تفاهم بين حفتر والسراج في أبوظبي... وانقسام بين القادة الليبيين بشأن الترتيبات

مصادر لـ «الشرق الأوسط»: الطرفان اتفقا على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية العام المقبل

حفتر والسراج اتفقا على فتح قنوات تواصل دائمة
حفتر والسراج اتفقا على فتح قنوات تواصل دائمة
TT

تفاهم بين حفتر والسراج في أبوظبي... وانقسام بين القادة الليبيين بشأن الترتيبات

حفتر والسراج اتفقا على فتح قنوات تواصل دائمة
حفتر والسراج اتفقا على فتح قنوات تواصل دائمة

في لقاء يعد الثاني من نوعه، نجحت أمس دولة الإمارات العربية المتحدة في عقد اجتماع بين المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني في شرق ليبيا، وفائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني المدعومة من بعثة الأمم المتحدة، في مدينة أبوظبي.
وفي حين أكد مكتب حفتر، الذي نشر صورة الاجتماع في بيان مقتضب، أن الاجتماع عقد بعد وساطة دولية وعربية، قالت مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» إن اللقاء اقتصر على الجانبين فقط، ولم يشارك فيه أي من الوفدين المرافقين لحفتر والسراج.
لكن وكالة الأنباء الليبية الموالية للبرلمان الليبي قالت إن حفتر والسراج اتفقا على فتح قنوات تواصل دائمة، مشيرة إلى أنه من المقرر أن يجتمع فريقا عمل للاتفاق على تفاصيل تشكيلة حكومية، وترتيبات عسكرية بين ضباط القوات المسلحة العربية الليبية.
ولم يصدر حتى مساء أمس أي بيان رسمي حول فحوى المحادثات، لكن مصادر غير رسمية رجحت في المقابل الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في مدة أقصاها شهر مارس (آذار) المقبل، وهو بند سبق أن أشار إليه بيان اللجنة المصرية الرسمية التي يترأسها الفريق محمود حجازي، رئيس أركان الجيش المصري، حول تفاهم الطرفين على إجراء انتخابات جديدة في البلاد.
وقال حمد البنداق، عضو برلمان شرق ليبيا الذي رافق حفتر، إنه كان من المقرر أن يجري الطرفان محادثات في أبوظبي بعد تصويرهما سويا على وسائل التواصل الاجتماعي لأول مرة منذ مطلع 2016.
وطبقا لتسريبات نشرتها وسائل إعلام محلية فقد اتفق الجانبان على إجراء انتخابات عامة بعد 6 أشهر من توقيع الاتفاق، كما توقعت المصادر الاتفاق على إعادة هيكلة المجلس الرئاسي لحكومة السراج المكون من تسعة أعضاء، وتقليصه إلى ثلاثة فقط، وفقا لاشتراطات مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي مقرا له، وأوضحت أن الطرفين ربما اتفقا أيضا على إلغاء المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات، وأن تتولى قوات الجيش بقيادة حفتر الإشراف على بند الترتيبات الأمنية في إخراج الميليشيات المسلحة من المدن الليبية.
وروجت مصادر إعلامية اتفاق حفتر والسراج على تشكيل مجلس جديد لرئاسة الدولة يتكون منهما، بالإضافة إلى رئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح، علاوة على الاتفاق على توحيد قوات الجيش ورفض أي تدخلات خارجية في تشكيله وحل الميليشيات المسلحة، مشيرة إلى الاتفاق على ضرورة الامتثال للأحكام القضائية، وتحرير الحكومة المقبلة للبلاد من أي هيمنة محلية ومواصلة الحرب على الإرهاب.
لكن هذا التقارب الذي جرى بين السراج والمشير خليفة حفتر أدى إلى انقسام بين القادة الليبيين بشأن الترتيبات المستقبلية، فبينما أيد بعض الزعماء هذه الخطوة، بدا من تعليقات قادة آخرين أن هناك ألغاما في طريق تقاسم السلطة بين الرجلين.
وقال بلعيد الشيخي، المستشار الاجتماعي للقائد العام للجيش لـ«الشرق الأوسط»، إن لقاء الإمارات سوف يسهم في حل أزمة ليبيا، والقضاء على الإرهاب، مشيرا إلى أن حفتر والسراج يمكنهما العمل سويا في المجلس الرئاسي المدعوم من الأمم المتحدة.
لكن العميد محمود زقل، قائد الحرس الوطني الليبي، قال لـ«الشرق الأوسط»، متحديا أي توافق يمكن أن يضع قائد الجيش الوطني على شاشة الحكم في البلاد: «لن نسمح لحفتر بالتواجد في المشهد لأنه انقلب على الشرعية وشن حرب إبادة في بنغازي... وكان ينبغي على المجلس الرئاسي التحقيق معه، لا الدخول معه في نقاش».
وأدى لقاء أمس، وفقا لمصادر ليبية إلى ارتفاع قيمة العملة المحلية الليبية أمام الدولار في السوق الموازية، من نحو عشرة دنانير إلى أقل من ثمانية دنانير فقط. وفي هذا السياق قال الشيخي، وهو أحد المقربين من حفتر: «نحن مطمئنون لما يقوم به السيد المشير... إنه يحرص على استقرار الوطن، وإنهاء حالة الانقسام».
وتابع الشيخي، وهو أحد القيادات الاجتماعية المهمة وسط قبائل شرق ليبيا، ولديه علاقات واسعة مع قيادات قبلية في الغرب والجنوب: «لا يمكن للدولة أن تسير بالطريقة التي تسير عليها حاليا، لأنه يوجد انقسام في كثير من المؤسسات المهمة في الدولة... ولهذا نشكر دولة الإمارات، ونشكر دولة مصر وكل الأشقاء الذين يحاولون مساعدة ليبيا للخروج من الأزمة التي تمر بها. ونحن نؤيد لقاء الإمارات»، مشيرا إلى أن مباحثات المسؤولين «فيها رفض لجماعة الإخوان وللتشكيلات الأخرى المتطرفة التي تثير الفوضى في طرابلس».
وأشار الشيخي إلى أن المشير حفتر «يمكن أن يكون في المدلس الرئاسي، قائدا عاما للقوات المسلحة العربية الليبية، كما هو، وفقا لمباحثات (أبوظبي) في الإمارات، ويمكن أن يكون السراج رئيس حكومة أو حتى رئيسا للبرلمان. ونحن الليبيين نوافق على هذه التفاهمات بنسبة 90 في المائة».
وعلمت «الشرق الأوسط» أن السراج هو من طلب اللقاء مع حفتر، بحسب مصادر ليبية ذات صلة بالجيش، إلا أن المصادر نفسها أشارت إلى أن ضغوطا من الأمم المتحدة ومن دول أوروبية، هي من عجلت بأن يجلس الرجلان حول طاولة واحدة، وأن ينهيا حالة الخلاف التي قسمت البلاد وعطلت مرافقها الحيوية.
من جانبه، أكد أحمد قذاف الدم، مسؤول جبهة النضال الوطني الليبية، أن «حفتر يستمد شرعيته من البرلمان، ولا يملك دستوريا أن يجيز شرعية أحد، وفي المقابل لا أحد يستطيع نزع شرعيته إلا البرلمان نفسه».
وتابع قذاف الدم قائلا من القاهرة: «نحن لسنا ضد أي لقاء بين الأطراف الليبية، إذا كانت تصب في حقن دماء الليبيين واستقرار ليبيا، ورفع الغبن عن أهلنا، وتسهم في عودة ملايين الليبيين المهجرين بالخارج والداخل، وتسهم في خروج أسرانا من السجون... لكننا نتحفظ كثيرا على التدخل الفج في شؤون الوطن، وفرض مسؤولين في مواقع حساسة من الخارج، دون احترام السياق الطبيعي والقانوني لإدارة الدولة، المتعارف عليه».
ومن طرابلس قال العميد محمود زقل: «هذا لقاء لم نكن نتوقع أن يتم... فكيف يلتقي السراج مع هذا الرجل (حفتر)، بعد أن رأى العالم كله عمليات القتل بدم بارد، وانتهاك حرمات الجثث بسبب الحرب التي يشنها في بنغازي، فهذه أعمال لا يرتكبها جيش. وكنا نتمنى ألا يتغاضى السيد كوبلر عن ذلك، وأن تجري حكومة الوفاق تحقيقات في هذه الأمور وتعاقب المسؤولين عليها لا أن تلتقي بهم».
وبخصوص موقفه إذا ما حدث تقاسم لتولي السلطة في طرابلس بين السراج وحفتر، قال العميد زقل: «لن أرضى لحفتر أن يكون في المشهد... هذا أسير حرب، وهو يطمع في السيطرة على السلطة... وقد انقلب على السلطة الشرعية عام 1969 (ضد النظام الملكي)، وفي 2014 (ضد البرلمان السابق)، بعد أن كانت ليبيا تسير في الطريق الديمقراطي»، لكنه شدد على أن الشعب يريد «حكومة ليبية تكون ديمقراطية ومدنية، ويكون دور الجيش مقتصرا على حماية الوطن، دون أن يتدخل في الأمور السياسية. أعتقد أن بعض الأطراف الدولية تريد لحفتر أن يكون بديلا للقذافي».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».