن، كما تتطلع بكين إلى تعزيز حضورها الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري في منطقة تزداد أهمية لمصالحها.
جدير بالذكر، أن إردوغان حضر مع 28 زعيماً، من بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولم يحضر ترمب المنتدى، وقرر في اللحظة الأخيرة إيفاد ممثّل رفيع المستوى، هو ماثيو بوتنغر، أحد المسؤولين المخضرمين في مجلس الأمن الوطني، والخبير في الشؤون الصينية.
في هذه الأثناء، يعتقد بعض المراقبين أن رفض الرئيس الأميركي ترمب بعض اتفاقيات التجارة الدولية، مثل «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، يضر بمصالح الولايات المتحدة في الساحة العالمية. وكتب إيلي راتنر، وهو متخصص في أبحاث الشؤون الصينية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، تغريدة قال فيها «يقف شي جينبينغ في الوسط، ويحيط به بوتين وإردوغان. هل يشعر معارضو الشراكة عبر المحيط الهادئ بالسعادة الآن وهم يرون مَن يقود قارة آسيا ويتحكم فيها؟».

«طريق الحرير»... الماضي والمستقبل
* «طريق الحرير» يعرف بأنه شبكة طرق برية وبحرية بطول 12 ألف كيلومتر ربطت آسيا والشرق الأوسط وأوروبا لمئات السنين بروابط تجارية وثقافية ودينية وفلسفية تم من خلالها تبادل السلع والمنتجات، كالحرير، والعطور، والبخور، والتوابل وغيرها، وكذلك تبادل الثقافات والعلوم.
ولكن «طريق الحرير» كمصطلح حديث العهد نسبيا. ففي أواسط القرن الـ19 أطلق العالم الجيولوجي الألماني البارون فرديناند فون ريشتهوفن اسم «دي سيدينستراس» (أي طريق الحرير بالألمانية) على شبكة التجارة والمواصلات. ويعود الفضل في اكتشاف طريق الحرير للجنرال زانغ كيان الذي فتح الطريق الأول بين الصين والغرب في القرن الثاني قبل الميلاد، وكان في بعثة دبلوماسية أكثر منها تجارية؛ إذ أرسل الإمبراطور ودي من سلالة الهان عام 1399 قبل الميلاد زانغ كيان إلى الغرب لعقد تحالفات ضد شعوب غيونغنو، وهم الأعداء التاريخيون للصينيين، لكنهم قبضوا عليه وسجنوه. إلا أنه أفلح في الهرب بعد 13 سنة، وتمكّن من العودة إلى الصين.
وأُعجب الإمبراطور بكثرة التفاصيل التي قدمها الجنرال وبدقة تقاريره، فأرسله في بعثة أخرى لزيارة شعوب عدة مجاورة للصين، وهكذا شقّ زانغ كيان أول الطرق الممتدة من الصين حتى آسيا الوسطى.
كان طريق الحرير يتألف من مسلك بري وطريق بحري، وعمل كلاهما على تسهيل نقل سلع وأفكار جنوب وشرق آسيا إلى أوروبا، من الشاي الصيني إلى اختراعات مثل الورق والبارود والبوصلة، فضلا عن المنتجات الثقافية، مثل النصوص البوذية والموسيقى الهندية.
وشكلت تجارة الحرير أحد الدوافع الأولى لإقامة الطرق التجارية عبر آسيا الوسطى، وكانت الصين قد احتكرت إنتاج الحرير، وأبقت على سره نحو ثلاثة آلاف سنة، حتى إنها كانت تعدم كل من يتجرأ على إفشاء سرّ إنتاج الحرير لشخص غريب.
وتطورت طرق الحرير مع الزمن، ومع تبدل السياقات الجغرافية السياسية عبر التاريخ. كما شكلت التجارة البحرية فرعاً آخر اكتسى أهمية بالغة في هذه الشبكة التجارية العالمية، واشتهرت خاصة بنقل التوابل، حتى عرفت أيضاً باسم «طرق التوابل» وزودت أسواق العالم بالقرفة والبهار والزنجبيل والقرنفل وجوز الطيب المجلوبة كلها من جزر المولوك بأرخبيل إندونيسيا المعروفة أيضا باسم «جزر التوابل».
ومن ثم توسعت شبكة الطرق في مطلع القرون الوسطى، إذ شق بحارة شبه الجزيرة العربية مسالك تجارية جديدة عبر بحر العرب وداخل المحيط الهندي، وتيسّر مع الوقت ركوب البحر لمسافات طويلة بفضل الإنجازات التقنية التي تحققت في علم الملاحة والعلوم الفلكية وتقنيات بناء البواخر مجتمعة.
ولعبت طرق الحرير دورا في تلاقي الثقافات والشعوب وتيسير المبادلات بينها، وبخاصة أنه اضطر التجار إلى تعلم لغات وتقاليد البلدان التي سافروا عبرها، واستخدم الكثير من المسافرين هذه الطرق للدخول في عملية التبادل الفكري والثقافي التي كانت عامرة بالمدن الممتدة على طولها. وساهم التجار المسلمون الذين سلكوا المسالك المختلفة لطريق الحرير، في التعريف بالإسلام ونشره، فشيدوا المساجد في عدد من القرى والمدن الصينية، وبفضلهم اعتنق صينيون كثر الإسلام. وتذكر المصادر التاريخية أن مدينة شيان Xian التي تعد بداية «طريق الحرير»، كانت أول مدينة يدخلها الإسلام على يد التجار العرب. وأيضا، لعب العرب دورا محوريا في تجارة طريق الحرير بالنظر إلى موقعهم الجغرافي الرابط بين آسيا وأوروبا.
هذا، ومن أبرز الإنجازات التقنية التي خرجت من طرق الحرير إلى العالم تقنية صناعة الورق وتطور الصحافة المطبوعة. وتهدف مبادرة «طريق الحرير» الجديد، أو مبادرة «الحزام والطريق» و«طريق الحرير» البحري للقرن الـ21 - وتعرف اختصارا باسم «عبور» - لإحياء وتطوير طريق الحرير التاريخي عن طريق تشييد شبكات من الطرق وسكك الحديد وأنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية والإنترنت ومختلف البنى التحتية.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».