إيمانويل ماكرون... «سوبر ستار» فرنسي

لمن تقرع أجراس باريس مساء غد؟

إيمانويل ماكرون... «سوبر ستار» فرنسي
TT

إيمانويل ماكرون... «سوبر ستار» فرنسي

إيمانويل ماكرون... «سوبر ستار» فرنسي

في الساعة الثامنة تماماً من مساء غد (الأحد)، ستظهر على شاشات التلفزة الفرنسية صورة الرئيس (أو الرئيسة) المقبل لفرنسا الذي سيتسلم من الرئيس المنتهية ولايته فرنسوا هولاند مقدرات البلاد لخمس سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة. وبما أن الأخير أعلن أكثر من مرة أنه سيمارس صلاحياته الرئاسية حتى آخر لحظة من عهده، فمن المنتظر أن تجري عملية التسلم والتسليم في قصر الإليزيه يوم الأحد 14 مايو (أيار)، وهو تاريخ انتهاء ولاية هولاند. وإذا ما تم العمل بهذا السيناريو، فإنها ستكون المرة الأولى التي تحصل فيها هذه العملية يوم أحد منذ 110 سنوات. ذلك أنه خلال 170 سنة من عمر الجمهورية الفرنسية، فقد جرت مرة واحدة يوم الأحد 18 فبراير (شباط) في عام 1906 مع تسلم الرئيس آرمان فاليير مهامه الرئاسية.
حتى طباعة هذه السطور، كانت المؤشرات كلها تدل على أن مرشح الوسط إيمانويل ماكرون سيحقق حلمه ليصبح بعد ساعات الرئيس الثامن لـ«الجمهورية الخامسة» في فرنسا؛ إذ إن استطلاعات الرأي تجمع على أنه سيكون الفائز في هذه المبارزة الانتخابية بفارق مريح (60 في المائة مقابل 40 في المائة لمنافسته مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان) يتجاوز هامش الخطأ في هذا النوع من الاستطلاعات (ما بين 2.5 و3 نقاط في المائة).
ما يرسخ قناعة مناصري ماكرون بأن «المبارزة» التلفزيونية التي تواجه فيها مع لوبان مساء الأربعاء الماضي حسمت لصالحه. ومقابل عنف منافسته وإقدامها منذ اللحظات الأولى من المناظرة على كيل سيل من الاتهامات، لا بل الشتائم، نجح ماكرون في المحافظة على هدوئه من غير ضعف وبدأ دوماً ساعياً لشرح برنامجه الانتخابي والتدابير التي ينوي اعتمادها لإخراج فرنسا من محنتها.
لقد بدأ المرشح الشاب متمكنا من ملفاته الاقتصادية والاجتماعية، بينما اكتفت لوبان بتكرار مواقف عامة وعناوين حرص ماكرون على تفنيدها. والأسوأ من ذلك بالنسبة لمرشحة اليمين المتطرف أنها بدت متأرجحة وغير واثقة مما تقوله في موضوع أوروبا والعملة الموحّدة. وفي ملفات الإرهاب والأمن والهجرة والإسلام، التي كانت لوبان تعوّل عليها لسد الفجوة التي ما زالت تفصلها عن ماكرون، نجح الأخير إلى حد كبير في الرّد عليها. كذلك، لم تنفع اتهاماتها له بأنه «مرشح النخبة والبورصات وأسواق المال»، وبأنه «منبطح» أمام المستشارة الألمانية، ولا يعرف هموم الشعب وأنه مرشح هولاند... وآخر ما تفتق به ذهنها الإيحاء، خلال المناظرة التلفزيونية، بأن ماكرون يملك حسابات «أوف شور» سرية في جزر الباهاما.

«لمسات» موسكو؟
وجاءت اتهامات «آخر لحظة» على خلفيات أخبار وكتابات وردت في مواقع إلكترونية أميركية. وكان رد ماكرون قاطعاً؛ إذ نفى بقوة امتلاكه أي حساب في الخارج، وفي اليوم التالي للمناظرة، وبعدما شهد يوم الخميس انتشاراً واسعاً لهذه الشائعات، تقدم ماكرون بشكوى إلى القضاء الفرنسي الذي بادر فوراً إلى فتح تحقيق بالنظر إلى خطورة الاتهامات، وما يمكن أن تفضي إليه من تأثير على الناخبين الفرنسيين. وبحسب معلومات للفريق الإلكتروني العامل مع ماكرون، فإن أولى الشائعات انطلقت من الولايات المتحدة عبر مواقع عملت لصالح دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية. أما في فرنسا، فقد تلقفتها مواقع قريبة من الدوائر الروسية الرسمية التي اعتادت أن تنشر تقارير وكالة «سبوتنيك» أو مجموعة «روسيا اليوم» الروسيتين.
الواضح أن فريق لوبان لعب في الساعات الماضية ورقته «الأخيرة» لوقف تقدم ماكرون نحو قصر الإليزيه. بيد أن المراقبين يستبعدون أن تنجح خطته في تغيير مسار الأحداث بنهاية معركة انتخابية ربما تكون الوحيدة من نوعها في تاريخ الرئاسيات الفرنسية. ونجاح ماكرون - إذا تحول إلى واقع - ووصل إلى رئاسة الجمهورية، سيكون مثالاً يُدرّس في معاهد العلوم السياسية. كذلك، فإن مجريات الحملة الانتخابية وتطوراتها بمجملها كانت أشبه بمسرحية كثيرة المفاجآت، ومن تداعياتها إعادة تشكيل المشهد السياسي في فرنسا، وستظهر مؤشراته الأولى بدءا من مساء الأحد؛ لأن الانتخابات التشريعية (البرلمانية) ستجرى في يونيو (حزيران) المقبل ومصيرها سيكون له تأثير بالغ على مسار العهد الجديد. ذلك أن ماكرون سيكون في حاجة إلى أكثرية برلمانية ليحكم. والسؤال المطروح: ممن ستتشكل هذه الأكثرية، خصوصاً أن كثيرين ممن سيقترعون له غداً، وسيمكنونه من الرئاسة، سيكونون فعلوا ذلك ليس من باب تبني برنامجه... بل لقطع الطريق على لوبان.

قصة نجاح
في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، أطلق إيمانويل ماكرون - وزير الاقتصاد حينذاك - حركة سياسية فرنسية جديدة سماها «إلى الأمام». عندها بدأ المعلقون السياسيون يتحدثون عن الطموحات الرئاسية للشاب البالغ من العمر 38 سنة.
وشيئاً فشيئاً، حمي وطيس الجدل بين فريق يقول إنه «لن يجرؤ» على الترشح ضد الرئيس هولاند لأنه «صنيعته». ذلك أن الرئيس الاشتراكي هو من أخرجه من المجهول أولاً، عندما عيّنه مستشاراً اقتصاديا له بناءً على نصيحة من جاك أتالي، المستشار الخاص للرئيس الاشتراكي الأسبق فرنسوا ميتران. وبعدما فاز هولاند بالرئاسة، انتقل ماكرون - خريج المعهد الوطني للإدارة - معه إلى الإليزيه ليكون نائب مدير عام الرئاسة، مع الاستمرار في عمله مستشارا اقتصاديا. أما الخطوة اللاحقة، فقد تمّت عندما كلفه بتولّي حقيبة وزارة الاقتصاد في حكومة مانويل فالس ليغدو أصغر وزير فيها. لمجموع هذه الأسباب، لم يكن متوقعاً أن ينافس ماكرون ولي نعمته، ولا سيما، أن رؤساء الجمهورية في فرنسا، يميناً ويساراً، دأبوا على الترشح لولاية ثانية يتيحها الدستور. فالجنرال شارل ديغول، أول رئيس لـ«الجمهورية الخامسة»، حكم لولايتين، لكنه لم يكمل الثانية بسبب «الثورة الطلابية» وأحداث مايو 1968، ومن ثم وخسارته للاستفتاء الخاص بإدخال إصلاحات سياسية وإدارية ففضّل الاستقالة. وحل بعد ديغول في قصر الإليزيه، رئيس حكومته جورج بومبيدو. إلا أن مرض السرطان لم يمكنه من إكمال ولايته الأولى فتوفي إبان رئاسته. ولكن في عهد بومبيدو لمع اسم وزير الاقتصاد والمال وسليل عائلة أرستقراطية من وسط فرنسا هو فاليري جيسكار ديستان الذي فاز بالرئاسة عام 1974 على منافسه الاشتراكي فرنسوا ميتران. لكن جيسكار - كما يسميه الفرنسيون - أخفق في عام 1981 في الفوز بولاية ثانية. وكانت النتيجة وصول غريمه الاشتراكي ميتران إلى القصر الرئاسي لولاية من سبع سنوات، أعقبها فوزه بولاية ثانية انتهت عام 1995. ومثل ميتران، نجح «الديغولي» جاك شيراك في أن يحكم فرنسا لولايتين، ولقد فاز بالثانية عام 2002 بنسبة 80 في المائة وكان منافسه يومذاك جان ماري لوبان، زعيم «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة ووالد المرشحة الحالية مارين لوبان. ومن ثم، انتقلت الرئاسة من شيراك إلى يميني آخر هو نيكولا ساركوزي. لكن الأخير أخفق عام 2012 في الحصول على ثقة الفرنسيين مرة ثانية، فخسر الانتخابات لتذهب الرئاسة إلى الاشتراكي فرنسوا هولاند.

ماكرون «الظاهرة»
يجمع المحللون السياسيون على أن هولاند كان ينوي السير على خطى مَن سبقه في الترشح لولاية ثانية. إلا أن ضعفه السياسي، قبل عام من الاستحقاق الانتخابي بسبب غياب النتائج الاقتصادية والاجتماعية الإيجابية، واتباعه سياسة ليبرالية مخالفة لوعوده الانتخابية، وأخطاءه الشخصية، قلّصت حظوظه في الترشح والفوز. لكن الشعرة التي قصمت ظهر البعير جاءت عندما أعلن «ربيبه» ماكرون في أغسطس (آب) الماضي ترشحه للرئاسة بغض النظر عما سيقرّره هولاند. وعمد وزير الاقتصاد السابق إلى الاستقالة من منصبه الوزاري ليتفرّغ لمعركة ترشحه. ثم رئيس الحكومة الشاب برر طموحاته باعتباره أن ضعف هولاند سياسيا يفتح له - أي ماكرون - الباب واسعاً للترشح. وخسارته الانتخابات الداخلية بوجه منافسه بونوا هامون، ممثل التيار اليساري في الحزب الاشتراكي، أزاحته من المنافسة حقاً... وأوجدت المساحة السياسية التي يحتاج إليها ماكرون. وهذا، الأخير، في هذه الأثناء، أراد تخطي الاصطفافات التقليدية بين اليمين واليسار، وعلى جانبيهما اليمين المتطرف واليسار المتشدد. مع هذا، رأى كثيرون أن ماكرون مجرد «فقاعة إعلامية» أو «مرشح افتراضي» أو حتى «صنيعة مؤسسات استطلاع الرأي». وبناءً عليه؛ لن يصمد في السباق الانتخابي لأنه سيعجز عن إثبات وجوده في وجه أحزاب متجذّرة في المجتمع الفرنسي، ولها «ماكيناتها» السياسية والإدارية والتنظيمية. يمثل صعود ماكرون ظاهرة سياسية حقيقية في المجتمع الفرنسي. فهو، بداية، يعكس رغبة التجديد والانفتاح رغم وصف منافسيه له بأنه «مرشح البورصة» و«أوليغارشيا المال»، أو أنه «الطفل المدلل» للوسائل الإعلامية القوية ولأرباب العمل. وتذهب منافسته مارين لوبان أبعد من ذلك فلا تتردد في وصفه بـ«مرشح الخارج» و«المجموعات الإسلامية» و«المهاجرين»، وتتهمه بالتخلي عن «الهوية الفرنسية»... إلى غير ذلك من النعوت التي يراد منها نزع الشرعية عنه.

هذه هي السياسة
لكن الواقع، أن ماكرون، الذي من المرجح له أن يكون الرئيس المقلل لفرنسا، نجح في التسويق لخط سياسي اقتصادي ليبرالي أوروبي من دون أن يتخلى عن أساسيات توفير الحماية للمواطن والمحافظة على الضمانات الاجتماعية الأساسية في المجتمع الفرنسي. والتحدي الكبير أمامه إذا ما أصبح الرئيس الثامن للجمهورية، هو النجاح في تأمين أكثرية نيابية تدعم عمله في مجلس النواب وتوفر الاستقرار السياسي الضروري من أجل إنجاز الإصلاحات التي وعد المواطنين بها. غير أن انتخاب ماكرون - في حال فاز - لن يعني بالضرورة، كما سبقت الإشارة، تبنيا له أو لبرنامجه، بل إنه في جزء كبير منه لقطع الطريق على مارين لوبان مرشحة اليمين المتطرف... ولتلافي أن تغدو فرنسا أول دولة غربية كبرى يحكمها اليمين المتطرف. والمفهوم أن لهذا الأمر تبعات تهدد البناء الأوروبي والعملة الموحّدة، وتعزز صعود القومية المتعصبة، وتروّج الخطاب الشعبوي المعادي للمهاجرين والإسلام، وتحفّز لقيام سياسات حمائية، وإلغاء اتفاقية التنقل الحر المعروفة باسم «اتفاقية شينغن»، فضلا عن الإساءة لصورة فرنسا ومكانتها وسمعتها بصفتها أول دولة في العالم كرّست في نص مكتوب شرعة حقوق الإنسان.
بكلام آخر، فإن وصول لوبان من شأنه أن يدشّن عصراً غامضاً مليئاً بالمطبات الخارجية والداخلية.

الوريثة العقوق
في المقابل، منذ بداية الحملة الرئاسية، دأبت مارين لوبان على تمييز ترشحها عن الآخرين؛ إذ إنها تقدم ذاتها على أنها «ضد النظام» القائم، وأنها «مرشحة الشعب». لكن حقيقة الأمر أنها «الوريثة السياسية» الوحيدة من بين مرشحي الدورة الأولى الـ11؛ حيث إن لوبان ورثت رئاسة حزب «الجبهة الوطنية» من والدها الذي تخاصم مع قدامى رفقائه لتنصيبها زعيمة له، ولتصبح بشكل آلي مرشحته للرئاسة. المرة الأولى كانت في عام 2012، والمرة الثانية في 2017.
كذلك، فإن قول لوبان أنها «ابنة الشعب» ومرشحته يجافي الحقيقة؛ إذ إنها عاشت منذ ولادتها في قصر ورثه والدها بطريقة غامضة من أحد قدامى أثرياء «الجبهة الوطنية»، كما ورث أمواله وأصبح بالتالي غنياً.
مع هذا، تخاصمت لوبان لاحقا مع والدها لأنها برأيه «حادت» عن خط الجبهة وتبنّت مساراً «معتدلا». وذهبت الأمور إلى المحاكم، ونزعت عنه الرئاسة الفخرية كما سعت الابنة إلى إخراج أبيها من الحزب لأنها وجدت أنه تحوّل إلى عائق في طريقها إلى السلطة. وربما ما يجمع بين المرشحين ماكرون ولوبان أن كليهما تصدق عليهما حالة «قتل الأب» الرمزية. فالأول قضى على آمال أبيه الروحي فرنسوا هولاند، والثانية «حيّدت» والدها ووضعته عملياً على الرف. وبالنسبة للوبان، قامت استراتيجيتها فعلياً على «تطبيع» وضع «الجبهة» وتحويلها إلى حزب كبقية الأحزاب الفرنسية أكانت يمينا (الجمهوريون) أو يساراً (الاشتراكيون). وخلال السنوات السبع التي انقضت على ترؤسها «الجبهة»، استفادت لوبان من أخطاء الأحزاب التقليدية، ونجحت في توسيع قاعدتها الانتخابية، ولقد برز ذلك في الانتخابات الإقليمية والمحلية. إلا أن البرلمان الفرنسي بقي عصيا على «الجبهة» المتطرفة التي لم تنجح إلا في إيصال نائبين في الانتخابات التي أجريت قبل خمس سنوات. ولذا؛ فإن حلول لوبان في المرتبة الثانية خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ليس سوى «ترجمة» لتقدمها المستمر منذ 2011؛ وبذا تكون لوبان «الظاهرة» الانتخابية الثانية؛ إذ إن «الجبهة الوطنية» تحولت إلى ثاني قطب سياسي وضع حدا مع إيمانويل ماكرون لـ«الثنائية القطبية» القديمة القائمة على تداول السلطة بين يمين تقليدي ويسار اشتراكي.
وإذا لم تصل لوبان إلى قصر الإليزيه هذه المرة، فإنها على الأقل اجتازت أكثر من نصف الطريق التي تفصلها عنه. فضلا عن ذلك، لم يعد من الصعب على «الجبهة» أن تحصل في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في يونيو المقبل بعد أقل من شهر على الرئاسيات، على عدد كاف من النواب لتكوين مجموعة مستقلة تحت قبة البرلمان؛ الأمر الذي سيضمن لها حضورا سياسيا ونيابيا، ويمكّنها من التغلغل أكثر فأكثر في شرايين الدولة الفرنسية. وبعدما كان محازبو اليمين المتطرف يخفون انتماءهم لهذا التيار الفكري والسياسي وتبنيهم آيديولوجيته، فإنهم اليوم يعلنون جهاراً انتماءهم له... ما يعني أن كسر الحاجز النفسي الذي كان يحول دون تقدّم فكر اليمين المتطرف وتغوّله. وجاءت الأعمال الإرهابية التي ضربت فرنسا في العامين الأخيرين، معطوفة على موجات الهجرة المكثفة باتجاه أوروبا، لتنفخ في أشرعة اليمين المتطرف ولتضعه على أبواب السلطة.

السقف الزجاجي
تعبير «السقف الزجاجي» سياسيا يعني في اللغة الفرنسية وجود «حاجز» غير مرئي يحول دون وصول حزب أو حركة إلى موقع معين. والمقصود في حالة «الجبهة الوطنية»عجز مارين لوبان عن الوصول إلى رئاسة الجمهورية لأسباب تتعلق بتطرف «الجبهة» وماضيها وبالاسم الذي تحمله. لكن المراقبين يلاحظون أنه عندما تأهل جان ماري لوبان للجولة الثانية في انتخابات الرئاسة عام 2002، سارت المظاهرات الشعبية في الشوارع، وتوافقت كل الأحزاب يميناً ويساراً على التصويت ضده. أيضا اللافت أن الأجهزة الإعلامية كانت تقاطع جان ماري لوبان.

غير أن الصورة تبدّلت الآن
ابنة مؤسس «الجبهة الوطنية» موجودة ملء السمع والبصر على شاشات كل القنوات التي تتنافس على دعوتها. وما يصح على الإعلام المسموع والمرئي يصح أيضا على الصحافة المكتوبة؛ الأمر الذي يبين مرة أخرى أن نظرة الناس إلى اليمين المتطرف قد تغيرت. وثمة أشخاص يرون أن اليمين واليسار قد أخفقا، فلماذا الامتناع عن تجربة شيء جديد؟
أضف إلى ذلك، أن الاتفاق على برنامج «حكم مشترك» الذي أبرمته لوبان مع نيكولا دوبون دينيان، مرشح حزب «فرنسا انهضي» اليميني المتشدد - الذي يدعي أنه ديغولي الهوى والسياسة -، وهو أول اتفاق تبرمه «الجبهة» مع رئيس حزب، بيّن أن لوبان تريد أن تطبع في عقول الناس أنها أصبحت «جاهزة» لتولي أعلى المسؤوليات في الجمهورية الفرنسية.
وبموازاة ذلك، فإن تردد بعض قادة اليمين في الدعوة الصريحة للاقتراع لصالح ماكرون، وفتور اليسار الاشتراكي، وتردد - لا بل امتناع - مرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلونشون عن القيام بذلك، دلائل تظهر بشكل واضح أن «الجبهة الجمهورية» التي تصدّت بنجاح في الماضي للوبان «الأب» غير قائمة عملياً اليوم في وجه لوبان «الابنة»؛ وهو ما يجعل الأبواب مفتوحة على الكثير من الاحتمالات.
حتى الساعة، يبدو شبه مؤكد أن فرنسا لن تسلم مفاتيح القيادة هذه المرة لزعيمة اليمين المتطرف. لكن، رغم ذلك، فإن «الجبهة الوطنية» تحوّلت تحت قيادتها إلى لاعب رئيسي على الساحة الفرنسية، وستكون الانتخابات التشريعية فرصة لها لإرسال مجموعة واسعة من النواب إلى البرلمان. ففرنسا التي تداول على حكمها اليمين التقليدي واليسار المعتدل أصبحت اليوم من الماضي. وبعد الثنائية القطبية، تفتت المشهد السياسي وهو اليوم في طور إعادة التركيب والترتيب.
إنها ولادة عسيرة تأتي بعد مخاضات مؤلمة، ليس فقط لزعيمة اليمين المتطرف التي اعتقدت أن دورها قد حان للوصول إلى السلطة، ولكن أيضاً وخصوصاً، لمن غابوا عن التنافس في الجولة النهائية (اليمين مع حزب الجمهوريين واليسار مع الحزب الاشتراكي)، وهم يحلمون بأن تفتح لهم الانتخابات التشريعية الباب للعودة إلى مواقعهم المألوفة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».