النظام يحشد في البادية للمشاركة في «السباق نحو دير الزور»

دعماً لخطة روسيا الهادفة إلى قطع الطريق على الحراك الأميركي

صورة نشرتها صفحة «دير الزور تذبح بصمت» لآثار الدمار في البوكمال
صورة نشرتها صفحة «دير الزور تذبح بصمت» لآثار الدمار في البوكمال
TT

النظام يحشد في البادية للمشاركة في «السباق نحو دير الزور»

صورة نشرتها صفحة «دير الزور تذبح بصمت» لآثار الدمار في البوكمال
صورة نشرتها صفحة «دير الزور تذبح بصمت» لآثار الدمار في البوكمال

تقاطعت المعلومات عن وصول تعزيزات كبيرة للنظام السوري وحلفائه إلى منطقة البادية الصحراوية، على الحدود مع العراق والأردن، حيث يتوقع شن معركة كبيرة ضد تنظيم داعش لفتح طريق بغداد - دمشق، تمهد بدورها لمعركة السيطرة على محافظة دير الزور، التي تحولت أخيرًا إلى معقل للتنظيم. إلا أن خطط موسكو والنظام لن تجد على ما يبدو الطريق معبداً أمامها، في ظل سعي واشنطن إلى استباق هذه المعارك، والسعي إلى دعم المجموعات المحسوبة عليها للوصول إلى دير الزور أولاً.
وعلى خط استعدادات الطرفين، تواصلت أمس المجازر بحق المدنيين الموجودين في مناطق سيطرة «داعش»، شرق البلاد. إذ أفيد عن مجزرتين، الأولى ارتكبها التنظيم المتطرف بقصفه أحد المخابز في مدينة دير الزور، والثانية طائرات تابعة للتحالف الدولي، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وقال المرصد إن قصفاً عنيفاً لتنظيم داعش أسفر عن مقتل 7 أشخاص على الأقل في مدينة دير الزور ليل الأحد - الاثنين، فيما أعلن «مكتب أخبار سوريا» مقتل 7 مدنيين، بينهم طفلان، وجرح 14 آخرين، 6 منهم في حالة حرجة، من جراء استهداف «داعش» بقذائف الهاون وبمدافع محلية الصنع حي القصور الخاضع لسيطرة القوات النظامية وسط مدينة دير الزور.
وقال الناشط أحمد الرمضان إن المجزرة نفذتها «طائرات مسيرة عن بُعد لـ(داعش)، تحمل قنابل متفجرة، استهدفت مركزاً لتوزيع الخبز ونقطة أخرى، مما أدّى إلى مقتل 11 مدنياً». وأضاف، لـ«الشرق الأوسط»، أن «التنظيم سبق أن استخدم طائرات مسيّرة عن بُعد، إلا أن تلك التي أطلقها الأحد يستخدمها للمرة الأولى، وهي بيضاء بحجم كبير».
ويسيطر «داعش» على غالبية أراضي محافظة دير الزور، باستثناء جيب في الوسط وقاعدة جوية قريبة تسيطر عليها قوات النظام. وتشهد هذه الجبهة الداخلية منذ فترة هدوءاً ملحوظاً بعدما حاصر التنظيم قوات النظام في عدد من الأحياء، فبات من الصعب عليها التحرك لشن معركة جديدة، وهي تنتظر العون في إطار حملة تنطلق من خارج المدينة.
ولم تقتصر فاتورة المدنيين أمس على تلك التي دفعتها مدينة دير الزور، إذ أفاد المرصد بمقتل 23 مدنياً على الأقل من جراء غارات نفذتها طائرات تابعة للتحالف الدولي على مدينة البوكمال التي يسيطر عليها «داعش» في شرق سوريا على الحدود مع العراق.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن الغارات استهدفت منطقة سكنية في المدينة عند الثالثة من فجر أمس، أثناء نوم السكان، مما يفسر حصيلة القتلى المرتفعة. وبين القتلى 15 نازحاً على الأقل من مناطق سيطرة التنظيم في دير الزور والرقة، وكذلك في العراق المجاور.
وكان لافتاً ما نقلته وكالة «رويترز» عن مصادر وقادة من مقاتلي المعارضة عن أن «الجيش السوري مدعوماً بفصائل موالية لإيران نقل قوات إلى منطقة صحراوية قرب حدوده مع العراق والأردن». وقال المتحدث باسم «الجبهة الجنوبية» الرائد عصام الريس إن النظام وحلفاءه «أرسلوا تعزيزات ضخمة من المدفعية والدبابات والمركبات المدرعة»، معتبراً أن خطتهم «تقضي بالوصول إلى الحدود العراقية – السورية، وقطع الطريق على تقدم الجيش السوري الحر بشكل أكبر صوب الشمال الشرقي ضد معاقل تنظيم داعش في البادية».
في المقابل، نقلت مواقع مقربة من «حزب الله» والنظام السوري عن مصادر أن «قوات أميركية وبريطانية دخلت إلى منطقة حميمة (90 كم شرق تدمر) في عمق البادية السورية لبدء عملية باتجاه مناطق جنوب مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي». وأشارت إلى أن «مجمل عدد هذه القوات 150 عنصراً سيعملون مع ميليشيا جيش مغاوير الثورة، دخلوا من معبر التنف الذي يصل الأردن بسوريا». وتردد أخيراً وجود حشود عسكرية على الحدود الأردنية مع سوريا، تمهيداً لعملية تدعمها واشنطن في الجنوب. إلا أن هذه المعلومات لم تؤكدها مصادر رسمية.
وقال رئيس «مركز الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري»، رياض قهوجي، لـ«الشرق الأوسط»، إن معركة الجبهة الجنوبية ستندلع عاجلاً أم آجلاً، باعتبارها هدفاً أميركياً قديماً منذ أيام إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، تم تعليقه بناء على المفاوضات النووية مع طهران. ولفت إلى أن «الملف سيعاد تحريكه قريباً بلا شك، والهدف منه إطلاق معركة للسيطرة على منطقة الجولان – القنيطرة، والتواصل مع جبهة الشمال، وبالتحديد الرقة - دير الزور».
واعتبر الناشط الرمضان أن «معركة دير الزور آتية لا محالة، وستكون المعركة الكبرى في سوريا، بعدما تحولت المحافظة معقلاً للتنظيم». ولفت إلى أن «الروس والنظام يحشدون في تدمر للتوجه منها إلى السخنة فدير الزور، فيما تستعد قوات التحالف بمشاركة فصائل المعارضة لمعركة قد تنطلق في شهر أغسطس (آب) أو سبتمبر (أيلول) عن طريق البادية - بوكمال للوصول إلى دير الزور».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.