السودان يعلن حكومة وفاق وطني من 73 وزيراً ووزير دولة

بعد ثلاث سنوات من الحوار مع معارضين ومسلحين

رئيس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة في السودان خلال تلاوة المراسيم لإعلان تشكيلة الحكومة («الشرق الأوسط»)
رئيس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة في السودان خلال تلاوة المراسيم لإعلان تشكيلة الحكومة («الشرق الأوسط»)
TT

السودان يعلن حكومة وفاق وطني من 73 وزيراً ووزير دولة

رئيس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة في السودان خلال تلاوة المراسيم لإعلان تشكيلة الحكومة («الشرق الأوسط»)
رئيس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة في السودان خلال تلاوة المراسيم لإعلان تشكيلة الحكومة («الشرق الأوسط»)

أعلنت الرئاسة السودانية الحكومة الجديدة بعد ثلاث سنوات من الحوار مع أحزاب معارضة وحركات مسلحة موقعة على اتفاقات سلام، وتتكون من نائبين للرئيس، وأربعة مساعدين رئاسيين، و31 وزيرا، و42 وزير دولة.، وذلك بعد تأخر إعلانها لأكثر من أربعة أشهر. وينتظر أن يؤدي التنفيذيون المعينون اليمين الدستورية مساء اليوم، أمام الرئيس عمر حسن البشير، وتنازل الحزب الحاكم المؤتمر الوطني عن وزارات و7 وزراء دولة، لصالح القوى المشاركة في الحوار الوطني.
وأصدر الرئيس البشير مراسيم رئاسية عين بموجبها نواب الرئيس ومساعديه والوزراء الاتحاديين ووزراء الدولة، وأعضاء المجلس الوطني ومجلس الولايات، معلنا بذلك التشكيلة الجديدة المعروفة بحكومة الوفاق الوطني، التي تأتي إنفاذا لمقررات الحوار الوطني الداخلي الذي استمر لأكثر من ثلاث سنوات، دعا له الرئيس البشير في خطاب «الوثبة الشهير» أكتوبر (تشرين الأول) 2014.
وشاركت في الحوار الوطني قوى سياسية وحركات مسلحة، من بينها حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه زعيم الإسلاميين السودانيين حسن الترابي، والحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني اللذان يعدان أكبرها.
وقاطعت الحوار أحزاب معارضة رئيسية أبرزها حزب الأمة القومي، والحركات المسلحة الرئيسية في البلاد، وهي الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال، وحركة العدل والمساواة الدارفورية، وحركتا جيش تحرير السودان جناحا عبد الواحد محمد النور ومني أركو مناوي، اللتان تعملان ضمن تحالف قوى «نداء السودان» المعارض.
كما قاطعته أحزاب «تحالف قوى الإجماع الوطني» يسارية التوجه، وأبرزها الحزب الشيوعي السوداني، وحزب البعث العربي الاشتراكي، ورأت في الحكومة المكونة وفقه، مجرد تجميل لوجه نظام الحكم، وأنها لن تتعدى توزيع «وظائف ومناصب» لإرضاء المشاركين في الحوار الوطني.
وأجرى البرلمان السوداني تعديلات دستورية حولت اسم الحكومة إلى حكومة الوفاق الوطني بدلا من حكومة الوحدة الوطنية، وقضت باستحداث منصب رئيس وزراء للمرة الأولى منذ وصول الرئيس البشير للحكم، وعين النائب الأول للرئيس بكري حسن صالح رئيسا للوزراء، مع احتفاظه بوظيفته السابقة «نائبا أول».
وأدت النزاعات على كراسي السلطة إلى تأخير إعلان الحكومة لأكثر من مرة، وتأخرت الأحزاب التي شاركت في الحوار الوطني، ويتجاوز عددها المائة حزب وحركة مسلحة في تقديم أسماء ممثليها، فضلا عن محاولات الحصول على أكبر «قضمة» من كيكة السلطة التي قال عنها الرئيس البشير غداة أداء نائبه الأول اليمين الدستورية رئيسا للوزراء: «الكيكة صغيرة والأيدي كثيرة».
وأثيرت كثير من المواقف الخلافية بين الأحزاب المتحاورة، تتعلق بحصتها في السلطة، وبشأن التعديلات الدستورية المتعلقة بالحريات العامة وسلطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني. لكن الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» استخدم «أغلبيته الميكانيكية» في البرلمان لإجازة الدستور الانتقالي، دون تقليص صلاحيات جهاز الأمن، بل جعل منه «قوة نظامية» مثله مثل الجيش والشرطة.
وحدد الرئيس البشير في وقت سابق مهام الحكومة بإصلاح جهاز الدولة، وإعداد الدستور الدائم، والترتيب للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في عام 2020.
ويأتي تكوين الحكومة بعد التحسن اللافت لعلاقات السودان مع المجتمع الدولي والغرب على وجه الخصوص، بعد إصدار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أمرين تنفيذيين قضيا برفع جزئي للعقوبات عن السودان، على أن ترفع كليا في الثالث عشر من يوليو (تموز) المقبل، مشترطا التزام السودان بخطة «المسارات الخمسة»، وتتضمن الحرب على الإرهاب، ومحاربة «جيش الرب» الأوغندي، ووقف الحرب وإشاعة السلام، والإسهام في وقف الحرب في جنوب السودان، وإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في مناطق النزاعات، ويعتبر تكوين الحكومة جزءا من الخطوات الداعمة للرفع الكلي للعقوبات.
واحتفظ معظم وزراء الحزب الحاكم بوظائفهم الوزارية، فيما يعد وزير المالية بدر الدين محمود ووزير المعادن أحمد صادق الكاروري، أبرز المغادرين من حصة الحزب الحاكم. أما مفاجأة الوزارة الجدية فهي تكليف عسكري حقيبة وزارة المالية، إضافة لتسنم الزعيم السياسي المثير للجدل مبارك الفاضل المهدي حقيبة وزارة الاستثمار.
وأبقى الرئيس البشير على «مؤسسة الرئاسة دون تعديل»، واحتفظ كل من نائبه الأول بكري حسن صالح، ونائبه حسبو محمد عبد الرحمن بمنصبيها، واحتفظ مساعدوه الأربعة بمناصبهم أيضاً، وهم المساعد الأول محمد الحسن محمد عثمان الميرغني، وإبراهيم محمود حامد، وموسى محمد أحمد، وعبد الرحمن الصادق المهدي.
وتعهد صالح بالعمل على تنفيذ «مخرجات الحوار الوطني»، وعدد من البرامج تتضمن الاهتمام بـ«معيشة الناس»، وتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، وأبقى الباب مواربا للراغبين في اللحاق بالحوار الوطني من المعارضين الرافضين للحوار، والحركات المسلحة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.