نهائي المناظرات الرئاسية في ميزان الصحف الإيرانية

نهائي المناظرات الرئاسية في ميزان الصحف الإيرانية
TT

نهائي المناظرات الرئاسية في ميزان الصحف الإيرانية

نهائي المناظرات الرئاسية في ميزان الصحف الإيرانية

في بداية الأسبوع الحاسم للمعركة الانتخابية في إيران أطلقت الصحف العنان للعناوين الحماسية في دعم حملات المرشحين، وكانت أجواء وتفاصيل المناظرة المثيرة للجدل لافتة بشكل كبير على الصفحات الأولى.
وتفاعلت الصحف مع المناظرة الأخيرة وتدشين مرحلة ما بعد المناظرات وفق موقفها من المرشحين. فبينما دفعت الصحف الإصلاحية بكل الثقل البلاغي المتاح للدفاع عن الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني ونائبه إسحاق جهانغيري، واصلت الصحف المقربة من الحرس الثوري والتيار المحافظ الهجوم على روحاني وأبرزت أهم ما ورد على لسان المدعي العام السابق إبراهيم رئيسي وعمدة طهران محمدباقر قاليباف حول ملفات الفساد التي طالت الحكومة.
واختارت صحيفة «جوان» اقتباسات من المرشحين الستة على صفحتها الأولى مع تلوين اقتباسات روحاني وجهانغيري باللون الأحمر في إشارة إلى تصريحات متناقضة حول ملفات الفساد. لكن صحيفة «كيهان» المتشددة هاجمت مرشحي الحكومة بسبب إنكارهما الكارثة الاقتصادية في السنوات الأربع الماضية. وفي موقف مشابه ذكرت صحيفة «وطن أمروز» المحافظة في صفحتها الأولى أن روحاني «لم يكن لديه أي رد على وثائق تورطه في ملفات الفساد». صحيفة «سياست روز» اكتفت بالإشارة إلى «مظلومية معيشة الشعب» ورأت أن المناظرة النهائية انتهت من دون تقديم حل للوضع الاقتصادي والمعيشي الإيراني.
الصحف الإصلاحية على طريق المناظرتين السابقتين خصصت صفحاتها الأولى لأعداد يوم السبت للرئيس المنهية ولايته حسن روحاني ونائبه إسحاق جهانغيري واختارت أبرز اقتباسات من تصريحات روحاني في المناظرة. صحيفتا «شرق» و«اعتماد» خرجتا بعنوان مشابه إلى حد كبير بإطلاقهما «رصاصة الرحمة» في العنوان الرئيسي.
صحيفة «اعتماد» اختارت «رصاصة الرحمة» في عنوان الصفحة الأولى لتسليط الضوء على قلب الطاولة من روحاني ضد خصومه في اللحظات الأخيرة. واعتبرت الصحيفة روحاني الفائز في الجولة الختامية وأشارت إلى تحسين سلة روحاني الانتخابية كما اقتبست من أقوال روحاني وقالت إنه أدى قسم السنوات الأربعة المقبلة. وفي افتتاحية ذكرت أن المناظرة أزاحت اللثام عن أمور كثيرة يجهلها الشعب الإيراني كما بينت أن المرشحين المحافظين الثلاثة ليسوا على استعداد للرد حول سجلهم في السنوات الماضية.
صحيفة «بهار» الإصلاحية برزت في صفحتها الأولى صورة روحاني وجهانغيري، وقالت إن «القرار بيد الشعب» لكن صحيفة «آفتاب يزد» أشارت في صفحتها الأولى إلى تهم روحاني لقاليباف لمواجهة الحركة الطلابية بالانابيت، وقالت إن روحاني حول منافسه إلى أنوب. الصحيفة اتهمت خصوم روحاني بعدم الاطلاع على خطواته في السنوات الأربعة الماضية مضيفة أن التركيز الوحيد في المناظرات كان على تشويه الحكومة. صحيفة «شهروند» رأت أن «التدبير» الفائز بالمناظرة التلفزيونية.
ورأت صحيفة «شرق» أنه أطلق «رصاصة الرحمة على أصحاب الادعاءات» واختارت اقتباسات من هجومه في اللحظات الأخيرة من المناظرة على كل من رئيسي وقاليباف، وهي نفس الطريقة التي تعاملت بتصريحات جهانغيري ضد المحافظين.
وخصصت صحيفة شرق مقالها الافتتاحي بقلم رئيس التحرير لمعرفة دور أعداء روحاني في تعزيز شعبيته، مضيفا أن روحاني يسير بنفس الاتجاه الذي أدى به إلى كرسي الرئاسة قبل أربع سنوات.
وفي مقال آخر على الصفحة الأولى لتذكير روحاني بحساسية الملف القوميات والتوقعات من روحاني إلى ما استمر في منصبه لفترة ثانية. واعتبرت القوميات والأقليات الدينية من القضايا المهمة التي تجاهلتها إدارة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد على مدى ثمانية أعوام إلى جانب الملفين النووي والاقتصادي. ورغم الترحيب بالخطوات التي اتخذتها الحكومة على الصعيدين النووي ورفع العقوبات الاقتصادية فإنها خبير الشؤون القانونية صالح نيكبخت شدد على ضرورة التعامل الجدي مع شؤون القوميات والأقليات الدينية. ويعرب الكاتب عن أمله بأن يجدد من صوتوا لروحاني من أبناء القوميات الثقة والتصويت له في هذه العام.
ورأى الكاتب أن «الأمن القومي مرتبط بحفظ القيم الداخلية ضد التهديدات الخارجية»، ويضيف أن «الوحدة الوطنية تعني رفع أي نوع من التمييز بين أفراد المجتمع بما فيها القوميات». ويوصي الكاتب السلطات بتفعيل المواد 12 و13 و15 من الدستور الإيراني التي تنص على حقوق القوميات واحترام الأقليات الدينية والسماح بتدريس اللغة الأم فضلا عن السماح لأبناء تلك المناطق بإدارة مناطقهم وتعيين مسؤولين من الكرد والعرب والترك ومشاركة الجميع في المناصب الحكومية.



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.