أثار احتجاج المرشد الإيراني علي خامنئي الأسبوع الماضي على تطبيق وثيقة 2030 التعليمية مرة أخرى المخاوف من تدخلاته في سياسات المؤسسات التعليمة الإيرانية، ما شكل مصدر قلق حقيقي لدى المختصين حول النظام التعليمي الإيراني وعجزه من مواكبة المجتمع الدولي في مجال التعليم.
وخلال السنوات الأخيرة تعددت أشكال تدخل الرجل الأول في النظام الذي يطالب بتطبيق مواصفات خاصة تتلاءم مع آيديولوجية ولاية الفقيه في الجامعات ومناهج التعليم ونمط حياة المواطنين، وجراء تلك التدخلات تعاني العلوم الإنسانية في الجامعات الإيرانية من قيود مشددة نشطت موجات هجرة العقول والمختصين إلى آفاق أكثر رحابة بالعلوم الإنسانية خاصة في مجالات العلوم السياسية وعلم الاجتماع التي تصر السلطات على تغييرها الدائم بهدف الوصول إلى نسخة محلية ذات صبغة ثورية تتناغم مع أهداف النظام السياسي. وبحسب «اللجنة العليا للثورة الثقافية» أعلى جهة رقابية إيرانية تقرر السياسات التعليمية والثقافية فإن أكثر من 50 فرعا دراسيا شمله إعادة النظر في السياسة حتى عام 2016.
وتحمل اللجنة على عاتقها «التصدي لتغلغل» الأفكار الغربية في عموم مجالات الثقافة والتعليم والفن منذ قيام الثورة الإيرانية في فبراير (شباط) 1979.
وتعتبر اللجنة من أذرع المرشد للتدخل في الخطط التعليمية والثقافية لوزارتي التعليم والثقافة.
في أحدث تدخل، أعلن خامنئي خلال خطابه أمام حشد من المعلمين بمناسبة يوم المعلم في إيران احتجاجه الشديد على تطبيق «ناعم» لبرنامج الخطة المستدامة على الصعيد في مجال التعليم، وقال إن «الوثيقة ليست شيئا ترضخ لها إيران بأي شكل من الأشكال»، كما هاجم خامنئي اليونيسكو بسبب ما اعتبره تدخلا في الثقافات المختلفة.
لم تمض 48 ساعة على خطاب خامنئي حتى أعلنت الجهات المسؤولة وقف العمل بالوثيقة. لكن الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني قال في خطاب حماسي خلال حملته الانتخابية السبت 13 مايو (أيار) في طهران أنه يطمئن الإيرانيين والمرشد بأن حكومته ستطبق البرنامج في سياق الثقافة الإيرانية، منتقدا من حاول تقديم صورة مشوهة للبرنامج العالمي. وهو ما ينذر بتوتر جديد بينهما.
وكان المرشد الإيراني قد وجه اللوم إلى «اللجنة العليا للثورة الثقافية» لعدم تصديها للبرنامج مما دفعه للتدخل. وتنفذ اللجنة منذ سنوات برنامج محلي تحت عنوان «الخطة العلمية الشاملة» وهي عبارة عن 224 خطوة تتغير بموجبها المناهج الدراسية في جميع المستويات. فضلا عن الخطة الشاملة فإن الحكومة السابقة أقرت في عام 2011 «وثيقة التغيير الجذري في منظومة التعليم والتربية»، وهدفها وضع خريطة طريق لأسس التعليمية والتربوية في إيران وفق سياسات «اللجنة العليا للثورة الثقافية» وفلسفة النظام التربوية.
في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 انتقد خامنئي «التأخير في تحول العلوم الإنسانية» وطالب بمتابعة جدية في قضايا «الهندسة الثقافية وقضية التحول وتحديث النظام التعليمي والعملي»، وتضم تلك المطالبات جميع المستويات العلمية واعتبر التأخير في تحول العلوم الإنسانية مصدر خسائر كبيرة للنظام في إيران.
وقبل عام تحديدا، في 3 مايو احتج خامنئي على انتشار تعليم اللغة الإنجليزية واعتبرها من مؤشرات السعي وراء تغيير نمط الحياة الإيرانية. خامنئي في تلك التصريحات اعتبر النظام التعليمي «رثا وقديما»، وقال إن النظام التعليمي الإيراني «مستورد من الغرب ويراوح مكانه مثل قطع أثرية في محتف من دون أن تلمسه يد» كما انتقد تعليم اللغة الإنجليزية في المؤسسات العلمية واعتبره «غير صحي» على حساب تعليم اللغة الفارسية.
لكن المؤشرات على التوتر الجديد بدأت في بداية أبريل (نيسان) الماضي عندما أفادت وكالة «إيسنا» نقلا عن أمين عام «اللجنة العليا للثورة الثقافية» محمد رضا مخبر دزفولي أن الوثيقة الأممية التي وافقت الحكومة على تطبيقها تتعارض مع المبادئ والقيم العقائدية الإيرانية. كذلك انتقد المسؤول الإيراني تجاهل «وثيقة التغيير الجذري في منظومة التعليم والتربية».
ومع ذلك فإن النقاش خرج للعلن الأسبوع الماضي بخطاب المرشد، واتضح أن طهران تعهدت قبل أشهر قليلة بتطبيق برنامج اليونيسكو التعليمي ضمن برنامج التنمية المستدامة 2030 قدمت بموجبه إدارة روحاني وثيقة لتطبيق البرنامج التعليمي العالمي لكن الآن بعد احتجاج خامنئي ينظر الإيرانيون بقلق تجاه مستقبل الوثيقة. وشهدت إيران خلال الأيام الأخيرة انقسامات حول الوثيقة، فبينما اعتبرتها وسائل إعلام مؤيدة لإدارة روحاني أنها مهمة لتنمية وتطوير النظام التعليمي فإن المنابر الإعلامية المحافظة والتابعة للحرس الثوري وضعتها في قائمة نظريات المؤامرة على المجتمع والنظام.
من غايات خطة التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2015 «عالم يلم فيه الجميع بالقراءة والكتابة وتتاح فيه للجميع سبل متكافئة للحصول على التعليم الجيد على جميع المستويات».
وتلتزم الدول المنظمة للخطة «بتوفير تعليم جيد في جميع المستويات - الطفولة المبكرة والتعليم الابتدائي والتعليم الثانوي والتعليم الجامعي والتعليم التقني والتدريب المهني - على نحو يشمل جميع الأشخاص وينصفهم»، وتذكر الوثيقة أن «الناس بصرف النظر عن هويتهم من حيث نوع الجنس أو العمر أو الانتماء العرقي والإثني والأشخاص ذوي الإعاقة والمهاجرين وأبناء الشعوب الأصلية والأطفال والشباب، ولا سيما الذين يعيشون في أوضاع هشة، كلهم ينبغي أن يستفيدوا من فرص التعليم مدى الحياة».
وتطبيق الخطة بإشراف أممي في مناطق كثيرة من إيران ذات التركيبة العرقية المتنوعة قد يكون مصدر إحراج دولي كبير، فيما يتعلق بالوضع التعليمي للقوميات الكبيرة التي تتزايد المطالب الشعبية فيها بحق تعليم لغة الأم. فضلا عن ذلك فإن المساواة الجنسية في التعليم ووضع حد للتمييز بين الجنسين يشكل بيت القصيد في برنامج الخطة المستدامة 2030، تعاني المرأة في إيران من تمييز صارخ في فرص التعليم والعمل.
تدخلات المرشد الإيراني تتحدى تعديل المناهج التعليمية في البلاد
قيود نشطت موجات هجرة العقول لآفاق أكثر رحابة بالعلوم السياسية
تدخلات المرشد الإيراني تتحدى تعديل المناهج التعليمية في البلاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة